العدد 3085 - الثلثاء 15 فبراير 2011م الموافق 12 ربيع الاول 1432هـ

يجب على الولايات المتحدة أن تفهم الدور البنّاء للدين في مصر

داليا مجاهد- محللة رئيسية والمديرة التنفيذية لمركز غالوب للدراسات الإسلامية، والمقال ينشر بالتعاون  

15 فبراير 2011

شهدْتُ أثناء زيارتي إلى القاهرة الشهر الماضي حدثاً يبدو نبوئياً تقريباً في يومنا هذا. رأيت زبوناً في إحدى مقاهي القاهرة الفاخرة يصرخ في وجه شاب نادل يقدم له الخدمة، مدّعياً أن النادل أظهر له عدم الاحترام.

رد العامل الشاب بحزم: «لم أرتكب خطأ. أنت الذي صرخت في وجهي». «هل تعرف من أنا؟» رد الزبون صارخاً، ثم طالب أن يقوم مدير المقهى بتوبيخ العامل علناً وحسب كلمات الزبون «تمريغ كرامة الكلب في التراب».

يرى أي إنسان يعرف القاهرة جيداً مثل هذا السيناريو مرات عديدة: شخص من الطبقة العليا «المحمية» يسيء إلى عضو من الطبقة العاملة بسبب إهانة بسيطة مفترضة. إلا أن ما حصل بعد ذلك كان جديداً. بدلاً من التراجع والاعتذار، نظر الشاب العامل في وجه الشخص الذي وجه له التهمة وقال: «لستَ إلهاً. وأنا لست أقل منك شأناً. أنا إنسان مثلك تماماً».

يحاول العديد من المحللين الغربيين ووسائل الإعلام الغربية تصنيف ثورة مصر بشكل قصري على أنها إما مطالبة علمانية بالديمقراطية (والتي سوف ندعمها) أو ثورة دينية (والتي نخافها ويجب وضع حد لها).

لا تعكس أي من الصورتين تعقيدات أو فرصة هذه اللحظة التاريخية في مصر. يتوجب على صانعي السياسة الأميركيين، حتى يتسنى لهم التشارك عن حق مع الشعب المصري كما وعد الرئيس أوباما مؤخراً، أن يطوروا أولاً تفهماً أكثر ذكاءً ومعرفة مع التطلعات المصرية.

يذكي شعور المصريين العاديين المتنامي بقيمتهم الذاتية نيران الثورة الشعبية الحالية المضادة للحكومة، وليس أية عقيدة سياسية أو قائد يتمتع بشعبية. وهذا اعتقاد بأن المواطنين يجب ألا يضطروا بعد الآن أن يعيشوا الإذلال اليومي للجمود الاقتصادي والسياسي.

يمثّل المتظاهرون مقطعاً عرضياً واسعاً من المجتمع المصري الذي يطالب بالعدالة وهو ينادي بالتضامن بين المسلمين والمسيحيين. وهم يلوحون بالإعلام المصرية، وليس بإعلام حزب معارض معين أو رموز طائفية.

في الوقت نفسه، ربما يلعب تديّن المصريين المتزايد دوراً في هذا التطور، تماماً مثلما شكل الدين أحياناً نضالنا من أجل الحقوق المدنية. إذا كانت قصة نجاح تونس هي الشعلة التي أوقدت نار ثورة مصر الشعبية، فإن انخفاض معدل التسامح مع الظلم، والذي ولد في بعض الحالات من رحم الصحوة الدينية، وفر الوقود لهذه الثورة.

وقد وجدت مؤسسة غالوب أن المصريين هم الأكثر احتمالاً في المنطقة لأن يقولوا أن التحول تجاه المزيد من الديمقراطية سوف يساعد في تقدّم المسلمين، والأكثر احتمالاً لأن يوافقوا أن الارتباط بالقيم الروحية والأخلاقية سوف يؤدي بالمثل إلى مستقبل أفضل.

تبرز هذه الثنائية جيداً في الدولة ذات النسبة الأعلى من السكان في العالم، مما يؤكد أن الدين يشكّل جزءاً مهماً في حياتهم اليومية. وتظهر الاستطلاعات أن المصريين يفضلون الديمقراطية على جميع أشكال الحكم. وهم يقولون كذلك إن الدين يلعب دوراً إيجابياً في السياسة.

تريد غالبية المصريين الديمقراطية، ولا ترى تناقضاً بين التغيير الذي تسعى إليه والقيم الأبدية التي تستسلم لها.

يقول ما يزيد على 90 في المئةمن المصريين إنهم يضمنون حرية الصحافة إذا كان الأمر يعود لهم لكتابة دستور دولة جديدة. إضافة إلى ذلك، يقول معظم المصريين إنهم يفضلون ما لا يزيد عن دور استشاري للقادة الدينيين في إعداد التشريعات. يختار المصريون الديمقراطية التي تعرفها القيم المقدسة، وليس الثيوقراطية ذات الغطاء الديمقراطي الهش.

يحسن صانعو السياسة الأميركيون صنعاً إذا تقبّلوا هذا الفرق الدقيق الذي يجب أن يبدو لنا نحن الأميركيين معروفاً. فقد استنبط القادة الأميركيون، من دعاة إلغاء العبودية إلى حركة الحقوق المدنية، من إيمانهم في السعي لتحقيق العدالة. أما اليوم، فبعض الأصوات الأعلى في الولايات المتحدة، التي تنادي بالحفاظ على البيئة ووضع حد للتعذيب أو استئصال الفقر العالمي هم القادة الدينيين. وقد شهدت ذلك بشكل مباشر عندما عملت في المجلس الاستشاري لشراكة الأحياء السكنية والشراكة المبنية على الدين في البيت الأبيض. جلس قادة دينيون وعلمانيون وعلماء من خلفيات متعددة حول طاولة واحدة بهدف إيجاد حلول لأصعب التحديات التي تواجه بلدنا، واستعان كل منهم بتقاليدهم الأخلاقية الفردية من أجل الصالح العام.

يجعلنا تاريخ بلدنا الفريد وعاطفته الجياشة تجاه العدالة الاجتماعية شركاء طبيعيين مع الشعب المصري في كفاحه من أجل مستقبل أفضل. إضافة إلى ذلك، هناك جوع على الجانبين من أجل تعاون أوسع. وقد وجدت استطلاعات غالوب أن غالبية الأميركيين والمصريين يقولون أن المزيد من التفاعل بين المسلمين والغرب يشكل فائدة وليس تهديداً، رغم عدم موافقة المصريين على سياسات الولايات المتحدة في منطقتهم.

ربما تمثل الاحتجاجات الشعبية المستمرة في اكثر الدول العربية تأثيراً وكثافة سكانية مستقبل الشرق الأوسط. لا يستطيع صانعو السياسة في الولايات المتحدة تحمّل عزل هذه الحركة عن طريق الفشل في فهم تشعّباتها المعقدة. فالدين جزء من مصر، ولكن معظم المصريين لا يدعمون حكم رجال الدين. إنهم يسعون إلى حكم القانون.

العدد 3085 - الثلثاء 15 فبراير 2011م الموافق 12 ربيع الاول 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 5:54 ص

      ليش طيب

      ليش طيب هل الستحقار للبشر يمكن يكون افضل منك او عشانه انسان مكفاح الله يهدي بعض الخليجه بس

اقرأ ايضاً