تحدثنا في الفصل السابق عن الأسماك عديمة السفط التي لها شكل ثعباني حيث ذكرنا الإنقليسيات والسلوريات ونكمل هنا بقية تلك الأسماك وهي العصابة وأبو بوق.
تصنف هذه الأسماك في عائلة يطلق على أفرادها في مصر «السيف» وهذه التسمية نقلها أمين معلوف عن شركة المصايد في مصر (معلوف 1985, ص79) وفي موقع أسماك مصر وهو فرع من موقع (kenanaonline.com) ورد اسمها «سيوف». وجاء في معجم تاج العروس (مادة سيف):
«السيف بالفتح ويكسر سمكة كأنها سيف».
وشكل هذه السمكة يشبه السيف ومنه جاء الاسم الإنجليزي Cutlass وهو نوع من السيوف. وتعرف هذه السمكة في الخليج باسم عصابة واعصابة, والعصابة في اللغة هي قطعة من القماش شبيهة بالسيف يعصب بها الرأس, وفي معجم «أساس البلاغة» للزمخشري (أنظر المواد ضمد وكلل) العصابة تعني الضمادة وهي تعني أيضاً رباطاً للرأس كالإكليل وإنما الإكليل يكون مزيناً بالجواهر. والمعصوب في اللغة «السيف اللطيف».
وقد ورد الاسم «سيف» في معجم «المنجد في اللغة» وفي كتاب «الإفصاح في اللغة» وقد خص به Swardfish أي Xiphias gladius وهذه سمكة من عائلة Istiophoridae وهذه أسماك بحرية سميت بذلك لأن لها منقاراً طويلاً يمتد على شكل سيف أو حربة ومنه تسميتها العامية في مصر «أم سيف», أما شكلها فلا يشبه السيف. وجاء في معجم معلوف في ترجمة Swardfish أبوسيف أو سياف البحر وكذلك جاء في المورد لمنير البعلبكي.
تعرف هذه الأسماك باسم «أبوبوق» و»بوق البحر» والجمع أبواق البحر وهي ترجمة اسمه الإنجليزي Cornetfish, وقد سمي بذلك لأن الفم عبارة عن أنبوبة طويلة تستخدمها هذه الأسماك في مص الأسماك الصغيرة. ويسمى أيضاً Flutefish وFlutemouth لنفس السبب وFlute عبارة عن آلة نفخ موسيقية. وتسمى هذه الأنواع في البحرين «أُبيري» و»مغزل» وربما سمي بذلك لشكله المغزلي. ويسمى في الإمارات خرخور. وفي عمان يطلق اسم الخرخور على سمك غير هذا وهو المعروف عندنا بالحاقول (الحاكول) وهناك شبه بين الخرخور والحاقول إلا أن هناك فروقاً واضحة بينهما وهناك من عمم على هذه الأنواع اسم الحاقول كما في الكويت, وكذلك في اليمن عممت على هذه الأسماك أي الحاقول والخرخور أسماء واحدة هي أبومنقار والسبسوب.
سنتناول هنا مجموعة أخرى من الأسماك عديمة السفط وهي أسماك اشتق لها اسم من صفتها كونها ملساء, وليست جميع الأسماك عديمة السفط ملساء فالعديد من الأسماك السابقة أي الثعبانية الشكل وغيرها من عديمة السفط لها جلد مغطى إما بقطع عظمية أو بجلد سميك أو يكون لها أشواك, إلا أن هناك مجموعة تميزت بأنها ملساء وقد اشتق لها أسماء من صفتها الغالبة عليها وهي كونها ملساء حيث تحولت صفة هذه الأسماك إلى أسماء, وهذه الأسماء هي أبومليس والملوص والملاصي, وهذه أسماء محلية تخص عائلتين من الأسماك متشابهتين في الشكل والبيئة التي يسكنونها إلا أنهما مختلفتين من حيث ان إحداهما ليس لها سفط وهي عائلة «البليني» والأخرى لها سفط وهي عائلة «القوبيون», إلا أن الأخيرة لم تشتهر بصفتها الملساء بل بصفات أخرى اشتق منها أسماء أكثر شهرة من أسمائها الأخرى التي اشتقت من ملاسة جلدها وربما سميت هذه الأخيرة بالملساء نتيجة لتعميم التسمية على الأسماك المتشابهة. وسوف نتناول كلا العائلتين ولكن قبل ذلك علينا التعريف بمدلولات التسميات التي أعطيت لها وهي: أبومليس وملوص وملاصي.
جاء في لسان العرب مادة «ملص»: «المَلَصُ، بالتحريك: الزَّلَقُ... ومَلِصَ الشيءُ، بالكسر، من يدي مَلَصاً، فهو أَمْلَصُ ومَلِصٌ ومَليص، وامَّلَصَ وتملَّص: زَلّ انسلالاً لمَلاستِه... وانْمَلَصَ الشيء أَفْلَت، وتدغم النون في الميم. وسمكة مَلِصة: تزل عن اليد لملاستها. إِذا قبضْتَ على شيء فانفَلَتَ من يَدِك قلت انْملَصَ من يدي انمِلاصاً».
وجاء في المخصص لابن سيده أن السمكة تسمى ملصة. وبلاشك ان صفة التملص ارتبطت بالأسماك منذ عهد طويل منذ البدايات الأولى لصيد الأسماك حيث كانت تلك البدايات الأولى تعتمد على الصيد باليد في منطقة المد والجزر, ويقصد بمنطقة المد والجزر تلك المنطقة من البحر التي تنكشف تماماً أثناء عملية الجزر والتي تسمى محلياً (ثبر) وتغطى بالماء أثناء عملية المد والتي تسمى محلياً (سقي). وحسب طبيعة قاع هذه المنطقة توجد أحيانا حفر طبيعية في هذه المنطقة عرفت باسم «برك منطقة المد والجزر» أو tidal pools. وعندما نستنطق لفظة «ثبر» المحلية سنجد أنها تعني في اللغة العربية بالإضافة لمعناها المحلي أي «جزر البحر» سنجدها تعني أيضا الحبس, والثبرة هي الحفرة التي يتجمع بها الماء, فلفظة «ثبر» هي اسم وصفة في آنٍ واحد لتلك الحالة التي يبتعد فيها الماء عن الشاطئ وتبقى الأسماك حبيسة الحفر تنتظر الصائد ليلتقطها بيده, وقد عاشت هذه الصورة آلاف السنين حتى القرن العشرين حيث الشهادات العديدة لطرق صيد الأسماك في الحفر باليد في البحرين والكويت.
صيد السمك باليد ليس بالأمر الهين بل صعب جداً وصورة إمساك السمكة باليد والسمكة تتحرك وتنزلق منها صورة حفرت في عقول العرب الأوائل, ونقرأ قول الشاعر الجاهلي «عبيد بن الأبرص» الذي شبه تمكنه من بحور الشعر وغوصه فيها بأن لسانه في القوافي أمهر من سباحة السمكة في البحر وأمهر منها وهي «تتملص» من يد الصائد بمهارة فائقة وقد رسم لنا تلك الصورة التي لابد أنها حفرت في ذاكرته وهو يشاهد الصياد وهو يحاول الإمساك بالسمكة بيده:
بَناتُ الماءِ لَيسَ لَها حَياةٌ
إِذا أَخرَجتَهُنَّ مِنَ المَداصِ
إِذا قَبَضَت عَلَيهِ الكَفُّ حيناً
تَناعَصَ تَحتَها أَيَّ اِنتِعاصِ
وَباصَ وَلاصَ مِن مَلَصٍ مَلاصٍ
وَحوتُ البَحرِ أَسوَدُ ذو مِلاصِ
لاحظ هنا تخصيص صفة الأسماك «ذات الملاص» بأنها سوداء وهذا يعني أنه قصد مجموعة بعينها من الأسماك فليست الأسماك جميعها ذات لون قاتم بل الأشهر أنها ذات لون فاتح, إلا أن صفة «الملص» وصفة اللون الداكن ارتبطت بمجموعات من الأسماك من التي تعرفها العامة حالياً باسم «الملوص» و»الملاصي» وهي تعيش في جحور أو شقوق صخرية في المياه الضحلة. وهذه الأسماك هي:
عائلة البلينيات والمفرد بليني وهو اسم معرب ولا يعرف لهذه الأسماك في الكتب العلمية أي اسم عربي. وتتميز هذه الأسماك بأنها عديمة السفط وجسمها ناعم، ومنه جاءت التسمية المحلية لهذه الأسماك وهي أبومليس، وذلك من الملاسة أي النعومة وكذلك الاسم ملاصي والاسم الملوص مشتق من الملص وهي عربية فصيحة كما ذكرنا سابقاً. وتعرف هذه الأسماك في الكويت باسم أبوشلمبو.
ويوجد جنس من عائلة البلينيات له شكل ثعباني ومنه جاء اسمه «البليني الثعباني» Snakeblenny وهو اسم يُعطى لجميع الأنواع التي تنتمي إلى جنس Xiphasia وقد سمي بذلك لأنه يشبه الثعبان وتسميه العامة في البحرين «أبوضريس» وذلك لوجود ناب كبير على مقدمة كل طرف من طرفي الفك السفلي.
تنتمي هذه الأسماك إلى عائلة القوبيونيات ومفردها قوبيون وهي تعريب Gobius باللاتينية ذكرها بهذا الاسم معلوف في معجمه, وينتمي إلى هذه العائلة ما تسميه العرب حوت الجن (Mudskipper)، والجمع حيتان الجن سميت بذلك لأنها تخرج من الماء (معلوف 1985, ص116), وترجمة الاسم نطاط الوحل وهو يعيش في الطين ولا يوجد على سواحل البحرين بل يوجد على سواحل الكويت ويسمونه هناك أبوشلمبو. وتتميز أسماك القوبيون أن جسمها مغطى بالقشور إلا أنها ناعمة وتشبه إلى حد ما أسماك البليني. وتعيش غالبية هذه الأسماك في جحور في القيعان الرملية إما بمفردها أو مع نوع معين من الروبيان. وتعرف هذه الأسماك في الكويت وكذلك في اليمن باسم الحفار بسبب الجحور التي تحفرها وتعيش فيها وتسمى في البحرين النباط لنفس السبب فالنبط هو الحفر لاستخراج الماء, ويسمي بعض العامة في البحرين هذه الأسماك ملوص وملاصي وأبومليس
العدد 3107 - الأربعاء 09 مارس 2011م الموافق 04 ربيع الثاني 1432هـ
