العدد 3186 - السبت 28 مايو 2011م الموافق 25 جمادى الآخرة 1432هـ

كفوا عن اتهام الخارج

شوقي العلوي comments [at] alwasatnews.com

.

فخامة الرئيس الدكتور بشار حافظ الأسد رئيس الجمهورية العربية السورية المحترم

بعد التحية لفخامتكم،،،

قبل نحو عامين كنت في زيارة للحبيبة سورية بعد غياب عنها قارب الثلاثة عقود، عن تلك الزيارة وما وجدت حال سورية عليه بعد تلك الفترة الطويلة من الغياب كتبت مقالاً صحافياً، أعقبته بخطاب وجهته لفخامتك، نشرت الاثنين «المقال والخطاب» وقتها في صحيفة «الوقت» البحرينية.

اليوم والألم يعتصرني كما هو يعتصر كل محب لسورية، أجد أن ما كتبته في ذلك الوقت يعبر عن البعض من الأسباب التي أعتقد بأنها جعلت سورية تعيش حالة الرفض الشعبي المتصاعدة. ليس كما يقول إعلامكم وكعادة الأنظمة العربية، تفسر تمرد شعوبها على سياساتها ومطالبتها بحقوقها في الحرية وعدم استئثار العائلة والانتهازيين المحيطين بها بالسلطة والمنافع، ومطالباتها العادلة بوقف النهب للثروات ووقف جميع أشكال الفساد من سرقات وإهدار للمال العام، تفسر كل ذلك بالمؤامرة الخارجية.

فهل المؤامرات الخارجية التي تتعرض لها سورية وعلى وجه الخصوص «المؤامرة الأميركية والصهيونية» هي التي أحدثت فساد الحكم في سورية وتسلط عائلة وطائفة؟ فإذا كان ذلك؛ فهذا يعني أن المؤامرة قد نجحت! هل تلك المؤامرة تستدعي القمع الدموي للناس؟ هل تلك المؤامرة أوعزت للنظام اعتقال أصحاب الرأي وسجنهم وتعذيبهم؟ هل مواجهة تلك المؤامرة تعني قتل الآلاف من المواطنين؟ لماذا انتظرتم يا سيادة الرئيس حدوث كل هذا الظلم والتسلط وهذا الإرهاب ضد الشعب السوري، بل وقتل الآلاف منه حتى تتحدثوا عن الإصلاح؟ نعم هناك مؤامرة كي تبقى الشعوب العربية رهينة الظلم والفساد والتفتت؛ حتى لا تبقى قوية موحدة تستطيع من خلال قوتها ووحدتها مواجهة أعدائها.

نعم، هناك مصالح لقوى عالمية وقوى إقليمية، لكن الأنظمة هي التي تمهد وتبسط الطريق أمام هذه القوى لتحقيق أجندتها عبر القول إن مشاكلها الداخلية مع شعوبها هو مؤامرة خارجية، بدل أن تقر بوجود المشاكل والبحث المشترك مع شعوبها لحل هذه المشاكل، بدل الدخول في حالة عداء مع شعبها أو مع مكون أساسي من مكونات شعبها، وعبر تحريض مكون من مكونات الشعب على مكون آخر.

نعم، في ظل الهبة الشعبية للمطالبة بالحقوق اختلطت الأوراق وظهر مجرمون يعيثون فساداً في سورية من قتل وحرق وهدم، لكن يجب عدم الخلط بين من يجرمون بحق وطنهم مع من يطالب بالحقوق المشروعة وبالعزة للشعب التي هي عزة لسورية. إن المواطن العربي يشك في أن المجرمين هم صنيعة أجهزة الأمن تستخدمهم تلك الأجهزة حين تشاء لتشويه صورة المطالب الشعبية. يقتلون القتيل ويسيرون في جنازته هذا هو ديدنهم.

الإصلاح يا سيادة الرئيس ليس بالقتل والاعتقال وليس باستشارة عناصر الفساد المتغلغلة في النظام. إذا أردت يا سيادة الرئيس الإصلاح فعليك البدء بالبحث عمن يصارحك الرأي بجرأة وشفافية وإن آلمك رأيه، أما الحزبيون الذين تربوا في ظل الفساد والمحسوبية، الذين وصلوا إلى مواقع القرار والمسئولية على أساس العائلة والطائفة والحزب وباتوا هم المستفيدون من حالة الفساد، هؤلاء لا يمكن أن يكونوا موضع استشارة لإصلاح ما، لأن الإصلاح ليس في صالحهم، بل هو ضد مصالحهم.

إن الأمن الوطني يا سيادة لا يُبنى بأجهزة مخابرات متخصصة في قمع الناس، الأمن الوطني لا يتحقق بوجود مبنى للمخابرات بين المبنى والمبنى. كتبت لك في خطابي السابق قبل أكثر من عامين: «منذ قرابة أربعة عقود حتى الآن، الصورة الغالبة التي ظلت قائمة في سورية، توحي بأنها ثكنة عسكرية في مجملها. للوهلة الأولى يتأكد الزائر لها أنها محكومة بالحديد والنار، الفساد الذي يسيء إلى سورية وموقعها يراه الزائر لها رؤى العين ولا يحتاج إلى بحثٍ وتقصٍ».

الأمن يا سيادة الرئيس يتحقق بقناعة الناس بالدفاع عن النظام الذي يحقق لهم المواطنة الحقة. عليك أن تسأل نفسك: لماذا يتظاهر الناس ضد النظام؟ لماذا يرفعون شعارات بإسقاط النظام؟ هل هؤلاء الناس متآمرون ضد وطنهم؟ فمهما كان عددهم، ومهما كان حجمهم، وأيا كان عرقهم وانتماؤهم، عليك أن تسأل وتسأل وتكرر السؤال: لماذا؟ هل هم على حق؟ عليك أن تحاورهم، حوارك يجب أن يكون شفافاً وذا مصداقية. كفانا، فكفوا عن نظرية المؤامرة واتهام الخارج وابحثوا عن الأجندة الوطنية التي تضمن حرية الناس وحق الناس، ذلك هو الحماية من المؤامرة والأجندة الخارجية، في حال وجود تلك المؤامرة والأجندة الخارجية.

بالتأكيد أن هناك من القوى من يتربص للقفز على السلطة مستغلاً حالة التململ الشعبي الناتج عن حالة الفساد والظلم وانعدام الحريات. بالتأكيد أن هذه القوى فيما لو وصلت للسلطة لن تكون سوى وجه آخر لعملة فاسدة. لكن قطع الطريق على هذه القوى لن يتأتى بالقهر والقمع، بل الحل في مواجهتها يكمن بإعطاء الشعب السوري حقوقه المشروعة في ظل حالة من الحرية.

فخامة الرئيس: لاتدع الرصاص والاعتقال والتعذيب هو عنوان للإصلاح الذي ينادي به شعبك، وتقر أنت بحاجة سورية إليه.

كفوا وكفوا ثم كفوا عن القول والتبرير والاتهام: المندسون، الخونة، العملاء، إسرائيل، أميركا، الغرب... لقد ملت الشعوب العربية هذه الاسطوانة المشروخة، فإذا كان هناك ثمة نفر يمكن أن يكونوا مندسين أو خونة أو عملاء، فذلك لا يعني أن الشعب برمته خائن ومندس وعميل؛ فما دمنا نقر بأن هناك حقوقاً ومطالب مشروعة للشعب فعلى الحكم أن يلبي تلك الحقوق وتلك المطالب، في ذلك فقط وفقط عزل لأي خائن وعميل ومندس، أما خلاف ذلك فهو الأرضية الخصبة لنجاح الخونة والعملاء والمندسين ونجاح لأميركا وإسرائيل إن وجدوا.

كان الله في عونك فخامة الرئيس، فالإصلاح المطلوب هو بحجم الفساد والفاسدين، وهو وهم في بيتك وليس في بيت الآخرين.

أعيد بعض ما كتبته في خطابي السابق لك قبل أكثر من عامين: «نقدر لسورية مواقفها من المقاومة في لبنان، نقدر لها موقفها من المقاومة الفلسطينية. لكن، إذا كان لنا أن نثني على ما نراه إيجابياً في سورية، فإن من حق سورية علينا أن نقول لها ما نراه سلبياً فيها ويُسيء إليها ويجعلها في حالة ضعف في الكثير من الجوانب، كل ذلك نابع من حبنا لها وحرصنا عليها».

نتمنى الأمن والأمان والازدهار لسورية وشعبها.

ودمتم

إقرأ أيضا لـ "شوقي العلوي"

العدد 3186 - السبت 28 مايو 2011م الموافق 25 جمادى الآخرة 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً