العدد 2133 - الثلثاء 08 يوليو 2008م الموافق 05 رجب 1429هـ

أزمة الغذاء العالمية... الانفجار الكبير

تشكل أزمة الغذاء العالمي واحدة من أكبر التحديات التي تواجه العالم في مطلع الألفية الجديدة. ففي الوقت الذي كان يطمح العالم إلى تجاوز أزماته السابقة المتخلفة عن القرن العشرين، والنهوض بمشاريع التنمية، ستعود به أزمة الغذاء عدة عقود إلى الوراء، بما يفرض حقائق جديدة في الواقع، تمثل أرضية خصبة إلى المزيد من الاضطرابات وعدم الاستقرار العالمي.

أزمة الغذاء العالمية أسماها خبراء الأمم المتحدة «التسونامي الصامت»، ولن تتمكن من إيجاد مخرج لها إلاّ الدول التي تتمتع بإيرادات عالية من النفط، وهي على كل حال دول معدودة من بين دول العالم أجمع، التي ستجد نفسها امام أوضاع صعبة لتوفير الطعام لمواطنيها.

على مستوى الحلول قصيرة الأمد، عمدت بعض الدول إلى شراء المزارع خارج حدودها، فدولة الإمارات التي تنفق 4 مليارات دولار سنوياً لاستيراد الأغذية، فكّرت بشراء مزارع في إفريقيا وتايلند. وبالمقابل قامت بالاتفاق مع الأسواق الكبرى على تحديد أسعار السلع الغذائية الأساسية، والحفاظ على أسعار السابقة لحوالي 52 سلعة أساسية.

السعودية اتخذت إجراءات مماثلة، فأعلنت عن نيتها شراء مزارع خارج حدودها، وخفّضت الرسوم الجمركية على 280 سلعة أساسية، وألغت الرسوم على واردات القمح. أما حكومات مصر وسورية والأردن، فقد قررت زيادة رواتب موظفي القطاع العام، وهو ما ينظر إليه على انه حل قصير المدى ومفعوله مؤقت، بسبب ما يتبعه من ارتفاع معدلات التضخم. وهو ما جرّ إلى اقتراح حلول أخرى، مثل زيادة الاستثمارات الزراعية على المدى المتوسط، وتقديم المعونات الاجتماعية للفئات الأكثر حاجة.

الأمم المتحدة: مضاعفة الغذاء

من جانبه، دعا الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون في افتتاح قمة روما إلى مضاعفة إنتاج السلع الغذائية لحل الأزمة. وطالب بـ «خطوات عاجلة وشجاعة والتزام قوي بالعمل لحل المشكلة»، وذلك ضمن آليات مناسبة لعلاج ارتفاع أسعار الغذاء على نطاق العالم. مشيراُ إلى أن ذلك قد يكلف الجهات المانحة الدولية ما بني 15 إلى 20 مليار دولار سنوياً، وذلك لعدة سنوات، مع ضرورة رفع الانتاج الغذائي بنسبة 50 بالمئة مع حلول العام 2030.

بالمقابل، هناك إشكالية أخرى تتعلق بانتاج الوقود الحيوي باعتباره عاملاً من عوامل ارتفاع أسعار الغذاء، ما جعل البعض يعتبرها جريمة أخلاقية. فمن المتوقع أن تستهلك صناعة الوقود الحيوي في الولايات المتحدة 30% من إنتاج الذرة العام المقبل، وفقا لوزارة الزراعة الأميركية.

وفي الوقت الذي يعتبر البعض إنتاج الوقود الحيوي حلاً صديقاً للبيئة على خلاف التنقيب واستخراج النفط، إلاّ أن الخبراء يرون أن زيادة الاستثمار في المحاصيل النباتية بقصد الحصول على الوقود، يؤثر سلباً على انتاج الغذاء ويزيد في ارتفاع أسعاره، وهو ما سيؤثر بشدة على أوضاع الفقراء والطبقات المحرومة، فضلاً عن تضرر الطبقات الوسطى.

ارتفاع أسعار الطاقة أثّر أيضاً على أسعار الغذاء، وتجاوز ذلك إلى التأثير على أسعار مواد البناء، كالحديد والأسمنت، وبالتالي إلى ظاهرة ارتفاع أسعار العقار بمعدلات قياسية على النطاق العالمي. من هنا توجد الكثير من الشكوك في فعالية وجدوى ما اتخذته الحكومات من سياسات واجراءات حتى الآن، للمساعدة في تخفيف معاناة الشعوب والتقليل من تأثيرات الأزمة الطاحنة.

أميركا اللاتينية تبحث عن حل

منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة، ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، حذّرتا في تقرير مشترك لهما من تواصل الارتفاع في أسعار الغذاء في العالم، بسبب ارتفاع كلفة انتاجه وتزايد الطلب عليه في الدول النامية. كما أشار التقرير إلى أن سوء الأحوال الجوية تسبب بتلف المحاصيل ما ساهم في تفاقم المشكلة.

وفي أميركا اللاتينية، اجتمع ممثلو 26 دولة في العاصمة الفنزويلية كاراكاس لعقد «قمة الشعوب»، لبحث ارتفاع أسعار الغذاء، على أمل وضع سياسة جماعية للتصدي لهذه المشكلة. وشاركت فيها المنظمات الاجتماعية في هذه الدول، التي اتهمت سياسات التحرير الاقتصادي وإلغاء الحواجر الاقتصادية بالمسئولية عن أزمة الغذاء.

ولكون بعض هذه الدول تقودها حكومات يسارية، فإنها تبنت الرؤية نفسها، فبدأت بالتقليل من الاعتماد على الاستيراد، وإقامة صناديق مالية للمساعدة في تعزيز التنمية الزراعية.

قضية الوقود الحيوي

الأزمة الراهنة تسببت في تجويع 100 مليون إنسان إضافي، حيث تواجه الدول الفقيرة زيادة في تكاليف وارداتها الغذائية تبلغ 40 في المئة.

منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو)، طالبت الدول المانحة بالتبرع بمبالغ أكبر لمساعدة المزارعين في الدول النامية في الحصول على الأسمدة والبذور والعلف الحيواني التي يحتاجونها لزيادة إنتاجهم. ولم يعد ممكناً تجاهل مشكلة قلة الاستثمار في القطاع الزراعي، خصوصاً بعد أن تضاعفت أسعار السلع الغذائية الرئيسية خلال العامين الماضيين، وسجّل الأرز والذرة والقمح مستويات قياسية منذ ثلاثين عاماً، ما قاد إلى أعمال احتجاجات وشغب في بعض الدول النامية، حيث ينفق السكان أكثر من نصف دخلهم على الغذاء. وتدرس بعض الدول مقترحات لخفض الرسوم الجمركية في قطاع الزارعة ضمن اتفاق تجارى تحت مظلة منظمة التجارة العالمية.

أما وكالات الإغاثة الدولية فتذهب إلى تحديد دور اليابان والصين في رفع أسعار الأرز الذي قاد لأعمال شغب في أماكن عديدة، امتدت إلى هايتي، بسبب القيود التي فرضتها الدولتان على مخزوناتهما الغذائية.

نظام عالمي جديد و«جائع»

بنك التنمية الآسيوي حذّر من أن أزمة ارتفاع أسعار الغذاء قد تقوّض كل التقدم الذي أحرز في الأعوام الأخيرة لمحاربة الفقر في قارة آسيا، معلناً أن «عصر الغذاء زهيد الثمن قد أشرف على النهاية»،وهي صرخةٌ مدويةُ سيظل العالم يتذكرها طويلاً.

وفي الوقت الذي تبرعت الدول المانحة بأكثر من 11 مليار دولار لمساعدة الفقراء في قارة آسيا، فإن المحللين يرون من الضروري توفير التمويل للمشاريع التنموية في الريف بالقارة، وإلا فإن هذه الجهود ستفشل في انتشال ملايين الفقراء من مستنقع الفقر، علماً بأن ثلثي الفقراء في العالم يعيشون في القارة الآسيوية، إذ لا يتقاضى 1,7 مليار من الآسيويين أكثر من دولارين يومياً.

هذا الوضع قاد إلى التحذير من ان استمرار ارتفاع أسعار المواد الغذائية قد يسبّب مجاعة وسوء تغذية غير مسبوقة، وما قد تؤدي إليه هذه الكارثة من اضطرابات اجتماعية كبرى. فبرنامج الغذاء العالمي يقدّر عدد الذين لا يجدون ما يسدون به رمقهم حالياً بأكثر من مئة مليون نسمة. بل ذهب بعض الخبراء إلى القول بأن أزمة الغذاء غير المسبوقة هذه، بدأت تخلق نظاماً عالمياً جديداً، تجتهد فيه كل دولة، وبصورة فردية، لضمان إمداداتها الغذائية الخاصة، دون الاكتراث بالآخرين. وهو ما يكرّس نمطاً جديداً في العلاقات الدولية، إذ تتبارى مزيد من الدول في آسيا وأفريقيا، علي شراء واستئجار مساحات من الأراضي في دول أخرى لإنتاج الأغذية. بل إن الصين تطالب اليوم بتغذية أكبر دولة في العالم، بالتعاقد على أراضٍ لحسابها في تنزانيا ولاوس وكازاخستان والبرازيل.

أما الهند، الدولة الثانية من حيث الكثافة السكانية، فقد اتجهت نحو أوروغواي وباراغواي، بينما سعت كوريا الجنوبية إلى عقد صفقات لاستغلال أراضٍ زراعية في السودان وسيبيريا، في حين تتفاوض مصر وليبيا على استئجار أراضٍ في أوكرانيا.

وإذا كانت كل دولة ستعمل بصورةٍ تحفظ أمنها الغذائي، بهذه الطريقة أو تلك، وستتمكن الدول القوية من تأمين احتياجاتها من الطعام، فإن الدول الفقيرة لن تتمكّن من إنتاج أو استيراد الغذاء لإطعام شعبها، وهو ما سيضع العالم على حافة اليأس ليبدأ عهد جديد من الاضطرابات والقلق السياسي.

جريمة إنسانية

بعض الخبراء يرجعون السبب جزئياً إلى استخدام محاصيل زراعية كالذرة وزيت النخيل والسكر لإنتاج الوقود الحيوي، وهي سياسة تحوّل الأغذية المهمة من أفواه البشر إلى خزانات السيارات والطائرات والقطارات، فتشبع الآلة وتجيع الإنسان. والغريب ان الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي يروّجان لاستخدام الوقود الحيوي كبديل لتقليل الاعتماد على النفط، فالحسابات الاقتصادية فوق حسابات الكرامة البشرية وتوفير الاحتياجات الأساسية للانسان.

عصر الغذاء الرخيص إذاً قد ولى، وتزايد تكاليف المعيشة أصبح يشغل اهتمام أكثر دول العالم، فالغلاء أصبح «شبحاً» يتسلل إلى كل مكان، ويخنق أحلام الملايين ويقضي على طموحاتهم، ويدفع بهم إلى الشوارع للتظاهر والاحتجاج.

وإذا عرفنا أن «الأرز» هو العنصر الغذائي الرئيسي لأكثر من 3.3 بليون نسمة حول العالم، فيمكننا أن نتخيل ما سيواجهه نصف سكان الكرة الأرضية من أزمة غذاء مستحكمة في السنوات المقبلة.

وعلى الرغم أن الزيادة في أسعار الأرز كانت مستمرة خلال الاعوام الماضية، إلا أن ارتفاعه خلال النصف الأول من العام الجاري كان حاداً، إذ سجّل زيادة بلغت خمسة أضعاف ما كان عليه منذ العام 2001. وممّا يزيد المخاوف، احتمال قفز أسعاره على نحو يعجز عنها أكثر من مليار نسمة من فقراء القارات الثلاث المكتظة بالسكان (آسيا وأفريقيا وأميركا الجنوبية)، خصوصاً أن وضعت الدول المنتجة قيوداً صارمة على تصديره، لتعوّض العجز في سوقها الداخلي. وهذه الخطوة أقدمت عليها الصين والهند وفيتنام ومصر، وهذه الدول تنتج أكثر من 35 في المئة من المحصول العالمي.

موجة غلاء ستستمر

رئيس البنك الدولي روبرت زوليك رجح بقاء الأسعار فوق مستويات عام 2004 حتى 2015 لمعظم المحاصيل. ونبه إلى ان ما تحقق من تقدّمٍ للحد من الفقر في بعض الدول، أصبح هذا التقدم في مهب الريح بسبب ارتفاع أسعار الغذاء. ولفت زوليك إلى «ان الحظر على صادرات الغذاء يضرّ بمستوردي الغذاء ويقلل الحوافز للإنتاج».

وحذّر البنك الدولي من أن تضاعف أسعار الغذاء خلال السنوات الثلاث الأخيرة قد يهوي بمئة مليون شخص في دول منخفضة الدخل في أعماق الفقر ويزيد معدلات الفقر في العالم. بل ان مدير إدارة خفض الفقر بالبنك الدولي في أميركا اللاتينية ومنطقة الكاريبي «إن مرحلة التحليل الأولى لهذه الأزمة تشير إلى أن معدلات الفقر في العالم سترتفع من ثلاثة نقاط مئوية إلى خمس نقاط».

ورأى أن هناك خمسة عوامل تسهم في تشكيل أزمة الغذاء، وهي حماية ودعم إنتاج الحبوب من أجل إنتاج الوقود الحيوي؛ وارتفاع تكاليف وقود الديزل والأسمدة؛ والمناخ السيئ في مناطق كانت مناطق إنتاجية كبيرة مثل استراليا التي واجهت موجة جفاف منذ 100عام؛ والتحوّل إلى زيادة استهلاك اللحوم والدواجن في آسيا، ما يتطلب إنتاج مزيد من الحبوبن؛ وأخيراً زيادة البنوك المركزية مستويات الاحتياطيات اللازمة لدى البنوك لمنع حدوث أزمة ائتمانن فاتجهت الأموال إلى التعاملات المالية الآجلة المرتبطة بالأغذية.

هل من أمل؟

لا يبدو أن هناك أملاً كبيراً في تخفيف معاناة ملايين الفقراء في مختلف أطراف العالم، وبما أنها أزمةٌ ذات طابع دولي، فإنها ستحتاج إلى سياسة تعاون والتزام إنساني، وهو ما لا يبدو في الأفق.

منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في باريس تقول ان متوسط أسعار الغذاء العالمية سوف تتراجع عن مستوياتها الحالية، ولكنها ستظل في العقد المقبل أعلى بنسبة 50 بالمئة عمّا كانت عليه في السنوات العشر الماضية. وإذا كانت الأزمة وهي في بداياتها قد أثّرت على ما لا يقل عن أربعين بلداً، تعرضت لاحتجاجات واضطرابات، فالخشية أن يتسبب استمرارها في وضع العالم أمام الانفجار الكبير.

العدد 2133 - الثلثاء 08 يوليو 2008م الموافق 05 رجب 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً