العدد 3231 - الثلثاء 12 يوليو 2011م الموافق 10 شعبان 1432هـ

«الوفاق» والمسئولية الوطنية

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

دون الحاجة للدخول في التفاصيل، وبعيداً عن الخوض في المسببات، ونكء الجروح، ونكتفي، عوضاً عن ذلك، بالانطلاق من النتائج التي آلت إليها نقاشات المحور السياسي في «حوار التوافق الوطني»، عندما وردت في مداخلات أحد المشاركين، إساءة مقصودة، وغير مقبولة للطائفة الشيعية، الأمر الذي «أرغم» جمعية الوفاق على إعلان مقاطعتها للجلسة، وانسحابها من المشاركة في «الحوار». بالطبع لم تعلن الوفاق مقاطعتها الشاملة، الكلية رسمياً، واكتفت حتى الآن بالانسحاب من تلك الجلسة فحسب.

أمام هذه الحالة التي ولدها الانسحاب «الوفاقي»، لابد من التأكيد على مجموعة من القضايا ذات العلاقة بالحوار وآداب الحوار.

القضية الأولى، يشترط أدب الحوار على المشاركين فيه، عدم التلفظ بما يمكن أن يساء فهمه، دع عنك استخدام التعابير الصريحة القذف، التي تستفز المشاعر، والتي تولد الضغينة بين المتحاورين، دون أن يكون لها أية إضافة «حوارية» تبرر استخدامها. الخدمة الوحيدة التي يقدمها مثل هذا السلوك غير المتوافق مع آداب الحوار، هي تسميم الأجواء، وتأجيج العواطف ضد بعضها البعض، وبالتالي جر طاولة الحوار نحو منعطفات متشنجة، تجرده من أهدافه، وتفقده قيمته السياسية. بل، وما هو أسوأ من ذلك كله، تنجح، بوعي أو بدون وعي من صاحبها، في زرع الأحقاد، ونشر الشكوك، بدلا من الوئام والسلام بين الأطراف المتحاورة، مما يضع صاحب السلوك، فردياً كان أم مؤسساتياً منظماً، في مصاف لا يريد أن يرى نفسه بينها. ومن هنا فليس هناك من مجال لتجاوز الحالة السلبية التي ولدها استخدام مفردات غير مقبولة، قادت، بقصد أو بدون قصد، إلى دفع «الوفاق» إلى الانسحاب. بالمقابل لا يعطي ذلك الوفاق المبرر لانسحابها، مجرد استخدام تعبير غير لائق.

القضية الثانية، تتعاظم مسئولية المشاركين في الحوار، ومن يسعى إلى الوصول إلى توافق بشأن الأمور المختلف حولها فيه، طردياً مع مساحة الحيز السياسي الذي يشغله كل طرف من الأطراف المختلفة. فكلما اتسع نطاق الحضور الجماهيري، ومن ثم الثقل السياسي الذي يتمتع به ذلك الطرف، كلما كبرت معه مسئوليته المباشرة، وغير المباشرة، في إنجاح الحوار، وإزالة العقبات من الطريق الذي يسلكه، أو إفشاله، ومن ثم زرع الشوك في طريق من يسلكه. ومن هنا فبقدر ما تبيح الإساءة لجمعية الوفاق الحق في الانسحاب، بقدر ما يحول مستوى المسئولية الملقاة على عاتق الوفاق دون انسحابها، ويلزمها بالبقاء، حرصاً على إنجاح الحوار، طالما قررت الاشتراك فيه، رغم التحفظات التي أبدتها بشأنه.

القضية الثالثة التي ندعو «الوفاق» إلى التوقف عندها، هي أن ترى وبعين المسئولية الوطنية السيناريوهات المحتملة، فيما لو أصرت هي، على التمسك بقرار الانسحاب، ورفضت العودة إلى طاولات الحوار. حينها ستضع «الوفاق» الحوار، وهي أحد الفرق الأساسية العاملة فيه، أمام مجموعة من السيناريوهات، ومن أهمها وأكثرها احتمالاً هي:

1. جمود الحوار، عندما تصر الوفاق على موقفها غير المشارك، ويرى الآخرون، شاؤوا أم أبوا أن عليهم الانقطاع عن مواصلة جلسات الحوار. يصبح عدم الاستمرار هنا وبدون «الوفاق» نوعاً من الاستجابة القسرية، لواقع مفاجئ، التي لا يمكن أن تقود إلى النهايات التي يعمل من أجلها الجميع. شلل الحوار هذا، يعني فيما يعنيه، العودة إلى المربع الأول، أو نقطة الصفر. ومن ثم تتبخر كل الجهود التي بذلت، من أجل انتشال البحرين من الأزمة السياسية، ومستتبعاتها الاجتماعية والاقتصادية المتولدة عنها. وتضع الجميع أمام حائط ليس في استطاعة أي منهم القفز من فوقه.

2. استمرار الحوار، دون مشاركة «الوفاق»، عندما يصر الآخرون على مواصلة أعمالهم، غير مبالين بشغر مقاعد الوفاق. حينها يعرج الحوار، ويتكئ على قدم واحدة فقط، فتأتي نتائجه معاقة، ونهاياته مشوهة، نظراً لغياب أحد مكوناته الأساسية. ينبغي أن تقرأ الوفاق لوحة الحوار بشكل صحيح وشمولي، كي تستطيع رؤية تلك القوى التي لها مصلحة مباشرة في استمرار الحوار في غياب كامل للوفاق. ليس القصد هنا تضخيم دور الوفاق، بقدر ما هو تشخيص طبيعة الدور الذي تمارسه.

3. انقسام داخلي في صفوف «الوفاق» بين مطالب بالعودة إلى طاولة الحوار، والمشاركة فيه، وآخر يصر على المقاطعة والعزوف عن حضور جلساته. حينها تنتقل معركة الوفاق من ساحاتها الخارجية، إلى مواقعها الداخلية. وتجد الوفاق نفسها بدلاً من معالجة صراعاتها الخارجية، تلتفت نحو الداخل، لرأب الصدع المفاجئ، من أجل إنقاذ الجسم الوفاقي والخروج به معافى، دون حتى أية جروح سطحية، لكونها مؤذية جداً في هذه المرحلة.

أمام كل ذلك، من الطبيعي أن تكون الخيارات أمام الوفاق شبه محدودة، وجميعها تقود نحو خيار استراتيجي واحد تفرضه مسئولية الوفاق التاريخية، على المستويين «الوطني» و»الطائفي»، وليس هناك أي تناقض بينهما أمام مثل تلك الحالة التي نتحدث عنها، وهو عودة الوفاق، انطلاقاً من تلك المسئولية، إلى طاولة الحوار.

لاشك أن الخيار في غاية الصعوبة، ويطالب الوفاق بأن تعض على الجراح بالنواجذ، وأن تلعق تلك الجراح في صمت وألم، من أجل هدف وطني واحد، هو المساهمة بعيداً عن أي تعصب طائفي، أو تخندق مذهبي، ومن منطلقات وطنية صرفة، مصرة على إنجاح الحوار، الذي لا يمكن أن يحقق أهدافه كاملة في حال مقاطعة الوفاق له

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 3231 - الثلثاء 12 يوليو 2011م الموافق 10 شعبان 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 33 | 3:40 م

      الالتزام بآداب الحوار واحترام المعتقدات والمذاهب مهمة جدا لاجتياز الحوار بنجاح حتى لو كان جزئي وليس كلي .... ام محمود

      يعني حتى لو لم ينجح الحوار بنسبة 100% أو 90% حتى سبعين بالمئة بنكون راضين عنها إذا استمر في اجواء منسجمة وتوصل المشاركين للحلول للكثير من الملفات المتراكمة والمعقدة .. ليس هناك داعي للعصبية والنرفزة خلكم كول على قولة الكاتب قاسم حسين خاصة في هذه المرحلة الحساسة التي تمر على المنطقة بكاملها وليس البحرين فقط
      أنا وحده عندما أسمع كلمة (روافض مجنسون) أفطس من الضحك واعتبرها نكتة
      يا وفاق نعلم ان عندكم الثقة بالنفس وهذا يكفي لقطع الطريق على أي انسان لا يتحمل مسئوليه تصرفاته ويفتقد للباقة

    • زائر 32 | 3:18 م

      مسئولية الوفـــــــــــــاق الوطنية والتاريخية تحتم عليها الاستمرار في الحــــــوار الذي ستكون نتائجة مصــــــــــيرية للجميع.......... ام محمود

      أختلف بشكل جذري مع تعليق مواطن مستضعف فالوفاق هي عمـــــــــلاقة الكلمة والموقف وستظل هكذا للأبد وهي ليست مترنحة بالعكس هي صلبة جدا وقوية أقوى من الجبال لذا اعتقد ان كان البعض استطاع اقصاءها وابعادها عن مجلس النواب ومضايقتها فانهم لن يستطيعوا ارغامها على الانسحاب من الحوار وهي المعروفة بالذكاء والفطنة
      هذا أول امتحان لها ويجب أن تجتازه بنجاح وتفوق لأن الصعوبات القادمة وعرة جدا
      هل رأيت طالب في المدرسة ينسحب من أول رسوب في مادة واحدة
      لننسى الجراح وعلى قولة السنيوره
      يجب التعالي على الجراح

    • زائر 27 | 5:48 ص

      الوفاق حقيقة

      الوفاق تمثل طيف كبير من المجتمع المتواج على هذه الأرض منذر القدم و لا يمكن إنكاره ومن يحاول التعرض لهذا الطيف فإنه يكابر الخالق عز وجل الذي أعطى لهذا الطيف الحياة على هذه الأرض والحقد لا يمكن أن يحذف واقع موجود. لذلك أقول
      أن محاولة البعض إقصاء هذه الطائفة صعب عليهم كما حدث ذلك في التاريخ والأفضل لهم التعايش معهم
      ولا سبيل غير ذلك لأن سياسة الإلغاء تخلق متاعب
      لصاحبها هكذا خلق الناس مختلفين في الفكر والمعتقد
      ولو شاء الله لأهلك كل من خالفه ولكن حكمته اقتضت
      البقاء للجميع والحساب هناك

    • زائر 26 | 5:46 ص

      الوفاق أنسحبت لعدم جدوى الحوار

      السبب الرئيسي لإنسحاب الوفاق هو عدم جدوى الحوار و الآلية الغير مجدية لإدارة الحوار. أما عن الألفاظ المسيئة فالوفاق تنئى بنفسها عن الدخول في هذه المواضيع لأصحاب العقول الضيقة.

    • زائر 22 | 4:37 ص

      الوفاق ووضعها الصعب

      رغم مكانة الوفاق محليا وعالميا ولكن هناك من يحاول النيل منها في كل مكان وفي كل موقع ولمعرفة السياسين بموقع الوفاق ومكانتها فإنهم يحاولون دائما التعرف على وجهة نظرها لما تمثله من رأي غالبية الشارع الشيعي

    • مواطن مستضعف | 4:32 ص

      الوفاق!! العملاق الورقي

      بإختصار: الوفاق بسياستها المرنّحة هذه خسرت الشارع قبل أن تخسر الحكومة!!
      ما عاد للوفاق ذاك الثقل في المعادلة البحرينية.

    • زائر 20 | 4:06 ص

      عبد علي البصري (وجهة نظري الخاصه)

      يجب تكليم الناس بلغتهم وبمنهجهم ، فعنوان المقال يجب ان يكون((الوفاق والمسئوليه الاسلاميه)) قبل ان يقال وطنيه ؟؟ فالوطنيه تنتمي الى الاسلاميه في كل الظروف والعكس غير صحيح عندما اضحي بوطني ونفسي من اجل ديني .
      الاخ الكاتب العزيز : ما جزاء من تلفظ بهذه الالفاظ؟

    • زائر 19 | 3:38 ص

      سلمت يدك اخي عبيدلي

      سلمت يدك اخي عبيدلي على التحليل المنطقي فعلا تبقى الوفاق لاعب اساسي في الحوار مها ارتعت اصوات النشاز من هنا وهناك وتقول ان الحوار لا يحتاج لتواجد الوفاق فيه تلك الاصوات التي لم تهدئ من فبراير إلى الان تطعن في الاخرين باسم الوطنية وهم بعدين كل البعد عن الوطنية فالوطنية هي تقريب القلوب و رأب الصدع والتسمك بالوحدة الوطنية ، كما أكد على الوفاق ضروي الابتعاد عن الشارع في أتخاذ اي قرار فالمشاركة في الحوار افضل من الانسحاب وضياع الفرصة فالشارع غاية لا تدرك ياوفاق

    • زائر 18 | 3:27 ص

      مع احترام !!!

      مع احترامي الى رئيس الحوار حيث ان الرئيس يعرف عضو البرلمان الشيخ جاسم السعيدي من يوم ما وصل الى قبة البرلمان وهو يتهجم على اكبر طائفة ومكون من مكونات البحرين الحبيبة الا ان الشيخ جاسم كل مرة يذهب فيها الى اي موقع يعمل مشكلة مع احترامي لة .. الكل سمع وشاهد ما جرى في شركة بابكو .. والكل سمع وشاهد ما جري في مجلس الشورى وها هو بالامس يتهجم على الطائفة .........

    • زائر 17 | 3:24 ص

      وفاق

      انا اقول للوفاق لاتعطونهم الي يبونه بانسحابكم ترى هالجماعه اخر همهم التلاحم الوطني همهم الوحيد انهم يكونون الكل في الكل نصيحه خلكم اذكى وفهمو اللعبه

    • زائر 16 | 3:00 ص

      اتمنى النشر

      يا استاذ عبيدلي مع الاحترام الشديد ، ولكنك من بداية المقال حتى نهايته أتمنى لو تعد كم مرة ذكرت فيها أسم الوفاق، في الوقت الذي تغاضيت بكل سهولة عن التعديات التي قام بها السعيدي وأشرت له ببضع كلمات لذر الرماد في العيون،، حتى عندما تتعرض الوفاق للهجوم تحاسبونها وتتركون من أخطأ في حقها؟؟
      يا عجبي

    • زائر 15 | 2:51 ص

      فخ

      .......نرجو من الوفاق التريث والصبر على الاستفزاز المقصود والمخطط له سلفا، بقصد الإيقاع بالوفاق وانسحاب الوفاق هو هدف يسعون إليه فلا تقعوا في الفخ وتحققوا مراميهم. والشعب عارف أهدافكم النبيلة وسيقف معكم يغظ النضر عن النتائج .واعتقد وجود استراتيجية للحور اتخذتها الوفاق فالا تجعلوا شخص يحرفكم عن الهدف .

    • زائر 14 | 2:31 ص

      بث الفرقة

      من يبث الفرقة لايصلح ان يكون ممثلا للشعب كما يتشدق به.وعلى مجلس النواب اتخاذ ما يلزم.كما لابد من مناقشة رفع دعوى قضائية ...........

    • زائر 13 | 2:30 ص

      أنسحاب الوفاق من جلسة الحوار

      أنسحاب الوفاق من جلسة الحوار هو خطوة ضرورية لان تصريح النائب بالالفاض البديئة ليس بريئاً ولكنه منظم وهادف لحرف مواضيع الحوار والتمكن من أحد أثنين
      1) أدلال من أستهدفهم من مبدأ قهر المقهور
      2) أو أشاعة الفتنة الطائفية وهو الحل الوحيد لحرف أنظار العالم عن القضية الاساس وتحويلها الى قضية طائفية كما صورها بعض المسئوليين
      فنقول للوفاقيين شكراً لكم

    • زائر 9 | 1:01 ص

      الواقع الذي نعيشه

      قوي سياسية لعبة دور بارز في مملكتنا الحبيبة من أجل تحقيق مصالحها الضيقة في زرع الطائفية (سني وشيعي) واستبدال ثقافة المواطنة بثقافة الانتماء المذهبي والقبلي من أجل إبعاد قيام الدولة المدنية العصرية.

    • زائر 5 | 12:09 ص

      الهدف!

      هو بمثابة إختبار للوفاق و شجاعتها على أن تترفه عن زلات البعض و لا تضعف, و أن تتفهم أن الأحساسيس و المشاعر سوف تكون متولدة من جميع الأطراف بعد ما قد حصل, فالفترة ليست ببعيدة. هذه فرصتها أن تكون مثالا" و التركيز على أهداف أسمى أساسها الوحدة الوطنية, بدل أن تضعف أمام عتبات يمكنها تجاوزها.

    • زائر 1 | 11:05 م

      الوفاق

      الوفاق قدمت الانسحاب الى الامانة العامة للجمعية قبل موضوع لتلفظ .والتلفظ زاد الطين بله .

اقرأ ايضاً