العدد 3471 - الخميس 08 مارس 2012م الموافق 15 ربيع الثاني 1433هـ

«المنبوذون» اليمنيون يأملون أن تخرجهم الثورة من الشقاء

امرأة من مجتمع «الخدم» تقف خارج كوخها في حي فقير بصنعا
امرأة من مجتمع «الخدم» تقف خارج كوخها في حي فقير بصنعا

يستخدم أضعف الضعفاء في اليمن لغة وأساليب احتجاجات «الربيع العربي» المناهضة للحكومة لمكافحة التمييز الذي تركهم على هامش المجتمع لقرون من الزمان. انفجر تصفيق متقطع بعدما اعتلى رجل أسمر البشرة يرتدي قميصاً إرجوانياً متسخاً المنصة وسعل بعصبية في مكبر الصوت بساحة التغيير وهي مركز الانتفاضة التي أسقطت الرئيس علي عبد الله صالح وأصبحت حالياً مكان تجمع شهير للنقاش السياسي. وقال نبيل المقطري وهو يوجه اصبعه إلى الحشد وصوته يرتفع غضباً إن التمييز «قننته الحكومة وتعامل معه الناس بصورة طبيعية. نحن عرب ومسلمون ومواطنون يمنيون مثلكم». وأضاف «لماذا يشعروننا بالدونية؟ لماذا نعامل كعبيد على هذا النحو؟ أتيت إلى هذه الساحة لأني أريد أن أشعر بالمساواة. وبدلاً من ذلك أجد التمييز في كل زاوية، هذه عنصرية في أبشع صورها».

ساعدت تجربة الإطاحة بصالح من السلطة بعد 33 عاماً على تنشيط بعض الجماعات اليمنية الضعيفة ومنها الأقليات والنساء وشجعها على محاولة تغيير مصيرها. لكن تفكيك الهياكل الاجتماعية الجامدة ربما يكون أصعب حتى من إسقاط حاكم شمولي. والمقطري هو أحد اليمنيين الذين يعرفون «بالخدم» ودعته اللجنة التي تنظم الكلمات على منصة ساحة التغيير إلى إلقاء كلمة عن الثورة والمساواة في اليمن. وكان أول فرد من الخدم تطأ قدماه المنصة منذ نصبها المحتجون قبل عام تقريباً. والخدم الذين تميزهم ملامحهم الإفريقية والأعمال التي يؤدونها - خاصة تنظيف الشوارع- مهمشون لدرجة أن علماء الانسانيات الذين يدرسون اليمن يقارنونهم بطائفة «المنبوذين» الهندية. ويضع التمييز الواسع النطاق الخدم في أسفل السلم الاجتماعي اليمني دون أن يحدد ما يجعلهم مختلفين عدا لون بشرتهم والمهام المتواضعة التي يقومون بها. وعبر جمال العبيدي وهو مدرس رياضيات بمدرسة ثانوية وكان من بين الذين يستمعون إلى كلمة المقطري في أوائل مارس/ آذار عن آراء سائدة في رده على أسئلة صحافي. وقال «لا أحمل شيئاً ضده. سأتحدث إليه في الشارع وربما أعطيه بعض مالي لكني لن أدعوه إلى منزلي. هو يمني لكنه أيضاً خادم. الله آراد أن يكون على هذا الحال».

وساعدت الأساطير المهينة التي توارثتها الأجيال في ترسيخ طريقة التفكير هذه. فكثير من اليمنيين ممن سئلوا عن أصل الخدم قالوا إنهم ينحدرون من سلالة الإثيوبيين الذين عبروا البحر الأحمر لغزو اليمن قبل وصول الإسلام منذ 1400 عام وهو ما يجعلهم غرباء في بلادهم. ويستند التحامل السائد ضدهم إلى أن الرجال كسإلى ومعدومي الضمير ولا يصلحون لأعمال تحظى بالاحترام وأن النساء غير نظيفات ومنحلات ويستجدين كرم الآخرين. وتقول أحد الأمثال أنه (إذا لعق كلب طبقك فنظفه لكن إذا مسه خادم فاكسره).

ورغم أن الثورة اليمنية التي قامت العام 1962 وأنهت حكم الأئمة الذي استمر ألف عام وسعت إلى إقامة جمهورية قائمة على المساواة بين المواطنين ألغت رسمياً الطبقات الاجتماعية القديمة، إلا أن الخدم بقوا على وضعهم. ويعيش غالبية الخدم الذين يعملون في المنازل وفي إفراغ مراحيض المساجد وفي جمع القمامة في الآونة الأخيرة في عشوائيات قذرة على أطراف العاصمة بعيداً عن أنظار غالبية اليمنيين. وأدخلتهم الاحتجاجات التي اندلعت ضد صالح في فبراير/ شباط الماضي إلى المجال العام ربما للمرة الأولى. ففي الثالث من مارس/ آذار طوق مئات من الخدم الذين ينظفون الشوارع مكتب المدعي العام في تعز مطالبين بتقديم ضابط شرطة يمني إلى العدالة زعموا تورطه في قضية قتل عنصري لأحد منظفي الشوارع. كان شافعي الشامي الذي كان يتظاهر بالنهار ويكنس الشوارع بالليل واحد من مئات الخدم الذين انضموا للحركة المطالبة بالديمقراطية. وأقام في خيمة صغيرة حمراء إلى جانب آلاف آخرين في ساحة التغيير. وبرغم سيره على عكازين -حيث لاتزال هناك شظية مستقرة في قصبة ساقه أصيب بها حينما حوصر في تبادل لإطلاق النار خلال هجوم للقناصة على المحتجين في صنعاء في مارس الماضي- كان الشامي فعالاً في تنظيم إضراب في أنحاء البلاد الشهر الماضي لكناسي الشوارع وغالبيتهم من الخدم. وهم يقومون بواحدة من أقل الوظائف أجراً في بلد فقير وليس لهم عقود عمل مع البلديات ويخضعون للفصل أو لا يحصلون على أجر وفقاً لهوى السلطات. وفي اليوم الثالث من الإضراب حين كانت العاصمة غارقة في أكوام القمامة رضخت السلطات ودفعت لكل من منظفي الشوارع في صنعاء وعددهم أربعة آلاف 15 ألف ريال (70 دولاراً) مقابل العمل وتعهدت بجعلهم عمالاً دائمين في الجهاز الإداري للدولة. ويقول الشامي إنه إذ لم يف رئيس الوزراء محمد باسندوة بهذا التعهد بحلول 15 مارس فسيعودون للإضراب. وأضاف «أعتقد أن الإضراب ذكر الناس بقدر اعتمادهم علينا ... كان الناس يضطرون إلى إحراق القمامة أمام أبوابهم لكي يتمكنوا فقط من الدخول والخروج من منازلهم».

وغذت الاشتباكات العسكرية التي أعقبت اندلاع الاحتجاجات ضد صالح المخاوف من حرب أهلية ودفعت جيران اليمن الخليجيين والولايات المتحدة إلى تنظيم عملية نقل السلطة من صالح لنائبه. وسيعمل الرئيس الجديد عبد ربه منصور هادي مع حكومة تضم أحزاب معارضة لكنه يترك أيضاً أقارب صالح في مواقع رئيسية في الجيش. كما استبعد اتفاق نقل السلطة مقاضاة الرئيس السابق وحلفائه بسبب قتل مئات المتظاهرين. وفي نظر كثير من المحتجين كافأ الاتفاق النخبة السياسية ودمر فرصة حدوث تغير حقيقي.

العدد 3471 - الخميس 08 مارس 2012م الموافق 15 ربيع الثاني 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 12:41 ص

      ......

      لاحول لله .. كسرت خاطري هالمرأة المسكينة في الصورة ..لعن الله من كان السبب في تجويع وتهمش الناس

    • زائر 2 | 11:02 م

      سلام الله على الدنيا

      اليمن يعاملو شريحه من الناس على اساس انهم اتوا من اثيوبيا قبل 1400 سنه والى الان المجتمع اليمنى يلفظهم ويرفض ذوبانهم وصهرهم في المجتمع اليمنى وانا من قلب اوال اصبح على كل الاخوان اليمنين في البحرين واسئلهم الدعاء!!!!!!!!!!ديهي حر

اقرأ ايضاً