العدد 3257 - الأحد 07 أغسطس 2011م الموافق 07 رمضان 1432هـ

الثقافة بين الصخب والاحتجاج

جعفر الجمري jaffar.aljamri [at] alwasatnews.com

-

محنة الثقافة العربية اليوم في أنها خارج حركة المحن والأزمات. محنتها وأزمتها الكبرى أنها في وادٍ وأزمات الأمة في وادٍ آخر. ويراد لها أن تنشأ وتراكم عزلاتها ونصها بعيداً عن تلك الأزمات.

فقط عندنا تشتغل الثقافة باعتبارها قطاعاً خاصاً بمعزل عن القطاع العام والعريض للأمة. وحتى ملامسة تلك الثقافة لمشكلات الأمة وأزماتها تكاد تكون موضعية من دون التجرؤ على التوغل في العمق ومساءلة الخلل واستجوابه عدا وضع رؤى وحلول تتناسب وطبيعة الخلل والأزمات.

هي ثقافة صخب أكثر منها ثقافة احتجاج وإن ذهبت في تأملها تراها تنزع إلى تأمل أشيائها أكثر من تأمل البشر في كون تلك الأشياء. كأن البشر عندها في كثير من الأحيان جزء من تلك الأشياء! لا شيء يدل على قدرتها على الاقتحام والمباغتة. ثقافة برسم التوقع. توقع مواقفها وردود أفعالها. هي ثقافة ردود أفعال أكثر منها ثقافة فعل.

العرب عموماً في خطابهم في كليته منقسمون بشأنه. نتحدث هنا وضمن واقع يمكن إدراك جانب منه عبر عينة شائعة من تلك الخطابات حتى في البلد الواحد إن لم يكن في المؤسسة، الجمعية، النادي الواحد. وهذا التعدد في الخطابات لا يشي بتعدد في الرؤى والحلول. إنه أسير تعدد الصياغات ولكنه يظل مرتهناً إلى الاعتقاد بها من دون مبادرات تحدّ من الخلل - على أقل تقدير - لا الحديث عن وضع نهاية أو حدّ له. ذلك تمنٍّ وفي حدوده فقط. كل الصياغات تلك على رغم تعددها تتبخر كلما أطلت محن وأزمات ومآزق جديدة برأسها. تتراكم وتتعدد الأولى بتراكم وتعدد الأخيرة. وفي التراكم والتعدد على الجانبين، لن يقدر لهذا الواقع المهترئ أن يخرج من هشاشته وسجنه المفتوح على الاحتمالات الأسوأ، والتدهور السريع ومن ثم التلاشي والاضمحلال. الاضمحلال في حركة التأثير والإضافة.

القارئ والمتتبع لتلك الخطابات وحركة الثقافة الناتجة عنها يصاب هو الآخر بالارتهان إلى العزلة. ثمة عزلات تتوالد من رحم التعدد الذي يذهب في الفراغ وفي اللاجدوى وفي عجزه عن إحداث أي تأثير في منظومة الخلل العام. ليست أزمة دلالات فيما نقرأ ولكن الأزمة فيما يمكن أن تقود إليه تلك الدلالات في فراغ معتم وأفق موصد وتآكل يطال كل شيء. ببسيط العبارة؛ لا تقود إلا إلى نفسها ارتداداً. إلى فراغها واجترارها وإعادة تركيب ما تنجز بطرق وأشكال شتى. وهذا التعدد هنا هو الآخر لا يقود إلى شيء. لا يوحي بقدرة، بقدر ما يوحي بعجز.

كل ثقافة تنشغل وتصاب بهوس الإجابات وتتغافل وتتعامى عن الأسئلة الكبرى في محيطها المليء بالأزمات والمحن هي ثقافة تداول للمعاني لا أكثر ولا أقل؛ فيما المعاني غائبة في كل مفصل من مفاصل وجودها.

مجتمع تنتج عنه تلك الثقافة بكل لا مبالاتها وأيضاً غيابها لا يمكن إلا أن تكون مشروعاًَ للتخلف أكثر منها مشروعاً للنهضة. إذ لا يمكن لنهضة أن تبرز أو تقوم في ظل إحكام من الشلل عليها وانكفاء وقصر نظر وإعادة إنتاج السياقات ذاتها التي تجد فيها موضوعات نظرها ورؤيتها لفهم العالم من حولها وهو فهم بالمناسبة لا فهم فيه

إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"

العدد 3257 - الأحد 07 أغسطس 2011م الموافق 07 رمضان 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 4 | 10:53 ص

      احسنت

      احسنت استاذ جعفر هذا هو واقع المثقف اليوم

    • زائر 3 | 7:05 ص

      نعم نعم

      صحيح كلامك

    • زائر 2 | 3:10 ص

      ثقافة السلب - مواطن مغترب

      المتتبع للخطاب الثقافي المرحلي وما تزخر به مجلاتنا التخصصية ووسائلنا الاعلامية المكتوبة والمسموعة والمرئية يدرك عمق التراجع في خطاببنا الثقافي وان ذلك الخطاب ينحدر بقوة الصخرة المنحدرة من قمة جبل بحيث اضحى خطاب مثقفينا ينحدر الى ثقافة السلب المتميز بمنهجية التنظير وكيل التهم وتجريح الاخر والتطاول على خصوية الفرد والجماعة واستخدام مفردات لم تكون موجودة حتى في شعر (الفرزدق وجرير) وفي مقابل ذلك يعمد مصممي ذلك الخطاب الى تبرئة ساحتهمهم واعتبار انفسهم النخبة الواعية في مكون خطابنا الثقافي.

    • زائر 1 | 10:20 م

      خارج السياق

      ثقافتنا ومثقفينا خارج السياق الطبيعي لأنسان العصر الحديث!

اقرأ ايضاً