العدد 3044 - الأربعاء 05 يناير 2011م الموافق 30 محرم 1432هـ

حين قال المسئول في بابكو: إن طلاب مدرسة الخميس يعرفون إنجليزي

رجال من زمن اللؤلؤ - (19)

المحرق - محمد حميد السلمان 

05 يناير 2011

كانت محطتنا في الحلقة السابقة من هذه السلسة حول مساهمة الحاج أحمد بن خميس في إنشاء الصروح التعليمية في البلاد وبالذات تلك التي تخدم القرى، عند نهاية العام الدراسي لمدرسة المباركية العلوية بالخميس عامي 1928- 1929 حيث زار المدرسة مستشار حكومة البحرين، في ظل الحماية البريطانية، «تشارلز بلغريف» لحضور المهرجان السنوي الختامي للمدرسة وهناك حدث التالي:


بلغريف في ضيافة العلوية

كتب «بلغريف» بحق في يومياته بتاريخ 13 يناير/ كانون الثاني 1929 ما يلي: «زرت مدرسة الشيعة في سوق الخميس. هناك 26 ولداً، أغلبهم صغار جداً. كانوا هناك لمدة ثلاثة شهور تقريباً. تعلّموا الكثير الكثير وقاموا بعمليات حسابية في غاية التعقيد». ولنلاحظ الانطباع الحسن الذي أبداه «بلغريف» خلال زيارته المدرسة لأول مرة وسؤاله بالطبع عدداً من التلاميذ عما تعلموه وملاحظته التي دونها بالتكرار «الكثير الكثير» و»قاموا بعمليات حسابية في غاية التعقيد». وهذا يدل بلاشك على قوة ورقي مناهج تلك المدرسة وحسن إدارتها والرغبة الجامحة لدى تلاميذها في تلقيهم للعلم، ذلك أنهم في غضون ثلاثة أشهر فقط تعلموا الكثير وبرعوا فيه أيضاً. إلا أن «بلغريف» يدعي هنا للأسف أنه هو السبب في وجود تلك المدرسة بقوله في نفس صفحة اليوميات «كلتا المدرستين - يقصد الجعفرية بالمنامة والعلوية بالخميس - بُدأتا مني أنا وما كانت لتبدأ من قبل أي شخص آخر». وللإنصاف والتاريخ الذي يجب ألا تزوّر أحداثه وفق ما يشتهي البعض لتصب في مفاخره ومصالحه الآنية التي تموت بموته بالطبع ويبقى ما كتب مدوناً للأجيال اللاحقة التي لا تعرف الحقيقة كما هي بفعل تلك المصالح. فقد أوضحنا - في الحلقتين السابقتين - أن المطالبة بتأسيس مدرسة في مناطق القرى أسوة بالمدن لاقت إهمالاً طويلاً من قبل سلطات الحماية البريطانية في البلاد سواء من قبل المعتمد أو المستشار، ولولا رغبة وإصرار الأهالي وفي مقدمتهم العلماء وكبار التجار وعلى رأسهم أحمد بن خميس الذي يصفه «بلغريف» في مواضع أخرى من يومياته بأنه «زعيم شيعي متعصب للغاية من السنابس» وكان ذلك الرأي بعد حوار دار بين «بلغريف» وبن خميس في قضايا من أجل مصلحة المواطنين وطريقة التعامل معهم بالحق في موضوع القضاء. وبذا فـ «بلغريف» يعتبر دفاع بن خميس عن الحق من أجل الناس وكرامتهم «تعصباً» وعيباً في الشخص!!.

على أية حال، في نهاية الحفل الذي أعجب به «بلغريف» ذكرنا في الحلقة السابقة بأنه أذهل الجميع بقراره الغريب. يقول جواد حبيب جواد - وكان أحد تلاميذ المدرسة في ذكرياته عنها - إن «بلغريف» أبلغ الحاج أحمد بن خميس بقرار إلغاء خدمات البعثة العراقية وحظر استقدامهم للبحرين في العام الدراسي التالي (1929- 1930). وعندما استفسر منه بن خميس عن سبب ذلك القرار بدلاً من تقديم الشكر الجزيل للمدرسة وللبعثة على الإنجاز الكبير الذي أشار إليه المستشار بنفسه؛ أجابه «بلغريف» أن البعثة العراقية قد أدخلت أفكاراً في أذهان الطلاب بعبارة «قد رقوا أفكار الطلاب كثيراً». ويضيف جواد بأنه يعتقد أن فائق أدهم مدير المعارف آنذاك كانت له اليد الطولى في اتخاذ المستشار لذلك القرار الجائر - كما يصفه - لأن هذا الرجل كان دائم التدخل في شئون المدرسة لغير صالحها، ويعتقد جواد أن فائق وأخاه كمال كانا يعملان في خدمة المخابرات البريطانية.

ولم يملك الحاج أحمد بن خميس إلا تنفيذ قرار «بلغريف» باعتباره هو المسئول الأول عن التعليم في البلاد في تلك الفترة العصيبة، وحتى لا يقال إن بن خميس من المعارضين دائماً والمتعصبين ضد قرارات الحكومة.

وتم استبدال البعثة العراقية ببعثة سورية بدءاً من العام الدراسي (1929- 1930) واستمر ذلك الوضع حتى العام الدراسي (1933- 1934) حين تم ضم المدرسة بشكل رسمي لإشراف الحكومة المباشر أو «تأميمها» كما يقال، وعُين لها مدير ومدرسون بحرينيون. وأصبح أول مدير لها في هذه المرحلة سيدرضي الموسوي حتى العام 1938.


حديقة وبئر بحريني وورد إيراني

خلف المدير عبدعلى عباس أديبي مدير المدرسة السابق الموسوي، وخلال وجوده على رأس إدارة المدرسة المباركية العلوية وإثر زيارة قام بها أحمد العمران للمدرسة - بعد تعيينه مديراً للمعارف وإقالة فائق أدهم - طالبه أديبي بتوسعة صفوف المدرسة لتستوعب أعداد أكبر من الطلاب الشغوفين للعلم. فوافق على بناء غرفتين شرقاً وغرفتين غرباً، وتم البناء باستخدام الحجارة والجص وتم تبييض الجدران بمادة «النورة» البيضاء. أما سقف الصفوف فقد استعملت مادة المنقور والنجل في إنشائه. وبعد تلك التوسعة ازداد عدد التلاميذ والهيئة الإدارية التدريسية كذلك.

وكان من بين المدرسين حسن المحري، حسن القصير، على بن إبراهيم عبدالعال، ملا أحمد بن مرهون، ومن لبنان عباس خليفة، جواد الكامل، إبراهيم رجب، محمد عبيد، محمد أيوب، محمد المهزع، إبراهيم الشيخ جاسم، محمد كمال، وحسين محمد نصرالله (1). ومن بعض طلاب المدرسة يذكر المدير كلاً من: جواد سالم العريض، جليل العريض، العلامة سليمان المدني وشقيقه عبدالله، إبراهيم حبيب طريف، ومصطفى القصاب. كما كان من طلاب أول دفعة تخرجت من المدرسة المناضل حسين بن أحمد بن خميس.

ويضيف المدير أديبي بأنه بادر بإنشاء حديقة بالمدرسة ولكن واجهته مشكلة توفير المياه لها. وحيث إن منطقة الخميس تزخر بمياهها العذبة في باطن الأرض وخير دليل على ذلك عين عذاري، بوزيدان، قصاري، العالي، وكوكب السيديوسف؛ فقد تم حفر بئر ارتوازي بالمدرسة بجهود الأهالي فقط وقام به بداية حسن الحوري ثم أكمل العمل عاملون من فارس، وكانت فرحة مديرها ومدرسيها وطلابها لا توصف يوم نبعت المياه من ذلك البئر, وقام أديبي - كما يقول - باستيراد الورد والريحان من إيران لتجميل حديقة المدرسة بها. وتعددت استخدامات تلك البئر الارتوازية بعد ذلك للشرب وتم تركيب صنبور ماء بها أيضاً لشرب التلاميذ.

وذات يوم وصلت مدير المدرسة رسالة موقعة باسم سعيد الزيرة أحد المسئولين في سكرتارية حكومة البحرين يخبره فيها أنهم قاموا ببناء سور حول الحديقة التي أنشأتها المدرسة بجهودها قرب عين بوزيدان وتم إهداؤها للمدرسة، وقد أرسل له مفتاح «الحوطة» الجديدة مع الرسالة. وهنا انتهز أديبي الفرصة وطلب منه مساعدته في توظيف خريجي المدرسة لأنهم مميزون في اللغة الإنجليزية. فوافق الزيرة على ذلك وكتب له ورقة بتوقيعه لمن يهمه الأمر تشهد بأن حامليها يمكن توظيفهم لإجادتهم اللغة الإنجليزية. وهذا يدل على أن المدرسة لم تكن تُعلم وتخرج طلبتها فقط بل وتضمن لهم الوظيفة المناسبة كذلك. ولذا فقد كانت المدرسة من أوائل من وظفت طلاب القرى في شركة بابكو. وقد قال رجل من الشركة ذات مرة حين التقى أديبي بالمصادفة في رحلة بحرية قامت بها المدرسة لطلابها، بأن الشركة تحرص على توظيف طلاب مدرسة الخميس بالذات لأنهم «شاطرين ويعرفون إنجليزي».


رغيفان لكل طالب في العلوية

خلال الحرب العالمية الثانية تعرضت البحرين كغيرها من مناطق الخليج لقلة السلع بسبب تعطل استيراد الأطعمة فجاع طلبة مدرسة المباركية وعلم مدير المعارف حينها (مستر وكلن) بذلك بعد أن زار المدرسة وفوجئ يتغّيب طلابها، فأمر بجلب الخبز من «القلعة» بالمنامة وتوزيع رغيفين على كل طالب، فكان الطالب يأكل رغيفاً في المدرسة ويحمل الآخر لأهله في البيت بعد انصرافه ظهراً.

ولهذا فقد فكر مدير المدرسة أديبي بإنشاء أول مقصف مدرسي في أوائل الأربعينيات وذلك بمبلغ خمسين روبية فقط سلمها لإبراهيم حبيب طريف فصنع منها خزانة خشبية «صندقه» وباع فيها بداية بعض الحلويات، وبفضل هذا المشروع البسيط تم جمع حوالي 700 روبية في نهاية العام الدراسي تم بها شراء زي موحد للطلاب وهو يعد أول زي مدرسي رسمي موحد في البحرين.

وللعلم فقد احتكر طلاب المدرسة المباركية المراكز الأولى للمتفوقين بمدارس البحرين في أعوام 1954- 55- 56 على التوالي.

وتستمر حكايات البدايات الأولى للتعليم في البحرين من باب مدرسة المباركية العلوية (الخميس الابتدائية حالياً)، والتي كانت اليد الطولى في إنشائها والدفاع عنها طويلاً وتوفير سبل الحياة لها هي الأيدي البيضاء لأحمد بن خميس ورجال آخرين تركوا أسماءهم على فم الزمن يلهج بها حتى اليوم.

الحلقة القادمة: مواقف أحمد بن خميس الوطنية

العدد 3044 - الأربعاء 05 يناير 2011م الموافق 30 محرم 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً