العدد 1303 - الجمعة 31 مارس 2006م الموافق 01 ربيع الاول 1427هـ

أكثر من 100 بحريني يعيشون الهلع في جزر حوار

بعد أن سمعوا بحادث غرق البانوش

ربما كان فصلاً أسود انتهى بالنسبة لمن نجوا من غرق البانوش مساء الخميس الماضي، بعد أن وجدوا أنفسهم على قيد الحياة ولم يفقدوا أي جزء من أجسادهم أو عزيز لديهم، ولكن هناك فصل آخر بدأت حوادثه مع مجموعة من الأسر البحرينية فاق عدد أفرادها المئة شخص، كانت تسامر الليل بسدوله في جزر حوار، هرباً من أسبوع طويل شاق بالعمل واستنزاف العقول.

الخوف وجد لنفسه طريقاً في نفوس بعض أولئك الأفراد عندما عرفوا بالواقعة، بينما استعصى عليه أن يداهم آخرين أصروا على أن يكملوا برنامجهم الذي جاءوا من أجله، تاركين فئة أخرى تجيب على الاتصالات التي لم تهدأ حتى عصر أمس الجمعة.

موعد مع الحياة

«الوسط» كانت حاضرة معهم عبر الهاتف، في محاولة منها لجس نبضهم وردود فعلهم، وفي ذروة هلعهم كانت تطمئنهم باحتضان الجزيرة الأم لهم مجدداً كما فارقوها، من دون أن يصيبهم أي مكروه لا قدر الله، كما أنها كانت أول من أستقبلهم في موعد جديد مع الحياة على فرضة الدور التي غطتها الهتافات والتصفيق بسلامة الوصول، لتخرج منهم بالمشاهدات الآتية:

خالد الحداد كان مستغرقاً في لعب كرة القدم عند الساعة العاشرة من مساء الخميس الماضي، ولم يكن يوقفه حتى حماس من كان ينافسه من أفراد أسرته، وبقي كذلك إلى ان اتصل به جاره وقال له: «خالد، ألا تعلم أن هناك بانوشا يحوي أجانب وعدداً من البحرينيين غرق اليوم؟» خالد مجيباً إياه: «لا لم يخبرني أحد، ما الذي يجري أخبرني»، الطرف الآخر «ليست لدي تفاصيل كافية، ولكني رغبت في إخبارك بما سمعت، والاطمئنان على سلامتكم»، خالد «لا تقلق نحن جميعاً بخير»، الطرف الآخر «الحمد لله على ذلك، سأعاود الاتصال بك من جديد، مع السلامة».

إلى هنا انتهى الحديث بين الطرفين، ولكن خالد أبى أن يخبر من معه بالأمر، وبقي بعد ذلك ملازماً التلفاز ليعرف المزيد من التفاصيل التي تسربت إلى الشاليهات المجاورة، فلم يعد للسر مكاناً.

يؤكد خالد أنه تم وضع برنامج مسبق للرحلة التي انطلقت عند الساعة الثامنة من صباح الخميس الماضي، يتضمن مسابقات ثقافية وشعرية، وممارسة السباحة وكرتي القدم والطائرة، وأصر المشاركون معه على مواصلة البرنامج حتى وقت متأخر من ليل الخميس، فبحسب قوله الفرصة لقضاء مثل هذه الإجازة لن تتكرر كل يوم.

رعب الأمواج

أما باسل المطوع الذي كان ذاهباً برفقة زوجته ووالدته وأولاده فبقي متمسكاً بهم طوال رحلة العودة عصر أمس، ويشير إلى أن الرحلة كانت نوعاً ما مرعبة لعدد من الركاب على متن المركب، إذ ان الأمواج كانت عالية والهواء قوياً فكان المركب غير مستقر، إلا أنه كان هادئاً حتى لا يجعل القلق يساور أهله، كما تحدث عن الاتصالات التي لم تهدأ منذ وقع الحادث، وكان مصدرها دول خارجة عن محيط الخليج العربي.

سيناريوهات العودة

وبالنسبة لفاطمة علي، فإن وقع الخبر عليها كان عصيباً جداً، خصوصاً أن زوجها لم يرافقها وترك معها الأبناء أمانة في عنقها، ما جعلها تتخيل سيناريوهات لنهاية مخيفة في مركب العودة الذي احتضن أكثر من 100 شخص في رحلة الذهاب، وهو الرقم الذي تكرر كثيراً في حسابات الأجهزة الرسمية والصحف المحلية بشأن من غرقوا في البانوش المنكوب، بيد أن هذه السيناريوهات بدأت تتلاشى مع تمسكها بالقرآن وتتبع سطوره الطاهرة.

أطفال فاطمة، وفق ما تفيد لـ «الوسط» كانوا يسرحون ويمرحون منذ وصولهم إلى جزر حوار عند الساعة العاشرة من صباح الخميس، ولكن ما لبث أن تراجع نشاطهم بعد أن أخبرتهم بما جرى.

الفرار من رائحة الموت

مواطنة أخرى كانت تنقل الحقائب على وجل لتضعها في السيارة، استعداداً للانطلاق من مرفأ الدور، كما لو أنها تريد أن تقول: «لا أريد أن أبقى بالقرب من البحر الذي يحمل أرواح أناس غادرونا قبل ساعات، فمجرد البقاء فيه يذكرني برائحة الموت»، «الوسط» باغتتها وسألتها عن مستوى أدوات السلامة على المركب، فجاء ردها «سترات النجاة كانت قليلة فلم أتمكن سوى من توفير سترة واحدة لأبني، فيما بقيت أنا وباقي أبنائي من دون حماية فيما لو حدث أي طارئ لا قدر الله، إلى جانب أن هذه السترات كانت بالية ولا أعتقد بأنها قادرة على أن تنقذ طفلاً لو سقط في الماء».

الاتصال الأول

عواطف جعفر أول من يتلقى اتصالاً من «الوسط» ظهر أمس، وكانت حينها قلقة جداً من عدد الركاب الذين كانوا سيعودون على متن المركب نفسه، وتبدي تخوفها من احتمال تجمعهم في إحدى زوايا المركب وتكرار المأساة ذاتها.

«الوسط» استفسرت منها عن كيفية تلقيها الخبر، فتقول عواطف: «كنا نشعر بالتعب بسبب نقلنا إلى أمتعتنا واستغراقنا مدة ساعتين هي المسافة من البحرين إلى جزر حوار، فخلدنا إلى النوم عند الساعة العاشرة مساءً، وجاءنا النبأ عند الساعة العاشرة والنصف، وأول شعور انتابنا هو الهلع والخوف، بينما جاءتنا اتصالات متكررة من أهلنا في البحرين للاطمئنان علينا، إذ كانوا يعتقدون أننا المعنيون بالحادث».

وتضيف «بعد ذلك لم تتذق أعييننا النوم حتى وقت متأخر من الليل، ونحن نتصور ما يعترضنا عند العودة، فضلاً عن أن القلق لم يفارق قلوبنا فاتصلنا إلى المنظمين وسألناهم عن موعد الذهاب، واتصلنا أيضاً بخفر السواحل للاستفسار عن حالة المد والجزر وسرعة الرياح، رغبةً منا في توفير أجواء من السكون والهدوء في نفوسنا».

العائدون بالأمس، اندفعوا إلى منازلهم كما يندفع الطفل إلى أحضان أمه، ليعانقوا الأحباب والأصحاب، بعد أن عاشوا كابوساً تمنوا لساعات وساعات أن يتخلصوا من طقوسه الكئيبة، بيد أن عدداً منهم مازال لديه الإصرار على المشاركة في رحلة مماثلة حتى وإن طغت عليها رائحة الموت التي خلفتها الحادثة الأخيرة

العدد 1303 - الجمعة 31 مارس 2006م الموافق 01 ربيع الاول 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً