العدد 3331 - الخميس 20 أكتوبر 2011م الموافق 22 ذي القعدة 1432هـ

نظرة على العلاقات المصرية الأميركية ومعارك الحرب والسلام (1)

محمد نعمان جلال comments [at] alwasatnews.com

سفير مصر الأسبق في الصين

إن الصراع العربي الإسرائيلي والذي يمكن اختصاره في أطروحتين هما الصراع المصري الإسرائيلي و الصراع الفلسطيني الإسرائيلي هو صراع عميق الجذور أنه ليس وليد الساعة ولا وليد السنوات القليلة الماضية بل هو وليد قرون من التنافس والصراع وأحياناً التقارب، وإذا عدنا بالذاكرة للكتب المقدسة سواء التوراة أو الإنجيل أو القرآن يمكن أن نلمس ذلك،بوضوح.وبغض النظر عن توصيف الكتب المقدسة للأحداث بأنه رواية أو قصة للأحداث وليس توثيقاً تاريخياً محدداً ولكنه يقدم لنا دلالتين:

الأولى: إن الصراع أو التنافس وأحياناً التقارب هو حقيقة من الحقائق الثابتة في علاقات الشعوب والأمم المدونة في حوليات التاريخ كما سجلها أصحابها منذ عصور قديمة.

الثانية:إنه في منطقة الشرق أوسطية سواء بالنسبة للعرب أو اليهود أو المسيحيين أو المسلمين، فإن شعوبها تتغذى على المفاهيم الدينية بغض النظر عن الاعتبارات الأخرى بل بغض النظر عن مدى دقة التفسيرات التي يضيفها إليها أصحاب هذه الديانات والاعراق لمصالحهم الشخصية أو طموحاتهم الوطنية.

وقصة الصراع بين داوود وجالوت تعبر عن الصراع بين الخير والشر بين نبي مرسل من الله سبحانه وتعالي وبين شخصية طامعة، بالطبع في العصر الحديث نجد القصة في الذهنية اليهودية موضع تأييد كامل وينظر لها أصحابها بأنها ما تزال قائمة.في حين أنها في الذهنية العربية الإسلامية ترى أن داوود يمثل الخير ويمثل الحق العربي في حين أن جالوت هو الذي يمثل الشر والاغتصاب المعاصر للأراضي العربية.

كتاب «رحلة العمر:مصر وأميركا معارك الحرب والسلام» هو صورة مجسدة للمواقف المصرية العربية والمواقف الإسرائيلية المدعومة أميركياً. وهو صورة صادقة وأمينة للتاريخ الدبلوماسي والسياسي المصري المعاصر، وهو صورة رسمها مؤلفه السفير القدير المخضرم عبد الرءوف الريدي الذي شارك في أحداثها منذ أن انضم كشاب ناشئ للعمل الدبلوماسي المصري وحتى اليوم كرئيس شرفي للمجلس المصري للشئون الخارجية، وعمل الريدي عن قرب بدرجات متفاوتة مع الرؤساء جمال عبد الناصر وأنور السادات وحسني مبارك، ولمس وتابع وساهم من خلال عمله الدبلوماسي وخبرته القانونية في كثير من المواقف والمبادرات وكان أكثر صلة بالوزير محمود رياض الذي كان الذراع الأيمن للرئيس عبد الناصر لفترة طويلة ثم تولى الأمانة العامة للجامعة العربية وكانت له مواقفه القومية والوطنية الواضحة.واستقال بعد مبادرة الرئيس المصري الراحل للسلام وزيارته المشهورة لإسرائيل والتي كانت بمثابة تسونامي في السياسة العربية .

كتاب رحلة العمر هو سيرة ذاتية لمؤلفه ولمواقفه ولكنه في نفس الوقت يساهم في تأريخ السياسة الخارجية المصرية بوجه عام، ومواقف وزارة الخارجية بوجه خاص، ويسجل بدقة وأمانة عملية التفاوض المصري الإسرائيلي بل والصراع طوال العقود منذ الستينات وحتى الوقت الراهن، والمؤلف ساهم بمبادرة من نخبة من زملائه وأصدقائه وفي مقدمتهم السفير الدكتور محمد شاكر في إنشاء المجلس المصري للشؤون الخارجية ،وبمساعدة مديره التنفيذي السفير الدكتور سيد شلبي، فأصبح بحق مركزاً للفكر والبحث الحر والجاد والصادق، واستطاع المجلس أن يرسم لنفسه خطاً واضحاً ومكانة بارزة على الساحة الدولية ببناء شبكة كبيرة من العلاقات الدولية بفضل الخبرة الواسعة للسفيرين عبد الرءوف الريدي ومحمد شاكر مع عدم الإقلال من دور كافة أعضاء المجلس، ولكن دور الرائدين وصاحبي الفكرة ما يزال ملموساً وواضحاً وموضع احترام وتقدير العديدين.ولهذا خصص الريدي فصلاً عن المجلس المصري للشؤون الخارجية، كما خصص فصلاً عن الديمقراطية وأمن مصر القومي والتحديات التي يواجهها أمن مصر القومي، والتي ظهرت وما يزال بعضها يلوح في الأفق.

إن موضوع كتاب «رحلة العمر»هو ما اسماه مؤلفه معارك السلام والحرب بين مصر وأميركا و الطبع هناك الطرف الثالث الذي نعتبره الحاضر والغائب في الكتاب وهو إسرائيل.نقول إن موضوع الكتاب بالغ الأهمية والحساسية في نفس الوقت ومن ثم فهو يستلزم ثلاثة أمور لمعالجته المعالجة العلمية الدقيقة وهي:

الأول:خبرة واسعة في الممارسة الدبلوماسية ودقة كبيرة في الصياغة.

الثاني:معلومات دقيقة من خلال ليس فقط الإطلاع على الكتب والمراجع الخاصة بالموضوع، بل علاقة وثيقة بصانع القرار السياسي في الدولتين مصر وأميركا.

الثالث:معرفة واسعة بطبيعة العلاقات الدولية من ناحية وطبيعة علاقات مصر كقوة إقليمية مهمة مع الولايات المتحدة كقوة دولية مهيمنة.

ولاشك أنه ليس أقدر على معالجة هذا الموضوع بدقة من السفير عبد الرءوف الريدي سفير مصر الأسبق في واشنطن، وهو خبير في السياسة الدولية وفي المنظمات الدولية وفي العلاقات الثنائية وتفاعلها بين مصر والولايات المتحدة من ناحية، وهو أيضا خبير في شئون دولة تعد من بين أكثر الحلفاء من الدول النامية للولايات المتحدة عبر السنين الطويلة، وهي باكستان التي عمل سفيراً بها، وهي الدولة التي وصفها أحد وزراء خارجيتها السابقين البروفسور كسوري بأنها أقرب الحلفاء وأكثرهم تعرضاً للمعاقبة من الولايات المتحدة.

ولاشك أن هذا الوصف إذا كان ينطبق على باكستان فأنه يمكن من وجهة نظري الشخصية أن ينسحب بدرجة كبيرة على مصر، ليس فقط كدولة، وإنما أيضاً كشعب، ولعلى أسارع في توضيح ذلك أن مصر كدولة تحولت علاقاتها الثنائية بالولايات المتحدة إلى علاقات ثلاثية عبر البوابة الإسرائيلية، ومصر كشعب تم اختصار العلاقة في فترة طويلة من الزمن بين البلدين لتركز الولايات المتحدة على أحد أقطاب النظم الاستبدادية في المنطقة العربية، بل ربما على مستوى العالم الثالث، حتى انمحى بدرجة كبيرة دور مصر كدولة مهمة في المنطقة، وانمحت سيادتها واستقلالها لدرجة أن كاتباً كبيراً ومشهوراً كان قريباً من صاحب القرار السياسي المصري لعدة سنوات هو الدكتور مصطفى الفقي سكرتير الرئيس السابق لمدة نحو ثمان سنوات قال في مقال له وفي تصريحات صحافية أيضا أن أي رئيس قادم لمصر لابد أن يحظى برضاء الولايات المتحدة وإسرائيل.بعبارة أخرى إن استقلالية القرار السياسي المصري ورضاء الشعب المصري عن حاكمه أصبحت مسألة ثانوية وموضع تساؤل.

من هنا تبرز أهمية الكتاب المعنون «رحلة العمر:مصر وأميركا معارك الحرب والسلام»وهو يسرد تاريخ حياة ومسيرة وفكر وممارسة وأحد من أبرز الدبلوماسيين المصريين وربما من أكثرهم تواضعاً ولكنه في نفس الوقت لم يكن باهتاً في ممارساته وفي عمله وفي فكره وفي كتابته وسرده للأحداث وتحليله لها كما حدث مع أكثر من دبلوماسي مصري تولي مناصب مهمة فأصبح حريصا على عدم هز القارب كما يقول المثل الانجليزيNot to Rock the Boat. اما الريدي فكان واضحا وسعي للسباحة في بحار وأمواج عاتية ولكنه كان حصيفا وصريحا إلى قدر كبير وأحيانا وأنا اقرأ الكتاب كنت أعجب بشجاعته ونقده لقادة كانوا ملء السمع والبصر وما زال لهم أتباعهم وحواريهم

إقرأ أيضا لـ "محمد نعمان جلال"

العدد 3331 - الخميس 20 أكتوبر 2011م الموافق 22 ذي القعدة 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً