العدد 1338 - الجمعة 05 مايو 2006م الموافق 06 ربيع الثاني 1427هـ

مدرسة صباح بن لحدان الكبيسي «الجد» (2 - 2)

أما المدح فقد صال فيه الشاعر وجال وفاز فيه بالمركز الأول، فإذا برعت يوماً ما في المدح فالفضل يرجع من بعد الله تعالى إلى أستاذي القـدير...

ومن أعجب ما قرأت له قوله في مدح أحد حكام البحرين:

لو جمّلوا مدحك بكل الديـاوين

ما تم قرطاسٍ بلـيا كتابه

هكذا بيت أشهد له شخصياً بالخلود...

وقال أيضا:

فلا لـكم يا شـيخ ريـنا ضريـبي

إلا كـما داوود وإبـنه سـليمان

داوود له لان الحـديد الصعيبي

وإبنه ضفى حكمه على الإنس والجان

لكـنك إسلـيـمان ما فـيك ريـبي

من له قـدورٍ راسـياتٍ مع أجـنان

وطوّع وحوش الأرض سبعٍ وذيبي

والطـير له محـشورةٍ وين ماكان

والأبيات السابقة تدل أيضاً على ثقافته الدينية التي تظهر في قصائده بشكل عفوي غير متصنع وهي حتماً نابعة من الحصيلة المخزنة بداخله...

وكم أعجزت ذهني حكم الشاعر و«لقمانياته» التي تجعلني أهز رأسي لها عجباً وطرباً... وتأيـيداً لكل ما جاء فيها...

قال الحكيم الكبيسي، وقد صدق فيما قال:

لا تزدرون الطيبين بلبسهم

كم ماضيٍ جوهر وفي غـمده صدا

لو كان في حسن الملابس مفخر

إن كان خير الطايرات الهدهدا

لى ريت الهدهد تـراه إمتوج

ومشكلٍ ريشه وياقـع في الردى

لاشك يقصر عن مقام النادر

خطوى أشقرٍ مثل الحسام إمجردا

أقولها وبكل فخر هذا هو أستاذي الأول الذي تلقيت على يده أكمل الدروس وأقواها... وديوانه هو المدرسة الشعرية الأولى التي تلقيت فيها أبجديات الشعر.

لقد كانت الساعات التي أحضر فيها مع أستاذي الجليل تمر عـليّ وكأنها دقائق، ولعل أ تعـس اللحظات بالنسبة إليّ هي تلك التي أضطر فيها إلى توديعه للذهاب إلى بيت والدي، تنفيذاً للشرط الذي قبلت به منذ البداية.

وقد كنت منتظمة جداً في الحضور إلى بيت جدي، لم لا وأنا بذلك الحضور أتلقى دروساً في الأدب والبلاغة من دكـتور جامعي حاصل عـلى أعلى شهادة وهي (حفظ القرآن الكريم)، ولم أكن أعرف حينها أنني أضع اللبنة الأساسية الأولى لكياني الشعـري، ولم أكن أعلم بأنني سأمسك القلم يوماً ما لأكتب شعراً، وأحمل لقب شاعـرة... كما لم أكن أعلم بأن مكتبـتي المتواضعة ستنال شرف وجود ديوان لحدان بن صباح الكبيسي (الجد) فيها إلى الأبد، ومن دون أية شروط

مرّت الأعوام... وأنا أحمل في أحشاء ذهني كلمات، كم أرادت الخروج، ولكنها لم تستطع، ربما لأن نمّوها لم يكتمل بعد، فلم يأذن الله في خروجها فتركتها لتـنمو بشكلٍ طبـيعي إلى أن تتضح وتتحدّد ملامحها.

وفي يومٍ من الأيام شعرت بقرب ولادة تلك الكلمات... ولم تمضِ إلا لحظات حتى وجدت القصيدة الأولى في حجر دفتري... سعدت بها كثيراً، فهل أصبحت الآن أحمل لقب شاعـرة؟ كنت أتساءل، تماماً كالتي أصبحت أماً فتراها تمسك بطفـلتها بين ذراعـيها، وتقـول في نفسها: هل فعلاً أصبحت أماً؟... ومضيت أكتب الشعر، حتى أنجب فكـري الكثير من القصائد التي خُيّل لي أنه لا غـبار عليها، ولا ينقـصها شيء، وعـندما قررت نشرها انصدمت بمن يقـول لي: إن قصائدك بها بعـض الكسور التي قد تعـطّلها عن السير الصحيح، فاقـترح عليّ الشاعر عبدالله بن خلف الدوسري أن أنضم إلى جمعـية الشعر الشعـبي فلربما وجدت مبتغاي، فأتـخلص من تلك الـكسور التي كثيراً ما أثارت غضبي، وخصوصاً أنني كنت أرفض وبشدة قيام أي معد صفحة بتجبـير قصائدي من أية كسور حتى ولو كان التجبـير بكلمة واحدة، وقد خلق ذلك جواً من التوتر بـيني وبين معـدي الصفحات الشعرية، فكان الحل الوحيد بالنسبة إليّ هو البحث عن مدرسة جديدة أتلقى فيها دروساً تعينني على اجتياز عائق الوزن، ولكن للأسف لم أجد تلك المدرسة، لقد وجـدت الجميع على أتم الاستعـداد للقيام بالتعديل، ولكنني لم أكن أبحث عن التعديل، بل كنت أبحث عن التعليم.

وبينما كنت أصارع أمـواج الكسور وهكذا كانت تبدو لي وجدت من يدلني على سترة النجاة التي حتماً ستنقـذني مما أنا فيه...

ويا للغرابة... تدور رحى الزمان لتعيدني إلى النقطة التي بدأت منها... لقد عـدت إلى مدرستي الأولى، فوجدتها مازالت تسير على النهج نفـسه، مع وجود تطورات ملحوظة في مناهجها، أما مديرها فكان الشاعر لحدان بن صباح الكبيسي (حفيد الجد)، فأردت الالتحاق بهذه المدرسة التي كنت يوماً ما أجلس على مقاعدها، ولكن الحفـيد رفض ذلك وبشدة، وسبب رفضه هو حرف «التاء»... نعم لأنني شاعرة ولست شاعر، فالمدرسة كانت مقراً للطلاب فقـط، وليس للطالبات فيها مقعـد واحـد.

وفي نهاية الأمر وافق الحفيد على قبولي في مدرسته لسببين، الأول لأنني كنت أسير على نهج جدّه، وقد بدا له ذلك واضحاً من خلال قصائدي التي كانت تحمل ملامحاً من جدّه من ناحية الأسلوب، أما السبب الثاني فهو يقينه بأنني لم ولن أجد من يأخذ بـيدي لإكمال دراستي في مجال الشعـر، وخصوصاً أنه لمح في الساحة وجود من لا يروق له وجـود اسم ظما الوجدان فيها، فوافق على فكرة التعليم عن بعد... أي من خلال «الفاكس».

ولم أكن أعلم أن هناك أوزاناً عدة في منهج الشعر، لأنني كنت أكتب قصائدي بالفـطرة من دون الاتكاء على عامل الوزن، فكان أستاذي «الحفـيد» يرسل لي بيتين ويطلب مني الرد عليهما بالوزن والقافية نفسهما، وكثيراً ما أرشدني إلى الاستعانه ببعض الأشرطة (الكاسيت) المتوافرة في المكتبات، حتى أتزود من خلالها بالألحان الخاصة لكل وزنٍ من الأوزان، ولم يبخـل عليّ يوماً بالنصح والإرشاد. وكان شديد التركيز عـلى مسألة الاطـلاع والمداومة عـلى قراءة دواوين كبار الشعـراء الأوائل والمعاصـرين، وما لبثت أن تعـلمت منه الكثير وفي فترة بسيطة، وخصوصاً أن بداخلي تقبع رغبة ملحة في تعلم المزيد من أساسيات الشعر وقواعده. وبعد أن كنت أطمح فقـط في تعـلّم ضبط الوزن، أصبحت أحرص على التنويع والكتابة على الكثير من الأوزان، ولاسيما الأوزان الطويلة التي لا تحد من انطلاقـي في الكتابة، ومع الوقت بدأت أتخلص حتى من الهنات الزائدة، والتي لايزال البعض من الشعـراء والشاعـرات لا تخـلو قصائدهم منها، كما تعـلمت من الكبيسي «الحفـيد» فن المساجلات بعجائبه، وما تتضمنه من التورية التي تنم عن الذكاء الشديد، والتي تـتطلب الحضور الذهني وسرعة البديهة.

وكان لنصائحه أثر كبير في تكوين شخصيـتي الشعرية الجديدة المفعمة بالقوة، والقـدرة على المنافسة، والتصدي لكل العـوائق التي قد تقـف يوماً في طريق مسيرتي الشعـرية...

إنني على يقين بأن هناك الكثير ممن درسوا في مدرسة الكبيسي، واستفادوا من خبراته ولكن لم يعترف بذلك إلا من عـرف معنى كلمة (الأمانة)، والصدق في القول، وعدم التنكر لصاحب المعـروف.

هذا هـو أستاذي الثاني في مدرسة (لكْبسه) كما ننطقـها باللهجة العامية... وختاماً أتوجه إليه بالشكرالجزيل، وأقولها له وبكل صدقية: من علّمني حرفاً، صرت له عوناً، ولن أنسى فضله عليّ أبداً

العدد 1338 - الجمعة 05 مايو 2006م الموافق 06 ربيع الثاني 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً