العدد 2133 - الثلثاء 08 يوليو 2008م الموافق 05 رجب 1429هـ

السلاح والغداء

يعاني نحو 862 مليون نسمة في كوكبنا من الجوع ويزداد وضعهم سوءاً يوماً بعد يوم، كما أن إجمالي عدد سكان المعمورة ينمو بنحو 80 مليون نسمة سنوياً مما يزيد عدد الأشخاص الذين يجب توفير الغذاء لهم. ويتغير النظام الغذائي أكثر في المناطق التي تنمو فيها الثروة بسرعة، فالصينيون مثلاً يريدون استهلاك المزيد من اللحوم ويتطلب إنتاج كيلوغرام واحد من اللحم من سبعة إلى ثمانية كيلوغرامات من الحبوب وأكثر من 10000 لتر من الماء الذي يهدد هو الآخر بندرة حادة بسبب غياب سياسات رشيدة لاستغلال المياه وغياب اتفاقيات دولية بشأنه.

بيد أن آفة الغذاء اليوم تتمثل في رواج صناعة الكراهية والتسلح في عالمنا مما يسبب المزيد من الشقاء للبشرية. فقد منحت الدولة الكبرى نفسها شرعية تدمير الحياة على هذا الكوكب الشقي، عدة مرات بالسلاح الاستراتيجي. سكرت الدولة الكبيرة والصغيرة بالإدمان على السلاح التقليدي والاستراتيجي. ارتفع السلاح إلى رتبة القداسة. أصبح الإنفاق على المقدس الجديد يفوق الإنفاق على سائر المقدسات الضرورية الأخرى وفي مقدمتها الغذاء. مسئولو الغرب يأتون فرادى وجماعات إلى منطقتنا وهم يحملون قوائم مبيعات للأسلحة يفرضونها على دولنا العربية لشرائها الأمر الذي يؤثر سلباً على الموازنات المخصصة لتوفير الغذاء والأمن الغذائي.

هنا يفرض السؤال الملح نفسه: على أيهما تنفق الحكومات أكثر؛ على السلاح أم على توفير الغذاء؟

الإجابة عن هذا السؤال يمكن استنتاجها من الخطاب الوافي الذي ألقاه المدير العام لمنظمة الأغذية والزراعة (الفاو) جاك ضيوف في القمة التي انعقدت في روما أخيراً. فقد ناشد ضيوف زعماء العالم جمع 30 مليار دولار أميركي (فقط) لإعادة إطلاق القطاع الزراعي في العالم وتلافي تهديدات الصراع حول الغذاء مستقبلاً. ولاحظ ضيوف أنّ العالم أنفق العام 2006 ما مقداره 1200 مليار دولار أميركي على الأسلحة، في حين قد تصل قيمة الغذاء المُهدَر في البلد الواحد إلى 100 مليار دولار (...) بينما يبلغ الاستهلاك الفائض المسبِّب للبدانة في العالم 20 ملياراً. وتساءل المسئول الأول في «الفاو»: «إزاء تلك الخلفيّة، كيف لنا أن نوضِّح لأصحاب الحسّ السليم والنيّة الطيبة أنه تعذّر علينا تدبير 30 مليار دولار سنوياً لكي يصبح في إمكان 862 مليون جائع امتلاك أكثر حقوق الإنسان أساسيّةً: أي الحقّ في الغذاء ومعه الحقّ في الحياة؟». وأضاف «والموارد بمثل هذا الحجم هي بالتأكيد ما سيجعل من الممكن إبعاد شبح الصراعات على الغذاء الذي يلوح في الأفق».

وأوضح ضيوف أن «الحلّ الهيكلي لمشكلة الأمن الغذائي في العالم يكمُن في زيادة الإنتاج والإنتاجية لدى بلدان العجز الغذائي ذات الدخل المنخفض». واستطرد أن ذلك «يتطلّب حلولاً إبداعية مبتكرة، من بينها اتفاقيات الشراكة فيما بين البلدان التي تملك موارد مالية وإمكانيات إدارية وتقنيات، وتلك التي تملك أراضي ومياهاً وموارد بشرية».

وقال ضيوف إن الأزمة الغذائية العالمية الراهنة كانت لها بالفعل «نتائج سياسية واجتماعية مأساوية في بلدانٍ مختلفة»، ويمكن «أن تعرِّض السلام والأمن العالميين لمزيدٍ من الخطر». لكنه لاحظ أن «الأزمة كانت بالضرورة سجلاً لكارثةٍ سبق التنبؤ بها»، إذ على رغم الوعد الجليل الذي قطعه مؤتمر القمّة العالمي للأغذية العام 1996، لخفض عدد الجياع في العالم إلى النصف بحلول العام 2015، فلم تظل الموارد المالية لتمويل البرامج الزراعية بالبلدان النامية بلا زيادة فحسب بل وسجلّت أيضاً تراجعاً كبيراً منذ ذلك الحين».

وذكّر ضيوف أن نحو 24 مليار دولار أميركي كانت مطلوبة لتمويل برنامج التصدي للجوع، المُعدُّ لمؤتمر القمة العالمي الثاني للأغذية العام 2002. وقال: «لكن الحقائق اليوم تتحدّث بذاتها: فخلال الفترة من 1980 إلى 2005 هبطت المعونة المقدمة للزراعة من 8 مليارات دولار أميركي (2004 كأساس) في العام 1984 إلى 3.4 مليارات بحلول العام 2004، أي ما يشكّل انخفاضاً بالقيمة الحقيقية مقداره 58 في المئة».

وما لاحظه أيضاً أن حصّة الزراعة في المساعدات الإنمائية الرسمية تراجعت من 17 في المئة العام 1980 إلى ثلاثة في المئة العام 2006.

وفي هذا الصدد قال ضيوف إن ثمة خططاً كانت معدّة بالفعل من قِبل البلدان النامية بالاشتراك مع المنظمة، لمعالجة الأمن الغذائي بفعّالية في العديد من أقاليم العالم. وأضاف: «لكن ردّ فعل المجتمع الدولي مع الأسف يأتي فقط حين تسلِّط أجهزة الإعلام أضواءها على المعاناة الأليمة في العالم فتنقلها إلى داخل منازل الُبلدان الثرية».

وعلى رغم أن الولايات المتحدة وعدت بتقديم 1.5 مليار دولار في القمة لمواجهة أزمة الغذاء فإن الحرب في العراق كلفت أميركا وبريطانيا 3 تريليونات دولار أميركي وأن أميركا تدفع 16 مليون دولار يومياً كلفة للحرب في العراق وأفغانستان فقط فيما يبلغ الإنفاق الكلي على الحرب في أنحاء العالم 100 مليون دولار يومياً وأن ارتفاع أسعار النفط كلف أميركا 25 مليار دولار وهي أزمة ناتجة عن التهديد بالحرب سواء على إيران أو غيرها.

وفي السياق ذاته تحصل نصف عدد دول العالم التي تتهمها منظمة العفو الدولية بتعذّيب مواطنيها على أسلحتها من الولايات المتحدة الأميركية. وفيما يأتي بعض من النفقات الأميركية على برامج التسلح:

* الموازنة السنوية المخصصة لدى الإدارة الأميركية لبرامج الأسلحة النووية حتى سنة 2008م تبلغ (4.5 مليارات دولار).

* نسبة الإنفاق العسكري للولايات المتحدة الأميركية محسوباً بالدولار من سنة 2001م بلغ (36 في المئة) من إجمالي كل الإنفاق العسكري الدولي.

* عدد الرؤوس النووية التي تملكها الولايات المتحدة حالياً هو (17150) رأساً نووياً.

* معدل المخصصات الأميركية السنوية لبرامج الأسلحة النووية في فترة الحرب الباردة أي حتى سقوط الاتحاد السوفياتي السابق كانت 23 مليارات و700 ألف دولار.

* كلفة إنتاج وصيانة الأسلحة النووية الأميركية منذ (54) سنة أي منذ بدايتها وصلت (55) تريليون دولار وكلفة صيانة هذه الأسلحة تبلغ (35) مليار دولار سنوياً.

* عدد الرؤوس النووية التي ستحتفظ بها الولايات المتحدة الأميركية عند تطبيق معاهدة الحد من الأسلحة النووية (3600) رأساً نووياً.

* إجمالي موازنة وكالة المخابرات الأمريكية CIA بكل أجهزتها سنة 2002م كانت (30) مليار دولار.

* ثمن الأسلحة التي تصدرها الولايات المتحدة إلى أنظمة (غير ديمقراطية) بلغت سنة 1997م 8 مليارات و300 مليون دولار.

وعموماً تستعمل الجيوش نحو 3 في المئة من الأراضي على صعيد العالمي ونحو 3 في المئة من إنتاج النفط العالمي.

وهناك مشكلة أخرى أكثر خطورة من إنتاج الأسلحة وهي التخلص من هذه الأسلحة وخصوصاً الكيميائية. إذ إن كلفة التخلص من هذه الأسلحة تبلغ 10 أضعاف كلفة إنتاجها!.

ختاماً يمكننا القول إن مشكلة انعدام الأمن الغذائي هي مشكلةٌ سياسية في المقام الأول. إنها مسألة أولويّات في وجه أكثر حاجات الإنسان الأساسيّةً. فما يحدِّد رصيد الموارد الزراعية هو الخيارات التي تتخذها الحكومات فإما الاعتناء بالفلاّح أو السلاح، وقديماً قالوا: «من لا يملك قوته لا يملك قراره».

العدد 2133 - الثلثاء 08 يوليو 2008م الموافق 05 رجب 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً