العدد 2455 - الثلثاء 26 مايو 2009م الموافق 01 جمادى الآخرة 1430هـ

الاقتصاد الإسلامي بين صحوة الغرب وتواكل الشرق

مثلت المصارف الإسلامية اللبنة الأولى للاقتصاد الإسلامي في العصر الحديث، وشهدت تطورا سريعا وانتشارا واسعا وتنوعت خدماتها ومنتجاتها لتغطي معظم احتياجات الأفراد والجماعات والمؤسسات على حد سواء، حتى تمكنت من فرض نفسها في ساحة الاقتصاد العالمي سواء على مستوى الدول العربية والإسلامية أو الدول الغربية، وأصبح من حق المسلم أن تكون له مؤسساته المصرفية التي تتعامل معه على أساس دينه وعقيدته وقيمه واهتماماته، فترفع عنه الحرج الذي يجده في التعامل مع المؤسسات المصرفية التقليدية.

وفي ظل الأزمة المالية العالمية ودعوة الغربيين أنفسهم وفي مقدمتهم الفاتيكان إلى الأخذ بمنهج الاقتصاد الإسلامي يبدو مدى تقصير رجال الفكر الاقتصادي الإسلامي في حق دينهم، وعرض وتسويق سلعتهم الاقتصادية الربانية للغرب المتشوق إليها للخلاص من أزمته.

وللأسف فقد حصر الاقتصاديون المسلمون الاقتصاد الإسلامي في المصارف الإسلامية بما رافق التجربة من ايجابيات وسلبيات مع أن الاقتصاد الإسلامي يشمل جميع جوانب الحياة الاقتصادية للفرد والأسرة والمجتمع والمؤسسات.

والملاحظ أن حركة المصارف الإسلامية بدأت تجربتها العملية قبل أن يستكمل التنظير مراحله الضرورية، ولذلك فحينما بدأت تجربة المصارف الإسلامية ممارستها العملية اكتشفت وجود نقص كبير في الأساليب والأدوات الملائمة لطبيعتها والتي تمكنها من القيام بوظائفها الجديدة، فكان من نتيجة ذلك أن وصلت التجربة إلى طريق التقليد في العديد من ممارساتها.

وقد كان من المنتظر أن يصاحب تطبيق تجربة المصرفية الإسلامية ازدياد نشاط عمليات الاجتهاد الفقهي والابتكار الفني لتطوير واستحداث أساليب ونظم عمل جديدة ملائمة لطبيعة المصارف الإسلامية وامتداد تلك التجربة لجميع المؤسسات الاقتصادية، ذلك لأن لكل تجربة فقها، ولابد لكل حركة من فقه التجربة، ومهما كان التنظير مهما وضروريا قبل التجربة، فإنه يبقى للفقه الميداني أو ما يسمى بفقه التجربة دوره ومساحته وضرورته، وذلك لوضع الحلول للمشكلات العملية التي تفرزها تباعا التجربة العملية.

ولكن تبيَّن أن الإسهام الجاد والحقيقي في عملية البحث العلمي والتنظير المصاحب لمسيرة الجانب العملي في المؤسسات المالية الإسلامية كان محدودا أو بطيئا للغاية، ولا يتفق مع أهمية التجربة، بل إن بعض صور التنظير في الوقت الحالى أصبحت تتجه نحو صبغ المعاملات التقليدية بصبغة شرعية بعد إجراء تعديلات شكلية عليها لا تغني عن المضمون شيئا.

إن التجربة مازالت تعاني من بطء التطور في أساليب الاستثمار، وكذلك السعي إلى صبغ المعاملات التقليدية بصبغة شرعية، فضلا عن احتكار الرقابة الشرعية من خلال عدد محدود من الشرعيين الذين لا يسعفهم وقت للقيام بالأمانة الموكولة إليهم.

ولعل الأزمة المالية العالمية فرصة سانحة لصحوة إسلامية اقتصادية والرجوع بإخلاص إلى نشر الفكرة الاقتصادية الإسلامية في ربوع الدنيا وتطبيق القاعدة القرآنية النبوية «وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين” (الأنبياء: 107) ببذل الجهد من خلال المؤسسات الإسلامية لفتح الباب لتصميم وابتكار أدوات مالية تجمع بين المصداقية الشرعية والكفاءة الاقتصادية فتلبي حاجات العصر وتحافظ على الأصل.

نتمنى من معهد البحوث والتدريب بالبنك الإسلامي للتنمية أن يقوم بهذا الدور بالتنسيق مع المجلس العام للبنوك والمؤسسات المالية الإسلامية، وهيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية وأن يترك المجال للشباب من الاقتصاديين والفقهاء لتطوير وابتكار منتجات مصرفية إسلامية، وتعريف الغرب بالاقتصاد الإسلامي منهجا وتطبيقا وسلوكا، مع الاستفادة من خبرة كبار الفقهاء، فكمٍّ من مؤتمرات أنجزت بالوجوه نفسها والتكرار الملحوظ دون عمل يذكر وأصبحت توصياتها معروفة قبل انعقادها.

العدد 2455 - الثلثاء 26 مايو 2009م الموافق 01 جمادى الآخرة 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً