العدد 1338 - الجمعة 05 مايو 2006م الموافق 06 ربيع الثاني 1427هـ

المضحكي وتجربة في الصميم من الوعي بالكتابة

بين منطقة وسطى، يمكن النظر إلى تجربة الشاعر المخضرم عبدالرحمن بن شاهين المضحكي، منطقة وسطى بين الانحياز الذي لا غبار عليه إلى الشكل الشعري التقليدي/ النبطي من حيث نظاميته وشروطه وبنائيته، وأخرى تنزع بشكل واضح إلى اخراج لغة ذلك الشكل من التقليدية المحضة من حيث موضوعاته وحتى مفرداته.

يمكن ارجاع تجربة المضحكي إلى التجارب المبكرة في الشعر النبطي في المملكة، وحين صنفناه ضمن التجارب المخضرمة، لم نعن بالضرورة قِدم التجربة من حيث هي مرتبطة بالعامل الزمني أو من حيث التراكم وما يرتبط بالتأسيس لحال من التجارب الخارجة على المألوف أو التأسيس المكرّس لغة وموضوعات، وإن لم نبتعد عن ذلك المعنى، ولكن المهم في الأمر أن تجربة المضحكي عاصرت نعمة التأسيس وبروز شعراء كبار في هذا المضمار، وكان لذلك أثره الكبير في تشكيل وعيه الشعري وتعميقه، يضاف إلى ذلك أن الرجل واحد من الكفاءات التي حازت على مراتب علمية متقدمة، ما يعني أن الرجل في ذهابه إلى القصيدة ينطلق من تأسيس يضاف إلى التأسيس الأول، وهو تأسيس له تبعاته ونتائجه ووعيه في التعامل مع الكتابة من حيث هي موقف، ومع الكتابة من حيث هي رؤية ونظر إلى العالم من حوله.

بالعودة إلى ما أشرنا إليه في المقدمة بشأن المنطقة الوسطى في التجربة، ثمة أمر يجب الالتفات إليه ضمن هذه الرؤية في عديد من التجارب المحلية، تكاد تكون فيه مثل تلك المنطقة غائمة وغير واضحة المعالم، بسبب تنقل بعض التجارب - وأحيانا - قفزها على حال من التراتبية في التعاطي مع ما يتم انجازه في محاولة ربما لحرق المراحل، الأمر الذي ينتج عنه تجارب تنبئ عن حال شبيهة بحال: «لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء». فمرة في حال قفز من القصيدة النبطية في شكلها ومضمونها الصارم ومفردتها الغارقة في التقليد، إلى القصيدة الشعبية الحديثة المتجاوزة للتفعيلة والايقاع، في تخبط يذكّر بمتاهات من التجريب لن توصل إلى شيء سوى إلى مزيد من المتاهات!. فيما تجربة المضحكي وعت تمام الوعي إلى ذلك الإشكال الذي بات سمة من سمات عدد من الساحات الشعرية في منطقة الخليج التي لم تعد قصراً على الساحة هنا في مملكة البحرين. ووعي المضحكي بذلك الاشكال لا يمكن فصله عن مراحل التأسيس التي مر بها، وهو نابع من قناعته بضرورة رفد التجربة وتعزيزها بالامكانات المتاحة وتلك التي يمكن لها أن توظف في السياق نفسه للخروج بتجربة لا يشكل اكتمالها همّاً بالنسبة إليه بقدر ما تشكل المحاولات تلك الهم نفسه وفي العمق منه.

ولعل ذلك واحدا من المؤاخذات التي يمكن الوقوف عليها في تعاطي عدد من الشعراء مع تجاربهم التي تعاني من حال قريبة من الحال المرضية تكمن في (القفز) المبرر وغير المبرر أحيانا، لتأتي نتائج الكثير من تلك التجارب مهجّنة بشكل يبعث على الشفقة أكثر من الإعجاب.

في تجارب وأسماء بحرينية يمكن الوقوف عليها استدلالاً على حال نجاح القفز ذاك بتسلح كبير في الوعي استطاعت أن تقدم إلى الناس والى القراء تجارب لا تملك الا أن تحترمها، لأنها لم تنطلق من باب العبث ومن باب التجريب من أجل التجريب، من دون الاتكاء والاستناد على مقومات وقواعد ذلك القفز. أسماء مثل : فيصل الفهد، ابراهيم المقابي، عبدالله حماد، يونس سلمان، هنادي الجودر وغيرهم، فيما الأسماء التي اكتفت مقتنعة بواقع تجربتها مع محاولات مستمرة لتطويرها وتحديثها واغنائها بما لا يفصلها عن لحظتها الراهنة، بل وذهابها إلى المستقبل، تلك الأسماء تظل تحترمها وتقدرها في تفاديها لحال القفزات تلك ما ساهم مساهمة مباشرة في تراكم تجاربها تلك وتحقيقها للكثير من الميّزات والنضج. ونذكر هنا على سبيل المثال لا الحصر: لحدان بن صباح الكبيسي (الحفيد)، محمد جاعد الظفيري، لافي الظفيري، عيسى السرور، سعد الجميري، مبارك بن عمرو العماري، عبدالله خلف الدوسري، محمد البوفلاسة، عبدالرحمن الخالدي، نواف المحمود، وغيرهم، من دون أن ننسى التجارب التي ظلت منحازة إلى الشكل الحديث في القصيدة من دون الجزم بعدم قدرتها على التعاطي مع القصيدة التقليدية، وظلت وفية لذلك الشكل ومضامينه ولم تحد عنه قيد شعرة، ويبرز في هذا الصدد: بدر الدوسري، خليفة اللحدان، أحمد المطلق، أحمد درويش، سلمان الحايكي، علي عبدالله خليفة، في الكثير من قصائده، وغيرهم.

وعودا إلى تجربة المضحكي التي يمكن الاشارة إلى جانب من ملامحها بالقول: انها بقدر ما تظل منحازة إلى القصيدة في جانبها التقليدي من حيث الشكل، الا أنها لا تخفي انحيازها إلى تخليص تلك القصيدة من لغتها المزمنة والغارقة في محليتها، الأمر الذي يحول بينها وبين أكبر شريحة من القراء، سواء أولئك الذين ينتمون إلى هذا الجزء من المكان، أو أولئك الذين هم على مبعدة منه ضمن أكثر من عامل وسبب، يضاف إلى ذلك محاولات المضحكي في العمل على مضامين وإن بدت مكررة وتم استهلاكها الا انه في الكثير من قصائده يعمل على تجاوز التكرار ذاك بمعالجاته للمضامين التي يطرحها معززا ذلك بلغة سلسلة وطيّعة تنقاد اليه بكل يسر.


المضحكي... الأصالة وسط مغامرة الإبداع

جعفر الديري: ضمن الأطر التقليدية تتحرك تجربة المضحكي وهو الشاعر الذي يمكن أن نطلق عليه مع نفر من شعراء البحرين اسم المؤسسين للون شعري بسيط ذي مفردات شعرية تأخذ من التراث حظها وتحاول الخروج بشيء مختلف وهو الأمر الذي أدركه منذ وقت مبكر منذ بدأ مغامرته الشعرية.

تجربة المضحكي وعلى رغم ارتكازها على عنصري التقليد والموروث واستعارة صور وتشابيه الأقدمين إلا انها تبدو - لأنها في محيط جزيرة - تبدو على درجة كبيرة من الالتزام من خلال كتابته الشعر عن دراية فمن الطبيعي أن يكون للطقس الذي يعيشه الشاعر اثرا فيما يكتب وذلك ما يبدو جليا في أثر والدته الشاعرة بنت الجزيرة عليه اذ فتح عينيه وهي ترصد الأبيات الشعرية الجزلة. وهو الأمر الذي يدركه القارئ في كتاباته الشعرية عموما. ميزة أخرى في تجربة المضحكي وهي معرفته والمامه بالتراث البحريني ليس عن طريق القراءة فحسب - وهي الفضيلة الكبيرة التي عاش عليها الرهط الأول من شعراء الشعر الشعبي في البحرين - وانما عن طريق بحثه الدؤوب عن كل جميل في هذا التراث.

سعد الجميري: في اعتقادي أن المضحكي يمتلك قدرة لا تضاهى على نظم الشعر انه يكتب الشعر بسرعة مذهلة ولا تعوزه سرعة البديهة ولا أعتقد أن الكثيرين يمتلكون ما يمتلكه المضحكي بهذا الشأن. ان جيلي من الشعراء الشباب لا يخجل من القول أننا نقرأ المضحكي لنتعلم منه كيف نكتب الشعر ونكتسب الأساليب الشعرية الناجحة بحكم كون المضحكي شاعراً غزير الانتاج ومجيداً في انتاجه.

وكان لي شرف الاشتراك معه في فعالية شعرية بالمحرق. والحديث عن المحرق يقود بالضرورة للحديث عن المضحكي الذي يعد بحق من شعراء المحرق المتميزين. فهو يكتب الشعر الوطني والاجتماعي بشكل لا يضاهى متمسكا بأسلوبه الرصين الذي عرف به وبمجموعة من الامكانات التي يدركها ويدرك مدى امتلاكه لها.

محمد المقابي: المضحكي شاعر ذو تجربة ناضجة ذات مفردات وعبارات شعرية جزلة. وان كان المضحكي تقليدياً في ما يكتب الا أنه يمتلك ثقافة كبيرة استطاع من خلالها أن يمزج شعره بأبعاد ثقافية. الملاحظة الأخرى هي أن المضحكي يعد من ضمن الشعراء النشطاء في كتابة الشعر الشعبي. ومن الذين ينشدّ القارئ إلى كتاباتهم.

عيسى السرور: هي تجربة رصينة، وهو أستاذ فاضل وشاعر مجيد وكنت شخصيا من الشعراء الذين يقرأون له منذ وقت مبكر اذ كان ديوانه الأول من بواكير الدواوين التي قرأتها. وهو والحق يقال قد جمع بين الشعر وبين البحث الأكاديمي وهو أمر قلما يتوافر لدى الكثير من الشعراء.

هنادي الجودر: المضحكي صاحب تجربة شعرية تقليدية ولكنها ثرية في موضوعاتها. وقد جمع بين معادلة الحفاظ على أصالة المفردة البحرينية وبين إمكانات الفصحى والسبب تلك الأكاديمية التي تميز بها وذلك الموروث الذي ورثه وكان بحق ارثا مهما وهو تأثره بوالدته الشاعرة بنت القبيلة اذ كان امتدادا طبيعيا لها. إذ أعطته نشأته في هذا الجو طابعا معينا من حيث الموضوعات وطرق التعبير. ناهيك عن أن عمل المضحكي في قوة الدفاع قد تركت أثرها من حيث اهتمامه بالموضوعات الوطنية والاجتماعية وقضايا العرب والمسلمين.

إبراهيم المقابي: تعتبر تجربة المضحكي إحدى التجارب الموغلة في أصالة الشعر الشعبي. إذ تتميز بتفاعلها مع الحدث وحسن الأداء في الالقاء فهو ذو حضور متميز وفاعل. فقط ما ينقص هذه التجربة مقاربتها للحداثة قليلاً لكي تكتمل أضلاعها الثلاثة.


خيوط الصباح

شعر - عبدالرحمن شاهين المضحكي

طَوّل الليل وما شفنا خيوط الصباح

مِضْرب الفجر ولا حادثٍ زعّله

الزِمْ الصمت ولاّ أبتدي بالصياح

أرفض الوضع ولاّ أنهزم وأقبله

مطلع الشمس ولىّ معْ هبوب الرياح

أو سحابة سوادٍ صوبها مقبله

مرعب الليل وكلابه تطيل النباح

والخفافيش تخرق ليلنا وتدهله

كل من سار يبقى مسلك الدرب طاح

وإن وصل غايته يلقى الطرق مقفله

ضاقت الأنفس الرحبه ومات المزاح

خيّم الصمت والأفواه جاها البله

الضحك ودّع الأنفس وحل النواح

وصوّت البوم واقلع للسفر بلبله

آه يا ليل زادت من عناك الجراح

كل جرحٍ تزايد منك من يدمله

طعنك أقوى وأعمق من طعان الرماح

فيك آخر وأبعد شيٍ أتخيّله

كنت يا ليل تكتم كل سرٍ مباح

وكل خل أو خليله كنت تستقبله

يا كتوم الخفايا قد شهرت السلاح

في وجوه الخلايق تخلق المعضله

في هدوئك طعون وفي سكونك كساح

وحلكتك في فضاها قمة المهزله

صرت يا ليل مارد والقتل مستباح

والدماء ابفضائك دوم مسترسله

من يشد الضعاين فيك يبغي النجاح

دوم يفشل ويلقى الشوْم من أوله

خاب منهو تعشّم فيك ضوء الفلاح

ما حضى من تمنى منك قيد أنمله

يا صباحي تنفس واستعد يا صباح

أصبح الليل خصمٍ يا صبح جندله

خل شمسك تضوّي للملا بانشراح

لى رأى الليل طلعتها بعد وانجله

مشاعر حب

مشاعر حب أهديها بها الإحساس والوجدان

بها شوق

العدد 1338 - الجمعة 05 مايو 2006م الموافق 06 ربيع الثاني 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً