العدد 3231 - الثلثاء 12 يوليو 2011م الموافق 10 شعبان 1432هـ

النـصف وريادتُه الشعـرية في الأدب الكُويتي الحديث

فريد أمعضشـو comments [at] alwasatnews.com

.

من الأسماء التي كان لها إسهامٌ كبير في إقامة صرْح النهضة الثقافية في الكويت مبكراً، وفي التأسيس لقصيدتها الحديثة، عبداللطيف إبراهيم آل نصف رحمه الله. وعلى رغم ذلك، فإنّا لا نكاد نعرف عنه وعن مساره الأدبي، عُموماً، شيئاً يُذكر؛ لقلة الكتابات حوله أساساً. ومن هذا المنطلق، ارتأيتُ أن أخُصَّه بهذه الأسطر المعدودات أملاً في أن أعرِّف القارئ الكريم به، ولاسيما غير الكويتي.

وُلد الشاعر في الكويت العام 1906، ودرس بالكُتاب الذي حفظ فيه أجزاء من القرآن الكريم وبعض المُتون، وتعلم مبادئ القراءة والكتابة والحساب، وذلك قبل التحاقه بالمدارس النظامية التي تدرّج في فصولها إلى أنْ تخَرَّج منها بعد سنين من الجدّ والمُثابرة، ليُقرِّر الهجرة، العام 1935، إلى الأحْساء حيثُ عمل مدة أربع سنواتٍ، ثم رجع إلى بلده، فتقلّد عدة وظائف حُكومية، ولاسيما في وزراة الخارجية غداة استقلال الكويت. ويبدو أن الاشتغال في السياسة لم يَرُق شاعرَنا؛ ما جعله يبادرُ بطلب إحالته على التقاعُد قبل حُلول سنّ تقاعده، فاسْتُجيبَ لطلبه، ليُلازم بيته، ويتفرّغ لأشغاله متحرِّراً من أتعاب الوَزارة ومسئولياتها، ويبتعد عن دائرة الأضواء مُكِبّاً على المطالعة والكتابة، إلى أنْ وافتْه المنية العام 1971.

ويعد عبداللطيف النصف من أقطاب الأدب الكويتي في زمانه، ومن بُناة النهضة الثقافية في وطنه ورُوّادها. وتتجلى ريادته هذه، في نظر خليفة الوقيّان، في ثلاثة أمور؛ أولُها سبْقه في مجال كتابة الشعر القومي بدءاً من مطلع عشرينيات القرن الماضي (ومن نصوصه في هذا الإطار ميميتُه المُهْداة إلى «أسد الريف»؛ محمد عبدالكريم الخطابي، والتي نَظَمَها العام 1923)، وثانيها إسهامُه في التأسيس للقصيدة الحديثة في الكويت وتطويرها لغةً وبناءً وموضعات، على رغم محافظته على نظامها الموسيقي والشكلي المتوارَث منذ القِدَم، والذي يلتزم بأصول العَروض الخليلي المعروفة. وثالثُ مظاهر تلك الريادة دعوتُه المبكِّرة إلى الإصلاح والتجديد الفكري والديني بعدما تفطّن إلى خطر الجمود والانغلاق والاستمرار في اقتفاء أثر القدماء حذوَ النعل بالنعل في كل شيء، دون التفاتٍ إلى ما يشهدُه التاريخُ والحياة من تطورات وتحولات عميقة في شتى الميادين.

وبالنظر إلى مكانة الشاعر المُومَإ إليها، وإسهامه الفاعل في نهضة الكويت ثقافياً وأدبياً، وريادته للقصيدة الكويتية في الجيل السابق، فقد كان النصف، وتجربته في الأدب شعرِه ونثرِه، محورَ عددٍ من الأبحاث والدراسات، أهمّها ثلاثٌ؛ إحداها للوقيان، والأخْريان للشيخ عبدالعزيز الرشيد وخالد سعود الزيد.

إن المصدرَ الأساسَ الذي حفظ لنا شعرَ النصف هو كتاب «تاريخ الكويت» لمعاصره عبدالعزيز الرشيد؛ مؤرِّخ الكويت، الذي توفي العام 1938. وقد انطوى هذا المصنَّف على تسع قصائد تَعدادُ أبياتها، مُجتمعةً، سبعة وأربعون ومئة بيت، وأغلبُها منظوم في مناسبات معيّنة، وهذه النصوص هي: اعتذارية للشيخ عبدالله السالم، وتحية الشنقيطي، وإلى أسد الريف، واستصراخ الأموات، وتهنئة طالب النقيب، ومرثية الألوسي، وثناء على شملان، وصَدى الفراق، وتقريظ كتاب الرشيد. والواقعُ أن كتاب «تاريخ الكويت»، بحُكم الغاية من تأليفه، قدِ اقتصر على تجميع ما تيسَّر لمؤلِّفه جمْعه من أشعار النصف، مع التقديم لها، وإرْفاقها بعباراتٍ دالة على مدى إعجابه بالشاعر، وتقديره لمُنْتَجه الشعري. ويعتمد كثيرٌ من النقاد، في دراسة تجربة النصف الشعرية والفكرية، على ما أوْرَده الرشيد في كتابه ذاك، الصادر العام 1926، والذي يعد، بحسب عباس الخصوصي، مصدراً أساساً، ومرجعاً مهمّاً في دراسة تاريخ الكويت، وتتبُّع مراحل تطور الثقافة فيها، وتعرُّف إسهام الكويتيين في مجالات عديدة. ومن المصادر الأخرى التي عرَّجت على تجربة النصف الإبداعية والأدبية، وأشادت بأهميتها وخُصوصيتها، ونوّهت إلى دور صاحبها الريادي وموهبته، كتابُ خالد سعود الزيد الموسوم بـ»أدباء الكويت في قرنيْن» (1967). والدراسة الثالثةُ في هذا الإطار هي تلك التي نشرها خليفة الوقيان، أواسطَ السبعينيات، حول القضية القومية في الشعر الكويتي، والتي أبرزت، بتفصيل، جهودَ الشاعر في خدمة القضايا العربية ومناصَرَتها بإبداعه، ومُشاطرة أبناء أمته أحزانَهم وأتراحهم معاً. وقد أدْرَج الناقد، في دراسته، الشاعرَ عبداللطيف النصف في خانة ضمّت شاعرين آخَرَيْن يجمعهم جميعاً المكانُ والزمان وتقارُب طريقة النظم وأسلوب التعبير، وإنْ كانت أعمارُهم ودرجة ذيوع أشعارهم متفاوتة. وهذان الشاعران هما عبدالمحسن الرشيد الذي وُلد العام 1928، ونظم شعراً يمتاز بسلاسة الصوغ، ومتانة السّبْك، وعُمق الفكرة، وفهْد العسْكر الذي نال من الشهرة حظاً جعله يطغى على زميليْه النصف والرشيد

إقرأ أيضا لـ "فريد أمعضشـو"

العدد 3231 - الثلثاء 12 يوليو 2011م الموافق 10 شعبان 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً