العدد 3044 - الأربعاء 05 يناير 2011م الموافق 30 محرم 1432هـ

بداية الدخول في الإسلام

البحرين في القرن السابع (1):

تميز القرن السابع الميلادي بزيادة حدة الصراع بين العرب والفرس والذي ازداد بعدها بصورة أوضح بعد دخول الإسلام للمنطقة. وقد كان هناك من العرب من لم يدخل في الإسلام وأصبح حليفاً للمناذرة ومنهم من بقي على ولائه للفرس وكان هناك المسيحيون واليهود والمجوس، ويبدو من المرجح أن المجتمع المسيحي النسطوري في البحرين وشرق الجزيرة العربية بقي بعيداً عن الصراعات بل كان يسعى للاستقلال الذاتي حتى أن المعطيات تدل على أن نساطرة البحرين لم يكونوا يدفعون الجزية. إذاً سنقسم أحداث هذا القرن لقسمين رئيسيين الأول نناقش فيه الصراعات والتمردات بين الجماعات والعرقيات المختلفة في البحرين، وأما القسم الثاني فسنتناول فيه تطور المجتمع النسطوري في البحرين وسعيه للاستقلال. وسنبدأ أولاً بقسم الصراعات والتمردات والتي سنتناولها في هذا الفصل والفصل الذي يليه، ويذكر أن هذه الصراعات توضح مدى تلاحم القبائل العربية برغم ما بينها من حروب سابقة وتنافر، ومن أهم هذه الصراعات التي توضح مدى تلاحم القبائل العربية وقعة ذي قار والتي انتصر فيها العرب على الفرس انتصاراً سجل دوياً لايزال يتردد صداه في التاريخ.


وقعة ذي قار

رأينا في الفصول السابقة الاحترازات التي اتخذتها الفرس لتحمي نفسها من القبائل العربية ومن ذلك وجود الأسبذ أو العامل الفارسي، ولكن حتى مع وجود المندوب أو العامل الفارسي فهذا لا يمنع أن تثور حمية العرب بين الحين والآخر وأكبر دليل على ذلك وقعة ذي قار ذلك اليوم الذي انتهى بانتصار العرب على الفرس وقد تكفلت كتب التاريخ والسير بسرد وقائعها وقد ذكروا انه لم يكن يوماً واحداً بل كان عدة وقائع انتهى أمرها بانتصار العرب بيوم ذي قار فغلب اسمه على باقي الأيام، وسوف نلخص هذه المعركة بإيجاز وذلك عن كتاب المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام (علي 1993، ج3 ص293 - 303).


ملخص موقعة ذي قار

هي سلسلة من المعارك حدثت بعد العام 604م أو ما بين 604م – 611م وأشهر يوم فيها هو يوم ذي قار وحدثت المعارك بين بني بكر بن وائل وقادمة بني شيبان وبنو عجل ضد الفرس جنود كسرى ومن معهم من العرب ورئيسهم إياس بن قبيصة الطائي الذي ولاه كسرى على الحيرة مكان النعمان بن المنذر بعد قتل كسرى إياه، وتحت يدي إياس طيء وإياد وبهرا وقضاعة والعباد وتغلب والنمر بن قاسط.

وكان سبب يوم ذي قار طلب كسرى تركة النعمان بن المنذر، وكان النعمان قد تركها وترك ابناً له وبنتاً عند هانئ بن قبيصة بن هانئ بن مسعود الشيباني، فمنع رسول كسرى من الوصول إلى ما طلب؛ وكتب كسرى إلى قيس بن مسعود بن قيس بن خالد، وكان عاملاً له على الطف، بأن يعين إياساً، فأنفذ إلى قومه ليلاً، وحرضهم على القتال، وقد عقد كسرى للنعمان بن زرعة على النمر وتغلب وعقد لخالد بن يزيد البهراني على قضاعة وإياد وعقد لإياس بن قبيصة على العرب وعقد لأحد قواد الفرس واسمه الهامرز بن خلا يزر على ألف من الأساورة الفرس. فلما سمعت بكر بن وائل بخبر جيش كسرى سار هانئ بن مسعود حتى انتهى إلى ذي قار فنزل بها. وتقابل الجيشان في ذي قار وقد تواطأت بعض القبائل المنضوية تحت راية الفرس مع العرب فطارت إياد عن العجم حين تشاجرت الرماح كأنهم مهزومون، وقد قتل في هذه المعركة الهامرز عامل كسرى، وأسر النعمان بن زرعة التغلبي.


النبي (ص) يدعو لنصرة العرب

لقد كانت موقعة ذي قار قبل هجرة النبي محمد (ص) للمدينة بقليل، وقيل إن أناساً من عبدالقيس وحنيفة وغيرهم من بكر بن وائل جاؤوا من اليمامة وبلاد البحرين الموسم يريدون المضي إلى بكر لنجدتها، فوقف عليهم النبي (ص) وهو يعرض نفسه على قبائل العرب، فدعاهم إلى الإسلام، فوعدوا النبي (ص) إن نصرهم الله على الأعاجم آمنوا به وصدقوا بنبوته، فدعا لهم النبي بالنصر. وحينما بلغ النبي (ص) انتصار ربيعة على جيوش كسرى قال: «هذا أول يوم انتصفت فيه العرب من العجم، وبي نصروا». وهذا يوم تفخر به بكر بن وائل على سائر العرب، ويعد من مناقبها ويذكره الشعراء من تقدم ومن تأخر في مدحها. وكانت قبيلة إياد من تلك القبائل التي كان لها موقف مشرف ودور كبير في صنع ذلك النصر، حيث اتفقوا مع بكر على أن يقيموا كعون لجيوش كسرى حتى إذا التحم القوم في مكان من ذي قار يسمى (الجب)، انهزمت (إياد) كما وعدتهم، فمال جانب الفرس وانهزموا.


البحرين والدخول في الإسلام

عالج العديد من الباحثين والكتاب تفاصيل اعتناق جزيرة العرب الشرقية الإسلام، ولا نحتاج هنا إلا إلى بحث النقاط البارزة. لقد كانت هناك أربع زعامات رئيسية على الأقل في البحرين في زمن النبي (ص)، الزعامة الأولى يمثلها المنذر بن ساوى التميمي ويسكن المشقر وقد زعم البعض أنه من عبدالقيس لأنه يلقب بالعبدي ويرى آخرون وهو المرجح انما لقب بالعبدي نسبة لعبدالله بن دارم من بني تميم (الجاسر 1982). أما الزعامة الثانية فقد كان يمثلها سيبخت مرزبان هجر. وكانت هناك زعامة في الخط يمثلها مرزبان معين من قبل فارس يحكمها، أما الزعامة الرابعة فيمثلها بني المعلى وغيره ممن يتزعمون قبيلة عبدالقيس وفروعها، وتدل الأخبار أن ثلاث زعامات قد دانت للإسلام باستثناء مرزبان الخط، وسوف نلخص تسلسل أحداث بداية دخول البحرين للإسلام وذلك من البحث الذي نشر في مجلة الواحدة العدد الأول العام 1995م وجاء تحت عنوان «رسائل النبي إلى أهل البحرين الوثائق السياسية للعهد النبوي فيما يتعلق بالبحرين التاريخية».


بداية الإسلام في البحرين

يدهشنا المؤرخون، في موضوع صلة البحرين التاريخية (الأحساء والقطيف وأوال) بالإسلام، بحديثهم عن قِدَم تلك الصلة، وعن قوّتها واتساعها. كيف يمكن لمنطقة في أقصى شرق الجزيرة العربية أن تتأثر بالدعوة الإسلامية المنبثقة في أقصى الغرب، وأن تعلن إسلامها عن اقتناع (بدون حرب) قبل أن تسلم المناطق القريبة من المدينة المنورة بما فيها مكة نفسها، وقبائل وسط الجزيرة العربية؟

يشير ابن حجر في إصابته إلى أن صلة قبائل عبدالقيس القاطنة في البحرين يومئذ بالنبي (ص) كانت قبل الهجرة، أو هي في عام هجرة النبي (ص) إلى المدينة، وذلك عندما بشر بحيرا العبدي، وهو راهب من عبدالقيس، المنذر بن عائذ العبدي (الملقب بالأشج)، وهو من عبدالقيس أيضاً، بشره بأن نبياً سيظهر وهذا أوانه وصفته كذا وكذا؛ فلما سمع الأشج خبر النبي (ص) أرسل ابن أخته للاستطلاع وعاد الأخير مسلماً وأسلم خاله معه، حين عودته، وكتما إسلامهما. ولا يستبعد أن بحيرا بشر آخرين بظهور النبي (ص) كما بشر صديقه الأشج.


رسائل النبي (ص) للمنذر

تهيأ دخول المنطقة للإسلام في السنة السادسة للهجرة، حينما بعث النبي (ص) العلاء بن الحضرمي إلى المنذر بن ساوى، وقد دفع العلاء بكتاب من النبي (ص) إليه، وتقول المصادر التاريخية إن المنذر تردد، فقال له العلاء:

«يا منذر إنك عظيم العقل في الدنيا، فلا يصغرنّ بك عن الآخرة، إن المجوسيّة شرّ دين، وليس فيها تكرم العرب، ولا عظم أهل الكتاب... ولست بعديم رأي، فانظر لمن لا يكذب ألاّ تصدقه، ولمن لا يخون ألاّ تأتمنه، ولمن لا يخلف ألاّ تثق به، فإن كان أحد هكذا فهو هذا النبي... الخ».

فوافق المنذر على ذلك وأعلن إسلامه وقال حينها:

«قد نظرت في هذا الذي بيدي من الملك، فوجدته للدنيا، ونظرتُ في دينكم فوجدته للدنيا والآخرة، فما يمنعني من قبول دين فيه أمنية الحياة وراحة الموت».

وقد أسلم المنذر وعرض الإسلام على السكان فمنهم من قبل ومنهم فضل دفع الجزية، وكتب إلى النبي (ص) كتاباً جوابياً جاء فيه:

«أما بعد يا رسول الله: فإني قرأتُ كتابك على أهل بحرين، فمنهم من أحبّ الإسلام وأعجبه ودخل فيه، ومنهم من كرهه. وبأرضي مجوس ويهود، فأحدث في ذلك أمرك».

فأجابه النبي (ص) بكتاب جاء فيه

«من محمد رسول الله الى المنذر بن ساوى:

سلام الله عليك، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو. أما بعد: فإن كتابك جاءني وسمعتُ ما فيه، فمن صلّى صلاتنا، واستقبل قبلتنا، وأكل ذبيحتنا، فذلك المسلم الذي له ما لنا، وعليه ما علينا. ومن لم يفعل، فعليه دينار من قيمة المُعافريّ.

والسلام ورحمة الله، يغفر الله لك».


رسائل الرسول إلى سيبخت

أما هجر فكان عليها عند ظهور الإسلام مرزبان يدعى «سيبخت» أو «أسيبخت» وإليه ذهب أيضاً العلاء بن الحضرمي يدعوه إلى الإسلام، فأسلم وأسلم معه جمع من العرب والعجم. وبالنظر إلى نص تلك الرسالة نجد فيها ذكراً لشفاعة سيبخت لقومه وتشفيع الرسول له في ذلك، وأن عمال الرسول (ص) حمدوه له، ثم إن رسول الله (ص) سمى قومه بني عبدالله. وقد كان حامل رسالة سيبخت إلى الرسول هو الأقرع، ونص الرسالة كالتالي:

«إلى أُسَيبُخْت بن عبد الله صاحبِ هَجَر:

بسم الله الرحمن الرحيم

إنه قد جاءني الأقرع بكتابك وشفاعتك لقومك، وإنّي قد شفعتك، وصدقتُ رسولك الأقرع في قومك، فأبشر فيما سألتني وطلبتني بالذي تُحبّ. ولكنّي نظرتُ أن أعلمه وتلقاني، فإن تجئنا أُكرمك، وإن تقعد أُكرمك.

أما بعد: فإني لا أستهدي أحداً، فإن تُهدِ إليّ أقبل هديّتك، وقد حَمِد عمالي مكانك، وأُوصيك بأحسن الذي أنت عليه من الصلاة والزكاة وقراية المؤمنين.

وإنّي قد سمّيتُ قومك (بني عبدالله) فَمُرهم بالصلاة، وبأحسن العمل، وأبشر.

والسلام عليك وعلى قومك».


وفادة عبدالقيس إلى الرسول (ص):

في السنة التالية، أي السنة السابعة للهجرة، وفد إلى المدينة المنورة مجموعة من شخصيات المنطقة المعروفة تاريخياً باسم البحرين لمبايعة رسول الله (ص) بقيادة المنذر بن عائذ العبدي (الأشج)، وقبل أن يصلوا قال رسول الله (ص): «ليأتينّ ركب من المشرق لم يكرهوا على الإسلام» أو «سيطلع عليكم من هاهنا ركب هم خير أهل المشرق». وحين وصلوا قال: «مرحباً بالقوم لا خزايا ولا ندامى» ثم دعا لهم: «اللهم اغفر لعبدالقيس». وأوصى أصحابه بهم: «يا معشر الأنصار أكرموا إخوانكم فإنهم أشبه الناس بكم في الإسلام، أسلموا طائعين غير مكرهين ولا موتورين».

وبعد عامين (أي التاسعة للهجرة) جاء وفد البحرين إلى الرسول برئاسة الجارود بن المعلى العبدي لذات الغرض: إعلان الولاء والبيعة للرسول الأعظم (ص).

ما يهمنا أن صلة البحرين بالإسلام قديمة، إذ كانت ثاني منطقة تدخل الإسلام بعد المدينة، وكان مسجدها (في هجر/ الأحساء) الثاني الذي تقام فيه صلاة الجمعة في الإسلام، بعد مسجد الرسول، وهو مسجد جواثى، الذي كانت أطلاله ظاهرة للعيان حتى وقت قريب.

بداية الدخول في الإسلام

المنامة - حسين محمد حسين

تميز القرن السابع الميلادي بزيادة حدة الصراع بين العرب والفرس والذي ازداد بعدها بصورة أوضح بعد دخول الإسلام للمنطقة. وقد كان هناك من العرب من لم يدخل في الإسلام وأصبح حليفاً للمناذرة ومنهم من بقي على ولائه للفرس وكان هناك المسيحيون واليهود والمجوس، ويبدو من المرجح أن المجتمع المسيحي النسطوري في البحرين وشرق الجزيرة العربية بقي بعيداً عن الصراعات بل كان يسعى للاستقلال الذاتي حتى أن المعطيات تدل على أن نساطرة البحرين لم يكونوا يدفعون الجزية. إذاً سنقسم أحداث هذا القرن لقسمين رئيسيين الأول نناقش فيه الصراعات والتمردات بين الجماعات والعرقيات المختلفة في البحرين، وأما القسم الثاني فسنتناول فيه تطور المجتمع النسطوري في البحرين وسعيه للاستقلال. وسنبدأ أولاً بقسم الصراعات والتمردات والتي سنتناولها في هذا الفصل والفصل الذي يليه، ويذكر أن هذه الصراعات توضح مدى تلاحم القبائل العربية برغم ما بينها من حروب سابقة وتنافر، ومن أهم هذه الصراعات التي توضح مدى تلاحم القبائل العربية وقعة ذي قار والتي انتصر فيها العرب على الفرس انتصاراً سجل دوياً لايزال يتردد صداه في التاريخ.


وقعة ذي قار

رأينا في الفصول السابقة الاحترازات التي اتخذتها الفرس لتحمي نفسها من القبائل العربية ومن ذلك وجود الأسبذ أو العامل الفارسي، ولكن حتى مع وجود المندوب أو العامل الفارسي فهذا لا يمنع أن تثور حمية العرب بين الحين والآخر وأكبر دليل على ذلك وقعة ذي قار ذلك اليوم الذي انتهى بانتصار العرب على الفرس وقد تكفلت كتب التاريخ والسير بسرد وقائعها وقد ذكروا انه لم يكن يوماً واحداً بل كان عدة وقائع انتهى أمرها بانتصار العرب بيوم ذي قار فغلب اسمه على باقي الأيام، وسوف نلخص هذه المعركة بإيجاز وذلك عن كتاب المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام (علي 1993، ج3 ص293 - 303).


ملخص موقعة ذي قار

هي سلسلة من المعارك حدثت بعد العام 604م أو ما بين 604م – 611م وأشهر يوم فيها هو يوم ذي قار وحدثت المعارك بين بني بكر بن وائل وقادمة بني شيبان وبنو عجل ضد الفرس جنود كسرى ومن معهم من العرب ورئيسهم إياس بن قبيصة الطائي الذي ولاه كسرى على الحيرة مكان النعمان بن المنذر بعد قتل كسرى إياه، وتحت يدي إياس طيء وإياد وبهرا وقضاعة والعباد وتغلب والنمر بن قاسط.

وكان سبب يوم ذي قار طلب كسرى تركة النعمان بن المنذر، وكان النعمان قد تركها وترك ابناً له وبنتاً عند هانئ بن قبيصة بن هانئ بن مسعود الشيباني، فمنع رسول كسرى من الوصول إلى ما طلب؛ وكتب كسرى إلى قيس بن مسعود بن قيس بن خالد، وكان عاملاً له على الطف، بأن يعين إياساً، فأنفذ إلى قومه ليلاً، وحرضهم على القتال، وقد عقد كسرى للنعمان بن زرعة على النمر وتغلب وعقد لخالد بن يزيد البهراني على قضاعة وإياد وعقد لإياس بن قبيصة على العرب وعقد لأحد قواد الفرس واسمه الهامرز بن خلا يزر على ألف من الأساورة الفرس. فلما سمعت بكر بن وائل بخبر جيش كسرى سار هانئ بن مسعود حتى انتهى إلى ذي قار فنزل بها. وتقابل الجيشان في ذي قار وقد تواطأت بعض القبائل المنضوية تحت راية الفرس مع العرب فطارت إياد عن العجم حين تشاجرت الرماح كأنهم مهزومون، وقد قتل في هذه المعركة الهامرز عامل كسرى، وأسر النعمان بن زرعة التغلبي.


النبي (ص) يدعو لنصرة العرب

لقد كانت موقعة ذي قار قبل هجرة النبي محمد (ص) للمدينة بقليل، وقيل إن أناساً من عبدالقيس وحنيفة وغيرهم من بكر بن وائل جاؤوا من اليمامة وبلاد البحرين الموسم يريدون المضي إلى بكر لنجدتها، فوقف عليهم النبي (ص) وهو يعرض نفسه على قبائل العرب، فدعاهم إلى الإسلام، فوعدوا النبي (ص) إن نصرهم الله على الأعاجم آمنوا به وصدقوا بنبوته، فدعا لهم النبي بالنصر. وحينما بلغ النبي (ص) انتصار ربيعة على جيوش كسرى قال: «هذا أول يوم انتصفت فيه العرب من العجم، وبي نصروا». وهذا يوم تفخر به بكر بن وائل على سائر العرب، ويعد من مناقبها ويذكره الشعراء من تقدم ومن تأخر في مدحها. وكانت قبيلة إياد من تلك القبائل التي كان لها موقف مشرف ودور كبير في صنع ذلك النصر، حيث اتفقوا مع بكر على أن يقيموا كعون لجيوش كسرى حتى إذا التحم القوم في مكان من ذي قار يسمى (الجب)، انهزمت (إياد) كما وعدتهم، فمال جانب الفرس وانهزموا.


البحرين والدخول في الإسلام

عالج العديد من الباحثين والكتاب تفاصيل اعتناق جزيرة العرب الشرقية الإسلام، ولا نحتاج هنا إلا إلى بحث النقاط البارزة. لقد كانت هناك أربع زعامات رئيسية على الأقل في البحرين في زمن النبي (ص)، الزعامة الأولى يمثلها المنذر بن ساوى التميمي ويسكن المشقر وقد زعم البعض أنه من عبدالقيس لأنه يلقب بالعبدي ويرى آخرون وهو المرجح انما لقب بالعبدي نسبة لعبدالله بن دارم من بني تميم (الجاسر 1982). أما الزعامة الثانية فقد كان يمثلها سيبخت مرزبان هجر. وكانت هناك زعامة في الخط يمثلها مرزبان معين من قبل فارس يحكمها، أما الزعامة الرابعة فيمثلها بني المعلى وغيره ممن يتزعمون قبيلة عبدالقيس وفروعها، وتدل الأخبار أن ثلاث زعامات قد دانت للإسلام باستثناء مرزبان الخط، وسوف نلخص تسلسل أحداث بداية دخول البحرين للإسلام وذلك من البحث الذي نشر في مجلة الواحدة العدد الأول العام 1995م وجاء تحت عنوان «رسائل النبي إلى أهل البحرين الوثائق السياسية للعهد النبوي فيما يتعلق بالبحرين التاريخية».


بداية الإسلام في البحرين

يدهشنا المؤرخون، في موضوع صلة البحرين التاريخية (الأحساء والقطيف وأوال) بالإسلام، بحديثهم عن قِدَم تلك الصلة، وعن قوّتها واتساعها. كيف يمكن لمنطقة في أقصى شرق الجزيرة العربية أن تتأثر بالدعوة الإسلامية المنبثقة في أقصى الغرب، وأن تعلن إسلامها عن اقتناع (بدون حرب) قبل أن تسلم المناطق القريبة من المدينة المنورة بما فيها مكة نفسها، وقبائل وسط الجزيرة العربية؟

يشير ابن حجر في إصابته إلى أن صلة قبائل عبدالقيس القاطنة في البحرين يومئذ بالنبي (ص) كانت قبل الهجرة، أو هي في عام هجرة النبي (ص) إلى المدينة، وذلك عندما بشر بحيرا العبدي، وهو راهب من عبدالقيس، المنذر بن عائذ العبدي (الملقب بالأشج)، وهو من عبدالقيس أيضاً، بشره بأن نبياً سيظهر وهذا أوانه وصفته كذا وكذا؛ فلما سمع الأشج خبر النبي (ص) أرسل ابن أخته للاستطلاع وعاد الأخير مسلماً وأسلم خاله معه، حين عودته، وكتما إسلامهما. ولا يستبعد أن بحيرا بشر آخرين بظهور النبي (ص) كما بشر صديقه الأشج.


رسائل النبي (ص) للمنذر

تهيأ دخول المنطقة للإسلام في السنة السادسة للهجرة، حينما بعث النبي (ص) العلاء بن الحضرمي إلى المنذر بن ساوى، وقد دفع العلاء بكتاب من النبي (ص) إليه، وتقول المصادر التاريخية إن المنذر تردد، فقال له العلاء:

«يا منذر إنك عظيم العقل في الدنيا، فلا يصغرنّ بك عن الآخرة، إن المجوسيّة شرّ دين، وليس فيها تكرم العرب، ولا عظم أهل الكتاب... ولست بعديم رأي، فانظر لمن لا يكذب ألاّ تصدقه، ولمن لا يخون ألاّ تأتمنه، ولمن لا يخلف ألاّ تثق به، فإن كان أحد هكذا فهو هذا النبي... الخ».

فوافق المنذر على ذلك وأعلن إسلامه وقال حينها:

«قد نظرت في هذا الذي بيدي من الملك، فوجدته للدنيا، ونظرتُ في دينكم فوجدته للدنيا والآخرة، فما يمنعني من قبول دين فيه أمنية الحياة وراحة الموت».

وقد أسلم المنذر وعرض الإسلام على السكان فمنهم من قبل ومنهم فضل دفع الجزية، وكتب إلى النبي (ص) كتاباً جوابياً جاء فيه:

«أما بعد يا رسول الله: فإني قرأتُ كتابك على أهل بحرين، فمنهم من أحبّ الإسلام وأعجبه ودخل فيه، ومنهم من كرهه. وبأرضي مجوس ويهود، فأحدث في ذلك أمرك».

فأجابه النبي (ص) بكتاب جاء فيه

«من محمد رسول الله الى المنذر بن ساوى:

سلام الله عليك، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو. أما بعد: فإن كتابك جاءني وسمعتُ ما فيه، فمن صلّى صلاتنا، واستقبل قبلتنا، وأكل ذبيحتنا، فذلك المسلم الذي له ما لنا، وعليه ما علينا. ومن لم يفعل، فعليه دينار من قيمة المُعافريّ.

والسلام ورحمة الله، يغفر الله لك».


رسائل الرسول إلى سيبخت

أما هجر فكان عليها عند ظهور الإسلام مرزبان يدعى «سيبخت» أو «أسيبخت» وإليه ذهب أيضاً العلاء بن الحضرمي يدعوه إلى الإسلام، فأسلم وأسلم معه جمع من العرب والعجم. وبالنظر إلى نص تلك الرسالة نجد فيها ذكراً لشفاعة سيبخت لقومه وتشفيع الرسول له في ذلك، وأن عمال الرسول (ص) حمدوه له، ثم إن رسول الله (ص) سمى قومه بني عبدالله. وقد كان حامل رسالة سيبخت إلى الرسول هو الأقرع، ونص الرسالة كالتالي:

«إلى أُسَيبُخْت بن عبد الله صاحبِ هَجَر:

بسم الله الرحمن الرحيم

إنه قد جاءني الأقرع بكتابك وشفاعتك لقومك، وإنّي قد شفعتك، وصدقتُ رسولك الأقرع في قومك، فأبشر فيما سألتني وطلبتني بالذي تُحبّ. ولكنّي نظرتُ أن أعلمه وتلقاني، فإن تجئنا أُكرمك، وإن تقعد أُكرمك.

أما بعد: فإني لا أستهدي أحداً، فإن تُهدِ إليّ أقبل هديّتك، وقد حَمِد عمالي مكانك، وأُوصيك بأحسن الذي أنت عليه من الصلاة والزكاة وقراية المؤمنين.

وإنّي قد سمّيتُ قومك (بني عبدالله) فَمُرهم بالصلاة، وبأحسن العمل، وأبشر.

والسلام عليك وعلى قومك».


وفادة عبدالقيس إلى الرسول (ص):

في السنة التالية، أي السنة السابعة للهجرة، وفد إلى المدينة المنورة مجموعة من شخصيات المنطقة المعروفة تاريخياً باسم البحرين لمبايعة رسول الله (ص) بقيادة المنذر بن عائذ العبدي (الأشج)، وقبل أن يصلوا قال رسول الله (ص): «ليأتينّ ركب من المشرق لم يكرهوا على الإسلام» أو «سيطلع عليكم من هاهنا ركب هم خير أهل المشرق». وحين وصلوا قال: «مرحباً بالقوم لا خزايا ولا ندامى» ثم دعا لهم: «اللهم اغفر لعبدالقيس». وأوصى أصحابه بهم: «يا معشر الأنصار أكرموا إخوانكم فإنهم أشبه الناس بكم في الإسلام، أسلموا طائعين غير مكرهين ولا موتورين».

وبعد عامين (أي التاسعة للهجرة) جاء وفد البحرين إلى الرسول برئاسة الجارود بن المعلى العبدي لذات الغرض: إعلان الولاء والبيعة للرسول الأعظم (ص).

ما يهمنا أن صلة البحرين بالإسلام قديمة، إذ كانت ثاني منطقة تدخل الإسلام بعد المدينة، وكان مسجدها (في هجر/ الأحساء) الثاني الذي تقام فيه صلاة الجمعة في الإسلام، بعد مسجد الرسول، وهو مسجد جواثى، الذي كانت أطلاله ظاهرة للعيان حتى وقت قريب.

العدد 3044 - الأربعاء 05 يناير 2011م الموافق 30 محرم 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً