العدد 3059 - الخميس 20 يناير 2011م الموافق 15 صفر 1432هـ

تكرار حوادث «الاعتراض حرقاً» يدل على عدم الانتباه لأساس انتفاضة «الياسمين»

مدير تحرير «الوسط» تحدث عن مخاضات المرحلة الانتقالية في تونس

مدير تحرير صحيفة «الوسط» وليد نويهض متحدثاً في المحاضرة
مدير تحرير صحيفة «الوسط» وليد نويهض متحدثاً في المحاضرة

في محاضرته التي جاءت تحت عنوان: «مخاضات المرحلة الانتقالية في تونس»، تمكن مدير تحرير «الوسط» وليد نويهض من تقديم قراءة مقربة لمشهد معقد بجزئيه، المرئي اليوم عبر وسائل الإعلام المختلفة، والمخفي الذي لا يمكن لأحد أن يتكهن به بشأن ما ستؤول إليه الوقائع، لتكتمل الصورة لدى حضور المحاضرة التي استضافتها جمعية العمل الديمقراطي (وعد) مساء أمس الأول (الأربعاء 19 يناير/ كانون الثاني 2011) بتشكيل حكومة تصارح الناس وترسخ الاستقرار من جهة، ولا تعادي الغرب من جهة أخرى.

وتطرق نويهض إلى العديد من المحاور ذات الصلة بالوضع الراهن في تونس وانعكاساته على العالم العربي، لكنه أثار الانتباه بالقول إن تكرار حوادث الاعتراض حرقاً على الطريقة التي أشعل فيها الشاب محمد البوعزيزي نفسه في عدد من الدول العربية كمصر والجزائر وموريتانيا يدل على عدم الانتباه لما جرى في تونس، ذلك أن هناك من يعتقد أن المشهد اشتعل، لأن هناك شخصاً أحرق نفسه، إلا أن الحقيقة تتجاوز هذا المشهد الشكلي إلى كونه (انتفاضة شعبية)، وليس فقط الاعتقاد بأن حرق النفس سيغير الوضع.


مرحلة من أصعب المراحل

ولفت في المحاضرة التي أدارتها زينب الدرازي بحضور عدد كبير بقاعة فلسطين بجمعية وعد في أم الحصم، إلى أن السلطة البديلة في تونس يجب أن تصارح الناس وتسعى إلى التهدئة وترسيخ الاستقرار من دون عداء للغرب، وقد تحصل وفق ذلك على اعتراف رسمي، لكن إذا ما فشلت السلطة وانهارت وذهبت نحو الفوضى العارمة كما حصل خلال اليومين الماضيين، فقد تعطي بذلك حجة أو ذريعة للدول الكبرى وعواصم القرار في الجوار للتدخل.

وشدد على أن المرحلة الانتقالية من أصعب المراحل، ومرت بها عدة دول، فبين مرحلة سابقة ومرحلة جديدة هناك مرحلة تحدد الاتجاه، فبالتالي، لابد من قراءة هذه المرحلة بشكل دقيق.

وعن دور الأجهزة الأمنية التي لم تتحرك لحماية النظام ودعم حزب التجمع الدستوري الحاكم، أشار نويهض إلى أن تلك الأجهزة لم تتحرك لأنها شعرت بأن النظام أصبح متهالكاً ومتخثراً ولا يمكن الدفاع عنه، وهذا يحصل في كثير من الأنظمة التي تفقد إمكانياتها وأنصارها وعدم وجود الاستعداد والموت لحماية هذا النظام، ومثل أي أجهزة أمنية، النظام يؤمن الأجهزة والأجهزة تؤمن النظام، وعندما يسقط النظام تصبح هذه الأجهزة في حالة يرثى لها، أما عن غياب القيادة البديلة، فالقيادات معظمها موجودة في الخارج، بينما هناك فعلاً قيادات في الداخل وعلى صلة بقيادات الخارج، وأبرزها الفئة الأولى وهي التيار الديمقراطي الذي كان يمثل نوعاً من المسالمة والتساهل مع النظام السابق، ولكنها كانت مسالمة صعبة جداً لتعرضهم لملاحقة واعتقالات، وهناك التيار الإسلامي المعتدل الممثل بحركة النهضة بقيادة الشيخ راشد الغنوشي، فهو موجود في المنفى، وهو موجود على الأرض، وحركته ليست قوة كاسحة لكنها قوة فاعلة وقد تفوز في الانتخابات بنسبة 30 بالمئة.


التونسي جلالي: ... وقد يمتد الموج!

وبدا التفاعل مع المحاضرة كبيراً، لكن المواطن التونسي أحمد جلالي قدم رسالة عرفان للوقفة التضامنية من قبل شعب البحرين وبدأ مداخلته بالقول: «جسدي في البحرين وعقلي في تونس وقلبي مع أهلي في سيدي بوزيد، حيث لا يبعد بيتنا سوى عشرين كيلومتراً عن بيت الشاب محمد البوعزيزي... نعم البحرين بلد صغير في حجمه، ولكنه يتفاعل مع ما جري في تونس، ويكبر في عين كل واحد فما بالك بالتونسيين، أنا أشكر الأستاذ وليد نويهض، وأوجه تحية لكل الشهداء الذين قدموا دمهم لحرية الشعب التونسي، وقد يمتد الموج إلى دول أخرى».

وأضاف أنه على مدى 23 عاماً، كان الشعب التونسي تحت السطح يغلي، ولكن البوعزيزي (خربشه)، أي رفعه إلى السطح، موجهاً تحية للجيش التونسي بقوله: «عدد الجيش أقل من قوى الشرطة، وتحية للجيش... الجيش عدده أقل من الشرطة هذا صحيح، ولكن في تونسنا العزيزة، أبى الجنرالات أن يمسكوا السلطة إيماناً بأن البلد يستحق أن يقود نفسه بنفسه، وهذه تحية إكبار كبيرة للشعب التونسي... فحين طلب من الجيش إطلاق الرصاص لم يفعل، لأنه في حماية الشعب... نعم عدده قليل لأن شعب تونس، شعب مسالم».

ورد على من يقول إن الغرب وكذلك العرب لم يتدخلوا لدعم الشعب التونسي بالقول: «لا... تدخل الغرب بسكوته وصمته، وتدخل بتواطئه مع النظام السابق، وتدخل العرب بصمتهم وبكلامهم المجنون (...)، وأنتم تعرفون من أعني... الكلام لا ينتهي عن تونس، الشعب التونسي أثبت جدارته لأن يكون قائداً للأمة العربية، نعم نملك أقوى زمام بوليسي لكن إرادة الشعب أقوى، فعندنا أبوالقاسم الشابي الذي قال يوماً :»حذاري فتحت الرماد اللهيب»... عشنا تحت الرماد ولكننا لم نمت، واليوم بقدرة الله، ما هي إلا خطوة في المئة ميل أو في الميل، قد لم تحقق هدفها 100 بالمئة، لكن ما حققته أن التونسي اليوم يتكلم في الشارع... لا تسموها ثورة الجياع... البعض سماها ثورة الياسمين، وقد ترمز لسيدي بوزيد أو تونس كلها ياسمين، ولكن أختم بمسحة، وهي ثورة «الهريسة»، لأنها حارة على النظام وحلوة على الشعب التونسي».


منصور الجمري: حلم الدولة العربية

ومن جهته، رأى رئيس تحرير «الوسط» منصور الجمري في مداخلة له، أن من حق التونسيين أن يغبطوا لأن ما حدث يشبه المعجزة، لكن تونس هي الدولة الوحيدة في الوطن العربي التي بها طبقة متوسطة، وأن المجتمع فيها ليس منغلقاً قبائلياً وطائفيا، وهو متقارب من ناحية التعليم والصحة والثروة، وكلهم يتكلموا لغات عربية وإنجليزية وفرنسية، ومطلعون على الفلسفة الغربية وآثار الفرنكفونية في البعد الثقافي، وبالتالي فإن النموذج التونسي مجتمع متعدد.

وزاد قوله إنه «عندما اختلت الموازين، فإن الطبقة المتوسطة لم يكن لديها مطوعات تستطيع تطويعها كما في الدول الأخرى، وهو أمر لم ينتبه له بن علي، وكان الحدث المفاجئ نتيجة تطور المجتمع التونسي، فهناك ما يقدر بنسبة 80 بالمئة من الطبقة المتوسطة، وهناك مجتمع مدني لا تحده علاقات طائفية أو قبلية، بل حتى الإسلاميون هناك يؤمنون بالتعددية وقبول الآخر، وهذه لا تتواجد في بقية الدول العربية، ولكن كل مجتمع عربي سيوجد له منهجه، والجيش التونسي كون علاقة إيجابية، وبذلك فإن في إمكان السلطة أن تتصالح مع النخبة إذا كانت الحكومة غير فاسدة، لكن الأمل كبير أمامنا الآن، وبعد 100 سنة من الحلم بالدولة العربية، نراه يتحقق في مكان (تونس) وبصورة مفاجئة».


انتفاضة غيرت أعمال القمة

وتعددت المداخلات من جانب المشاركين، لكن الناشط الحقوقي عبدالنبي العكري عبر عن القلق من عدم اكتمال استئصال النظام الدكتاتوري، وأن يتم تشكيل تحالف وهو ليس بالأمر السهل، لأن هناك الكثيرين ممن يبحثون عن الزعامات، ولأن البلد أصبح خارج سطوة السلطة، فلا أقل من أن انتفاضة الياسمين استطاعت أن تغير جدول أعمال القمة العربية وجعلتها تناقش قضايا كالفقر والجوع والبطالة. وزاد قوله إن التمركز السلطوي في الوطن العربي بدأ يتغير، وهناك مطالبة بشل التدخل الخارجي من ليبيا والجزائر خوفاً من انتقال العدوى، كما أن تونس في حاجة إلى دعم اقتصادي ولابد من تحويل الموقف إلى احترام إرادة الشعب التونسي.


العرب يتابعون مسلسلاً واحداً فقط

وتوجه أمين عام جمعية (وعد) إبراهيم شريف بالشكر إلى المحاضر، منطلقاً إلى توجيه الشكر للشعب التونسي لأنهم وضعوا الوطن العربي على خريطة الإصلاح على الأقل في هذه اللحظة، لكن القلق من فشل الثورة كبير والسبب يعود إلى الإحباطات في الشارع العربي، وهو قلق مشروع، لكن الشعب التونسي يثبت أن هذا القلق ليس في مكانه، فالفشل في الإصلاح في تونس سيؤخر الإصلاح في سائر الدول العربية، لم ينتحر فرنسي ولا باكستاني ولا إندونيسي... المسلسل اليومي هو المسلسل التونسي... المسلسل الوحيد هو مسلسل الحرية، وهناك طابع غير ايديولوجي يساهم في عالمية انتفاضة الياسمين... فهي ليست إسلامية ولا شيوعية وهي ثورة يتحد العالم في قيمها لنهاية الدكتاتورية، مكافحة الفساد، العدالة الاجتماعية.

وأرسلت الزميلة ريم خليفة باقة من المشموم والريحان باسم الشعب البحريني إلى الشعب التونسي على ثبات إرادته في نيل حريته، مؤكدة على أن الشعوب العربية سئمت من العقلية الأمنية ومن المدرسة الأمنية ومن الكلام والكذب والوعود، فتشارك الجميع في إرسال تحية للشعب التونسي.

العدد 3059 - الخميس 20 يناير 2011م الموافق 15 صفر 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 6 | 8:14 ص

      ثورة الشعب البطل

      من العار اطلاق ثورة الياسمين على ثورة الشعب التونسي فهذه ثورة الشعب البطل كانت مخضبه بدماء الشرفاء من ابناء تونس فلا يجوز نعتها بثورة الياسمين

    • زائر 5 | 3:39 ص

      شقائق النعمان

      عادة ما تدفع الشعوب ثمن الانقلابات والتغيرات السياسية وفي الغالب ماتكون الطبقة الفقيرة هي اكثر تضررامن غيرها فالثورات السابقة في البلاد العربية اثبتت ذالك ونتمنى الحرية والرقي للشعب التونسي

    • زائر 4 | 12:38 ص

      صباح الخير يا وسط

      نرجو ارفاق صور الندوة عبر الوسط اون لاين مع الشكر الجزيل
      والف مبروك للشعب التونسي الذي ابهر العالم

    • زائر 3 | 10:50 م

      البوعزيزي ..عزيزنا و عزيز الكل!

      "لأن هناك الكثيرين ممن يبحثون عن الزعامات".. يا الله.. ما أكثرهم !!!

      تحياتي...
      عبدعلي فريدون

    • زائر 2 | 10:27 م

      تغيير التسمية

      في لقاء للإعلامية التونسية كوثر البشراوي مع قناة المنار طلبت بعد عتب من الإعلام العربي تغيير مسمى ثوررة الياسمين إلى ثورة إذا الشعب يوماً ارارد الحياة فلابد أن يستجيب القدر.

    • زائر 1 | 10:08 م

      دليل على الاستبداد العربي

      أنظمة عجوزة توارثت الحكم باسم الديمقراطيةو الجمهورية فكونت اسرها و اتباعها الثورات على حساب الشعوب
      كثير من دولنا غنية بمواردها من بترول وزراعة ولكن شعبها يعيش فقيرا جائعا متحسرا وجزاؤه السجن والتعذيب و التنكيل
      فالانتحار يعبر عن اليأس التي تعيشه الشعوب العربية فأذا حاكم بلغ من السن عتيا جالسا وأكثر من 30 سنة والمشاكل تكبر

اقرأ ايضاً