العدد 1303 - الجمعة 31 مارس 2006م الموافق 01 ربيع الاول 1427هـ

خطر داهم... أصوات صاخبة... رفض تعليمات السلامة... السفينة تغرق!

كابتن «البانوش» يصف لـ «الوسط» مشهد اللحظة الأخيرة:

لم يكن قائد البانوش الآسيوي الجنسية (كابتن: آر) في أفضل حالاته بعد الحادث المحزن، إلا أن في إمكانه التحدث على رغم حاله الصحية غير المستقرة، عن صورة لن تغيب عن ذاكرته إطلاقاً! فالنجاة من الموت، أو الهروب من أحضانه وسط بحر مظلم، تعني بالضرورة حياة جديدة وصفحة تضاف الى سجل العمر.

هل كان السبب في غرق البانوش خلل فني طارئ؟ هل يمكن الأخذ بفرضية سوء بناء البانوش ووجود أخطاء هندسية في التصميم؟ ترى، ما الذي حل بالبانوش في ذلك المساء؟ هل يمكن لأحد أن يصف مشهد اللحظة الأخيرة بكل مأسويته؟ أين هي الحقيقة؟

من الصعب على الكابتن أن يتحدث في تفاصيل حادثة لايزال التحقيق جارياً لمعرفة تفاصيلها وملابساتها، لكنه يشير الى أنه كان يتوقع، في تلك الليلة، أن يحدث أمر جلل! وحدث ما توقع، أو حدث ما كان يسعى لمنع وقوعه... كيف؟

مشاجرة كلامية سبقت الرحلة

قبل الوصول الى المشهد الأخير، وهو المشهد الأكثر مأسوية، يشير الكابتن الى أن الرحلة، وقبل أن تبدأ شهدت عراكاً كلامياً وقع بسبب الإصرار على ركوب السفينة بحمولة زائدة من الأمتعة كانت عبارة عن مكبرات صوت تستخدم لجهاز الـ «دي. جي»، بالإضافة الى حمولة أخرى عبارة عن براميل! وكميات من الصناديق حملت بالمشروبات والأغذية، إضافة الى عدد يزيد على مئة من الركاب، وبدأ العراك برفض الانطلاق مع هذه الوضعية، فالبانوش، وإن كان مهيأ لنقل عدد أكبر يصل الى 200 راكب، إلا أن هناك اجراءات متبعة تقضي بعدم نقل أكثر من 100 راكب دون حمولة أخرى.

واستمر النقاش في هذا الأمر، ورفض الإنطلاق، لكن الشركة التي استأجرت البانوش «آي. تورز»، ومديرها «س»، أصر على الإنطلاق باعتبار أن شركته استأجرت البانوش وهي التي تتصرف في ادارته، وحينها قرروا إلحاق مركب صغير تابع للشركة التي تعمل منذ سنين طويلة في السياحة البحرية لنقل العدد الزائد والحمولة الزائدة، إلا أن هذا الأمر لم يتم فغادر السفينة عدد من المدعوين قد يصل الى 15 راكباً، وتحت الضغط الشديد من جانب الشركة المستأجرة، وعجز الموظفين الإداريين عن منعهم، بدأت الرحلة.

قال البعض إن البانوش كان مائلاً منذ انطلاقه، ألم يكن هناك خلل ما منذ البداية جعل وضعية الإبحار خاطئة حتى حلت المأساة؟

- طبعاً كان هناك ميل ملحوظ بسبب بعض الأمتعة الثقيلة... كمكبرات الصوت الضخمة والمواد التموينية الإضافية، وهذا الأمر أيضاً لم يقع في آذان المشرفين على الرحلة حينما أخبرناهم بذلك منذ البداية... فبالنسبة إلي كملاح، وكذلك الحال بالنسبة إلى تصاميم السفينة، فإن السفينة تصمم بثقلها طبقاً لمعايير فيزيائية وهندسية في توزيع المرافق والأحمال للحفاظ على التوازن... هناك حساب دقيق لكل ما تحويه السفينة، ولذلك، فإن مرافقها موزعة بشكل دقيق لحفظ التوازن، لكن حين تتم اضافة أثقال زائدة، لاشك في أن ذلك سيجعل السفينة تميل.

ماذا عن الخلل الفني؟

ألم يكن هناك خلل حقاً... هل هذه محاولة للهروب من المسئولية؟

- لم يكن هناك خلل في البانوش وأنا أؤكد لك ذلك، والتحقيقات الفنية ستثبت هذا الأمر، وقد تم تقديم الكثير من الأدلة من جانب ادارة البانوش للمحققين، حتى وإن افترضنا وجود خلل، فانقلاب المركب لم يكن بسبب خلل بل بسبب خطأ طارئ.

كيف ذلك؟

- لقد انطلق المركب بحمولة زائدة، وأدركت أن هناك خطراً قد يقع في أية لحظة، ولكن كنت أحاول قدر الإمكان السيطرة على الوضع، إلا أن المشكلة بدأت تزداد مع ازدياد نشاط حفل المدعوين، وتحديداً بعد الانتهاء من العشاء... لقد كان الجميع في قاعة الطعام في الطابق الأول، وكان الأمر طبيعياً للغاية، لكن ازداد الخطر مع انطلاق الكل بعد انتهاء العشاء الى الطابق العلوي... لقد تجمع المدعوون في الطابق العلوي مع اطلاق الموسيقى الصاخبة، وحدثت جلبة شديدة، وراح الكل يرقص بطريقة جعلتني أندفع والطاقم لأن نطلب منهم ألا يتجمعوا كلهم في الطابق العلوي ولابد من أن يتوزعوا فريقين... يصعد فريق الى الطابق العلوي ويبقى فريق آخر في قاعة الطعام لحفظ التوازن، لكن لم يكن أحد يسمع ما أقول وشيئاً فشيئاً، ومع ازدياد الحركة والجلبة والرقص من جانب المدعوين الذين يصل عددهم الى نحو 130 فرداً بدأت السفينة تميل ووجد الجميع أنفسهم يميلون الى جهة واحدة ما أدى الى وقوع المأساة... لم تكن حتى اجراءات السلامة تنفع، فلن يسمع أحد التوجيهات لارتداء السترات، الوقت لم يكن يساعدنا لأن نفعل شيئاً... فالجميع، ونحن منهم، كنا نواجه الموت!

الماء يبتلع المركب

هل هذا كل ما تذكره من مشهد اللحظة الأخيرة؟

- كان الوضع مخيفاً دون شك، فقد واجه الجميع لحظة الموت بذهول لا يمكن وصفه إطلاقاً، وهذا ما حذرت منه والشركة التي اشرفت على الرحلة واستأجرت البانوش «آي. تورز» لها خبرة طويلة في السياحة البحرية وتدرك أن مثل هذه الأخطاء يمكن أن تقع لتسبب مأساة سواء كان هناك خلل فني في المركب أم لا... إن المأساة وقعت - باختصار - بسبب زيادة الحمولة وعدم الالتزام بتعليمات واشتراطات السلامة، حتى أن المشرفين على الرحلة وكأنهم يتعمدون إشعارنا بأنهم لا يتلقون منا الأوامر، ثم لحظة ركوب الجميع الى الطابق العلوي أعدنا عليهم مراراً وتكراراً ضرورة النزول الى الطابق الأول لحفظ التوازن، لكن الكثيرين لم يكونوا في وعيهم... لقد كانت مأساة فعلاً وتحولت هذه الرحلة التي كنا نتمنى جميعاً أن تكون رحلة سعيدة ومبهجة الى مأساة لا يمكن وصفها، فأصوات الهلع والموت وقوة الأرواح في محاولة التشبث بالحياة ومناظر الموت المخيفة في تلك الظلمة التي كانت قبل سويعة مضاءة بأنوار المركب... حل الظلام وحل الموت والماء يبتلع المركب بمن فيه.

تلك كانت الأسطر الأخيرة في رواية الكابتن (آر)، لكن، أين الطرف الآخر الذي له روايته؟! حاولنا الوصول الى أحد المعنيين بشركة «آي. تورز» للاستماع اليهم يصفون مشهد اللحظة الأخيرة، لكننا لم نتمكن... عل الفرصة تسنح خلال الأيام المقبلة

العدد 1303 - الجمعة 31 مارس 2006م الموافق 01 ربيع الاول 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً