العدد 3247 - الخميس 28 يوليو 2011م الموافق 27 شعبان 1432هـ

الإعلام المصري يخشى تبدد مكتسباته بسبب الحكم العسكري

أمضى حافظ الميرازي أسابيع في التحضير لبرنامجه الحواري الجديد على التلفزيون المصري الحكومي. لكن قبل أسبوع واحد من الموعد المقرر لبث برنامجه أمر أحد كبار ضباط الجيش بوقفه. وأخطر الميرازي بأن شكل البرنامج ينتهك قواعد تقضي باستضافة أكثر من شخص. وهو تفسير اعتبره الصحافي المخضرم ذريعة لإبعاده عن شاشات التلفزيون المملوك للدولة.

وقال الميرازي «الأمر لا يتعلق ببرنامجي» وعبر عن قلقه الشديد من أن هذه الواقعة ذريعة شائعة لترويع الإعلام. ويعتقد الميرازي الذي اشتهر ببرامجه الحوارية ولقاءاته الصحافية على قناتي «الجزيرة» و «العربية» الفضائيتين أن ضباط المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذين يحكمون مصر منذ الإطاحة بالرئيس السابق حسني مبارك غاضبون من انتقاده العلني لإدارتهم للإعلام.

وكسرت ثورة يناير المصرية حاجز الخوف الذي أجبر الصحافيين من قبل على مواءمة تغطيتهم لشئون الدولة وتجنب انتقاد رئيس الدولة. وكان من يخالفون ذلك إما يتم إبعادهم أو فصلهم أو سجنهم في بعض الأحيان. وتعرض البرامج الإخبارية على القنوات التلفزيونية الخاصة والقنوات الحكومية الاحتجاجات على الحكومة والمجلس العسكري الحاكم.

وأصبحت الإشادة بالوزراء نادرة بل وحلت محلها شكوك وأحياناً انتقادات لكبار المسئولين الذين ينظر إلى أدائهم وموهبتهم باعتبارها أقل من المطلوب. لكن المطالبين بحرية الصحافة يقولون إن هذه المكاسب تتعرض لتهديد من جانب المؤسسة العسكرية المعادية بطبعها لأي معارضة داخل الصفوف. ووثقت الجماعات الحقوقية أكثر من عشر حالات لمضايقات تعرض لها الصحافيون والمدونون بسبب أخبار أو مقالات رأي تنتقد المجلس العسكري. فقد استدعي حسام الحملاوي أحد أشهر المدونين والنشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي في مصر للتحقيق معه أمام النيابة العسكرية في أعقاب ظهور له على شاشة التلفزيون الحكومي اتهم فيه الشرطة العسكرية بإساءة معاملة المحتجين.

واستجوبت مقدمة البرامج، ريم ماجد كشاهدة على تصريحات الحملاوي. وفي يونيو/ حزيران الماضي استجوبت النيابة العسكرية اثنين من الصحافيين بصحيفة «الوفد» بسبب إشارة في تقرير نشر يوم 26 مايو/ أيار إلى صفقة محتملة تتعلق بالانتخابات بين الجيش وجماعة الإخوان المسلمين الجماعة المعارضة الأكثر تنظيماً في مصر.

لكن القضية الأخطر كانت المتعلقة بالمدون، مايكل نبيل الذي قال في مقال بعنوان «الجيش والشعب عمرهم ما كانوا إيد واحدة» نشرها على مدونته في مارس/ آذار الماضي وقال فيها إن الجيش حاول تعطيل الانتفاضة ضد مبارك. وبعد شهر صدر حكم بالسجن ثلاث سنوات على نبيل (26 عاماً) الناشط في الاحتجاجات المناهضة لمبارك. وقال المدير التنفيذي للشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، جمال عيد «كان هذا حكماً كارثياً» فتكرار استدعاء الصحافيين يشيع حالة من الخوف بين الصحافيين تدفعهم لممارسة «الرقابة الذاتية».

وقال محامي الدفاع عن نبيل، علي عاطف إن موكله حوكم أمام محكمة عسكرية وصدر الحكم بعد إبلاغ المحامي وأسرة موكله بأن الجلسة تأجلت.

ونقلت لجنة حماية الصحافيين ومقرها نيويورك عن عاطف قوله «محاكمة موكلي وهو مدني أمام محكمة عسكرية أمر سيء في حد ذاته... يضاف إليه أن المحكمة تنتهك حقه في محاكمة عادلة». ويحدد المجلس العسكري ما يمكن وما لا يمكن للإعلام تغطيته. فارسل الجيش توجيهات إلى رؤساء الصحف القومية يطالبهم فيها بعدم «نشر أية (موضوعات أو أخبار أو تصريحات أو شكاوى أو إعلانات أو صور) تخص القوات المسلحة أو قادة القوات المسلحة إلا بعد مراجعة إدارة الشئون المعنوية وإدارة المخابرات الحربية والاستطلاع حيث أنها الجهات المختصة بمراجعة مثل هذه الموضوعات حفاظاً على أمن وسلامة الوطن».

وفي مايو/ أيار أجبر الصحافي البارز، يسري فودة على إلغاء حلقة من برنامجه الحواري (آخر كلام) على قناة «أون تي.في» الخاصة كان من المفترض أن يستضيف فيها أحد كبار ضباط الجيش. وطلبت إدارة الشئون المعنوية نسخة مسبقة من الأسئلة.

وتقول المنظمات المدافعة عن حقوق الإنسان إن ما زاد الأمر سوءاً إعادة وزارة الإعلام التي كانت رمزاً للرقابة الرسمية في عهد مبارك للعمل في خطوة أدانتها لجنة حماية الصحافيين باعتبارها «انتكاسة واضحة لحرية الصحافة في مصر». لكن بعض الصحافيين يبدون تفاؤلاً أكبر بحرية الصحافة في مصر التي ظهرت فيها الصحف لأول مرة قبل أكثر من 150 عاماً. ومع سقوط مبارك تعهد الحكام العسكريون بحماية حرية التعبير وأهابوا «بكل الإعلاميين تحري الدقة والموضوعية وإتاحة الفرصة للجميع للتعبير عن آرائهم بحرية حتى يعكس الإعلام بكافة صوره نبض وتوجهات الشعب المصري بكافة طوائفه».

وتم استبدال رؤساء تحرير الصحف القومية الذين كان ينظر إليهم باعتبارهم موالين لنظام مبارك وأجبر نقيب الصحافيين على ترك منصبه. وعاد صحافيون كانوا قد اجبروا على العيش في المنفى إلى البلاد. وظهرت أكثر من ست صحف خاصة جديدة كما تظهر قناة تلفزيونية جديدة كل شهر تقريباً. ومن أبرز القنوات الجديدة «التحرير وسي.بي.سي ومصر 25».

وتتعارض التغطية النشطة للانتخابات المرتقبة مع ما حدث قبل الانتخابات البرلمانية السابقة في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي عندما أغلقت الحكومة أكثر من 12 قناة تلفزيون خاصة وساعد الإعلام الحكومي في تدعيم حزب مبارك. وعادت مقدمة البرامج المخضرمة هالة سرحان لمصر بعد ثورة 25 يناير بعد أن أمضت أربع سنوات في المنفى بسبب برنامج عن الدعارة في مصر اتهم الشرطة بالفساد. وقالت إن حرية الصحافة في مصر تحسنت كثيراً.

وأبلغت تلفزيون «رويترز» أن مصر دخلت بالتأكيد عهداً جديداً من الشفافية والوضوح والحرية بعد الثورة. وتبدو العودة إلى القيود المنهجية على حرية الإعلام التي كانت مطبقة في عهد مبارك أمراً غير وارد الآن لكن الصحافيين يقولون إن هناك حاجة ملحة لتشريعات تضمن حرية الصحافة.

وقال سكرتير عام نقابة الصحافيين السابق، يحيى قلاش إن الأمر يبدو وكأن هناك هامشاً أكبر من الحرية لكنه حتى هذا الهامش مكتسب لا تحميه قواعد أو قوانين. وأضاف أن الوقت قد حان لأن تحتل الصحافة في مصر المكانة التي تستحقها

العدد 3247 - الخميس 28 يوليو 2011م الموافق 27 شعبان 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً