العدد 3111 - الأحد 13 مارس 2011م الموافق 08 ربيع الثاني 1432هـ

سوق التمويل خارج القطاع المصرفي السعودي خيار بديل آخذ في التنامي

ثمة مخاوف من أن تشكل «بازل3» ضغوطات على تمويل مشاريع خطط التنمية
ثمة مخاوف من أن تشكل «بازل3» ضغوطات على تمويل مشاريع خطط التنمية

مع تزايد تحفظ البنوك السعودية بشأن منح القروض الشخصية توسعت عمليات أسواق التمويل خارج القطاع المصرفي في أكبر اقتصاد عربي لتصل إلى أكثر من 100 مليار ريال (26.7 مليار دولار) على رغم أن هذه الأسواق لا تعمل بشكل قانوني.

وتنتشر في سوق الديرة وسط العاصمة (الرياض) العشرات من مؤسسات تحصيل الديون ومكاتب التمويل والتقسيط ومتاجر الأغذية التي تتوسع في نشاطها لتقديم قروض بشروط أقل صرامة من القطاع المصرفي.

وتشترط جهات الإقراض هذه على قاصديها توقيع شيكات توزع استحقاقاتها على المدة المتفق عليها ومعلومات عن موقع عمل المقترض ومكان إقامته إلى جانب كفيل ضامن يلتزم بالسداد حال تعثر الزبون ويشترط أن يعمل في قطاع حكومي.

وقدر المدير العام للشركة السعودية للمعلومات الائتمانية (سمة)، نبيل المبارك، حجم عمليات التمويل خارج القطاع المصرفي بين 100 و120 مليار ريال سعودي وأشار إلى أن تلك السوق تضم شركات تعمل في تجارة التجزئة وتقسيط السيارات وبيع المجوهرات.

وأضاف المبارك «هذه السوق موجودة عالمياً وتتضاعف بسرعة في السعودية وهي قديمة جداً في السعودية».

وتضررت البنوك السعودية جراء الأزمة المالية العالمية؛ ما دفعها إلى إتباع سياسة شديدة التحفظ فيما يتعلق بالإقراض بعد تكبدها خسائر وتجنيب مخططات لتغطية قروض متعثرة.

وعلى رغم أن القروض الشخصية المقدمة من القطاع المصرفي تتراوح بين 200 مليار و205 مليارات ريال سعودي وفقاًَ لبيانات حديثة يواجه العديد من السعوديين صعوبات كبيرة في الحصول على قروض شخصية بسبب اشتراط معظم البنوك السعودية رهن رواتب طالبي القروض لحين الوفاء بكامل الاستحقاقات وهو ما يدفع بالعديد منهم للبحث عن خيارات تمويل بديلة.

وقال سعيد الشمراني وهو مواطن سعودي تحدثت معه «رويترز» إنه حصل على قرض بمبلغ 30 ألف ريال من تاجر أغذية بسعر فائدة يقارب 40 في المئة لتسديد رسوم متراكمة لمدرسة ابنه الأهلية وذلك بعدما رفضت البنوك منحه المبلغ كونه يدير عملاً خاصاً ولم تنطبق عليه شروط التمويل.

وكانت مؤسسة النقد السعودي قد أصدرت في العام 2006 ضوابط للتمويل الاستهلاكي ألزمت فيها البنوك بألا تتجاوز الأقساط الشهرية الإجمالية للمقترض ثلث صافي راتبه الشهري وألا تتجاوز فترة استحقاق القروض الاستهلاكية أكثر من 5 سنوات باستثناء القروض العقارية التي لم تصدر بعد تشريعاتها الخاصة.

وقال أستاذ المالية في جامعة الأمير سلطان، حمزة السالم: «هذه السوق موجودة في العديد من دول العالم لكنها منظمة من حيث أسعار الفائدة وتتم معاقبة المقرضين حال التعامل بنسب فائدة عالية وتقديم شكوى ضدهم للسلطات الرسمية من قبل المقترضين».

من جانبه قال الاقتصادي السعودي، فضل أبو العينين، إن أسعار الفائدة على القروض الشخصية في البنوك السعودية تتراوح ما بين 2.5 إلى 4.5 في المئة وتختلف بحسب حال التعاقد وجهة العمل؛ إذ تتدنى في حال عمل المقترض في الشركات الكبرى مثل «سابك» و»أرامكو» أو في حال العمل لدى الجهات الحكومية بينما ترتفع في حال عمل المقترض مع الشركات المتوسطة أو الصغيرة أو في حال كونه أجنبياً لارتفاع نسبة المخاطر.

والتقت «رويترز» مع مدير مجموعة عمر للتقسيط والتحصيل، إبراهيم عمر الذي أكد أنه يجمع ضمن قائمة زبائنه شركات وأفراداً ومؤسسات وقال «تتراوح قيمة القروض المقدمة لهم (الزبائن) بين 50 و500 ألف ريال سعودي ونحرص أن تكون عملياتنا موافقة لقواعد الشريعة الإسلامية».

ويشترط العديد من طالبي القروض «توسيط سلع» لضمان توافق معاملاتهم مع مبادئ الشريعة الإسلامية إلا أن الكثير منها يتم ورقياً دون استلام السلع؛ ما يتسبب في رفع كلفة الدَّين وعدم تطبيق المقاصد الشرعية بشكل كامل.

ويعني «توسيط سلع» تحويل العملية إلى «تورق إسلامي» وهي أن يشتري المقترض سلعة ثم يبيعها نقداً لشخص ثالث بسعر أقل إلا أن الكثير من تلك المعاملات تتم ورقياً دون وجود سلع حقيقة؛ ما يتسبب في رفع كلفة الدين على المقترض.

وتراهن سوق التمويل البديل على سمعة زبائنها وكفلائهم ونظام التقاضي الشرعي في السعودية لضمان أموالها. ويقول محمد مهدي الذي يدير شركة تعمل في تحصل الديون ووكيل لمجموعة من تجار التجزئة ممن يقدمون قروضاً «لا شك أن حالات التعثر ارتفعت في العامين الأخيرين ولكن الجميع لديهم الرغبة في السداد ويخافون كثيراً من أن نقوم بزيارتهم في أماكن عملهم أو اتخاذ خطوات صارمة ضد كفلائهم».

وبحسب معلومات رسمية من الشركة السعودية للمعلومات الائتمانية بلغت نسبة حالات التعثر للمقترضين من القطاع المصرفي 1.2 في المئة وهي كما يصفها مديرها العام «نسبة بسيطة جداً».

ونفى مصدر في أحد البنوك السعودية الكبرى أن تكون شروط البنوك السعودية صعبة مؤكداً أن معظم هذه الشروط صدر كتوجيهات ملزمة من مؤسسة النقد السعودي. وقال: «يجب أن تكون هناك ضمانات لإعادة أموال المودعين ولا يمكن تقديم قروض دون تحقيق شروط تؤكد نية المقترض السداد وقدرته على الوفاء بالتزاماته».

وقال المصدر: «هذه السوق لا تشكل خطراً على القطاع المصرفي فأكثر من يتجه لها هم ممن ترفض طلباتهم البنوك أو لديهم تعثرات أو قروض أخرى».

وتعليقاً على ذلك قال حمزة السالم: «البنوك السعودية لا تتحمل أي مخاطر في إقراض الأفراد فهي ترهن رواتبهم ومكافآت نهاية الخدمة وهو أمر يجب أن يتوقف» داعياً إلى ضرورة «أن تقوم المصارف بدراسة المخاطر بشكل حقيقي وتأدية دورها التمويلي بفاعلية».

وأكد أحد تجار المجوهرات في الرياض أن نشاطه الاقراضي لا يهدف إلى التوسع في سوق التمويل بقدر محاولته لإنشاء شبكة علاقات مع زبائن جدد وتحريك رأس المال بسبب الركود في عمليات البيع والشراء الذي صاحب ارتفاع أسعار الذهب.

وقال مصدر من مؤسسة النقد العربي السعودي (البنك المركزي) لـ «رويترز» مشترطاً عدم ذكر اسمه إن المؤسسة تمنع ممارسة أي نشاط تمويلي خارج القطاع المصرفي والمؤسسات المصرح لها إلا أنه لا توجد لوائح عقوبات ضد من يمارس هذا النشاط دون تصريح.

وقال السالم: «نتفهم موقف مؤسسة النقد السعودي فهذه أموال شخصية وليست ودائع تتعهد المؤسسة بسلامتها (...) لكن يجب تخصيص جهة لمحاربة أسعار الفائدة العالية».

واتفق معظم من تحدثت معهم «رويترز» على أن أسواق التمويل خارج القطاع المصرفي لا تشكل خطراً على القطاع المصرفي أو الاقتصاد السعودي إلا أنها تشكل خطراً كبيراً على الأفراد.

وطالب خبراء ماليون وزارة التجارة بالتدخل لمنع عمليات التمويل في أسواق التقسيط والمجوهرات وقطاعات الجملة والتجزئة وإلزام تلك المتاجر بالعمل في طبيعة نشاطاتها.

فمن ناحية أغلب من يتجه إلى هذه السوق هم ممن ترفض المصارف السعودية طلباتهم ومن ناحية أخرى فان القروض خارج القطاع المصرفي تأتي من الأموال الشخصية للتجار وليس عن طريق جمع أموال من مساهمين أو مودعين يعاد إقراضها لآخرين.

ويقول نبيل المبارك: «قد تصل نسب الفائدة إلى 60 في المئة وهو أمر مجحف جداً بحق الأفراد وخاصة أن الكثير منهم لديه قروض أخرى من المصارف».

وهو ما يتفق معه الكاتب والأكاديمي السعودي، عبدالرحمن السلطان الذي يقول: «لا أعتقد أن لها أضراراًَ مباشرة على الاقتصاد ولكن ما يضر الفرد قد ينعكس لاحقاً على الاقتصاد»

العدد 3111 - الأحد 13 مارس 2011م الموافق 08 ربيع الثاني 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً