ينابيع الخير... في عيد الفطر
ومادمنا في عيد الفطر، ننعم بساعاته، فلننتهز الفرصة ولنرتع في معانيه الجميلة، وننهل من ينابيعه الثرّة، ونستمتع بما أودع الله تعالى فيه من نعم وخيرات.
وتأمل... كيف جعل الله تعالى الفرح عبادة، إذ جعل - سبحانه - الفطر في يوم العيد واجباً والصوم حراماً، وأبرز مظاهر الفرح في العيد هي الفطر، والفرح غاية مهمة ينشدها الإنسان ليحقق سعادته، فيجهد لتوفير أسبابها وتهيئة أجوائها، وقد يصنع الإنسان في سبيل ذلك ما يضر بنفسه، أو يفرح بما لا يحقق لها سعادة أو سروراً، أما الفرح الذي يهيئه الله تعالى للمسلمين ويشرعه لهم فهو الفرح الكامل والسرور التام، فأتم الفرح وأحسن السرور أن يفرح العبد بما شرع له ربه عز وجل من عبادات، وأمره به من طاعات، ورتب على ذلك من ثواب وحسنات.
ومن الناس من لا يعرف الفرح له طريقاً ولا يعرف طريقاً إلى الفرح طوال العام أو أكثره، لما أحاط به من هموم أو أحزان، فيأتي شهر الصوم العظيم، يتبعه عيد الفطر، بما شرعه الله تعالى فيه لنا من الفرح والسرور، ليكسر ما أحاط بالقلب من الهموم، ويُخرج ما توطن فيه من الأحزان، ليرى الحياة بوجه جديد، يبعث فيه البهجة، ويجدد له الأمل، حين يبيت ليلة الفطر سعيداً بإتمام صومه، ويستقبل العيد بالسنن المستحبة التي تبعث في النفس السرور وتجدد فيه النشاط، فيغتسل للعيد، ويلبس أحسن الثياب، ويفطر على وتر من التمرات، ثم يخرج مع إشراقة شمس يوم جديد، يستنشق نسيم الصباح، ويستقبل النهار بوجهه، ويذكر الله تعالى مكبراً ومهللاً وحامداً، ساعياً إلى الصلاة، مرققاً قلبه بسماع الموعظة، ليَـلقَى بعدها إخوانه ويأنس بهم، فيا لها من عبادات وسنن وأفراح تكسر الهموم وتذيب الأحزان وتجدد النشاط.
وفي عيد الفطر فرصة لا تدانيها فرصة لكي يستثمرها الناس في بر الوالدين وصلة الأرحام وإكرام الجار، بمبادلة الزيارة والمعايدة والتهنئة وغيرها من مظاهر الفرحة، كما فيه فرصة عظيمة لإصلاح ذات البين، وإزالة ما زرعه الشيطان في قلوب المتخاصمين والمتنازعين من حواجز البغضاء والفتن، فكلمة تهنئة واحدة في العيد قد تزيل تلك الحواجز، وتداوي الكثير من الجروح بين المتدابرين من الأصحاب والأزواج والعائلات والأسر، وترسل على العلاقات التي أصابها الجفاف قطرات من ندى المحبة، تعيد لها الحيوية والنشاط.
وانظر إلى جمال التشريع في الإسلام، إذ شرع الله تعالى من العبادات ما يوحّد بينهم بصورة عملية، ويدمج بينهم في الانتماء والعواطف والأحاسيس، والعيد هنا من هذه العبادات، فالمناسبة واحدة، والفرحة فيه واحدة، ومراسم الاحتفال واحدة، وهذه المشاركة تعمل على ربط القلوب، وتعميق الصلات بين الشعوب الإسلامية على اختلاف أجناسها وعاداتها ولغاتها. كما أن في العيد فرصة كبيرة لتوطيد العلاقات بين المسلمين، وتقوية روابط الأخوة والمودة، ليس على مستوى الأفراد فحسب، بل هذا مما ينبغي استثماره في تحسين العلاقات بين دول الإسلام، وإذابة ما قد يطرأ على العلاقات بينها طوال العام من خلافات ومشاحنات، وبناء ما انهدم من أواصر وروابط بين الدعاة والقادة والزعماء والحكام.
وانظر إلى رحمة الله تعالى الواسعة، كيف فرض على المسلمين أن تكون الفرحة بينهم عامة لا يُحرم منها أحد، إذ فرض سبحانه صدقة الفطر، ليشترك الفقراء والمحتاجون والأغنياء جميعاً في هذه الفرحة العظيمة. وهكذا يزرع العيد في قلوب المسلمين المودة والرحمة، ويربيها على حب الخير للآخرين، ويدرّبها على معالجة المشكلات الاجتماعية، حين يدفع الإسلام المسلم - بفرض صدقة الفطر عليه - إلى الإحساس بالفقير والمسكين، فيألم لحالهم، وقد ذاق طعم الجوع مثلهم في شهر رمضان، فيخرج ليشتري لهم من الطعام ما يسد حاجتهم في العيد، ويغنيهم عن السؤال يوم الفطر والفرح، ثم يبحث عنهم ويذهب إليهم ويقدم لهم ما يستحقونه من طعام. فأي تدريب للنفس بعد هذا، وأية تربية لها على البذل والعطاء والإحساس بهموم الآخرين، والعطف عليهم، الكلمات هنا لا تكفي لوصف ما تزرعه صدقة الفطر وحدها من أخلاق فاضلة ومعان نبيلة في نفس المسلم.
وفي العيد تربية للعبد المسلم على تحقيق العبودية لله تعالى في حياته اليومية، وهو معنى قد لا يدركه كثير من الناس وإن كان له أثر في نفوسهم، فالعبد ينتقل من الفطر قبل شهر رمضان، إلى الصوم في شهر رمضان فيمتنع عن الطعام والشراب والجماع عبادة وطاعة لأمر الله تعالى، ثم ينتقل العبد إلى يوم العيد فيجب عليه الفطر، بعد أن كان الصوم بالأمس عليه واجباً، فيفطر عبادة لله تعالى وطاعة لأمره، وفي هذا الانتقال من حال إلى حال مقابلة لها تعويد للنفس على الخضوع المطلق لأمر الله عز وجل، والانقياد لأحكامه، والسير على شرعه، مع محبة ذلك والفرح والسرور به، وهذه هي العبودية التي ينبغي أن يسير عليها العبد في حياته كلها.
والتكبير والتهليل والتحميد في العيد؛ هي أذكار تعظيم لله تعالى وتوحيد وشكر، فالقدرة التي منحها الله لنا لكي نصوم، والطعام والشراب، وصوم رمضان وما فيه من فضل ومغفرة وثواب، والعيد وما فيه من فرحة بالفطر وأسباب الترابط والمودة بين المسلمين... نعم عظيمة، وكلها تستحق شكر الله عليها بذكره من تكبير وتهليل وتحميد.
محمود عبدالله
أصبح مستقبل الخدمة الاجتماعية - في ظل المزاحمة المحتدمة بين المثالية والواقع - يفقد نظرته التأملية تدريجياً في دائرة مبهمة، ولعل ذلك يعود إلى الكثير من المحاور التي ساهمت في خلق إحباطات تحول دون البلوغ لاعتراف مجتمعي من شأنه الرقي بمستوى هذه المهنة الإنسانية. ولربما تكون الفجوة الحاصلة بين المثالية والواقع في مناهج الخدمة الاجتماعية - وعدم مناسبة النظريات والمداخل والاتجاهات الغربية الحديث التي تدرس للعاملين في هذا المجال مع ايديولوجية وثقافة المجتمع - هي من أبرز المحاور المحبطة لمستقبل الخدمة الاجتماعية في مجتمعاتنا العربية عموما وفي مجتمعنا خصوصا.
فمن المعروف أن الإثراء المعرفي للخدمة الاجتماعية ما هو إلا كل مركب من معارف ونظريات ومداخل العلوم الأخرى ولاسيما العلوم الاجتماعية والنفسية، وقد حرصت الدول المتقدمة في بادئ الأمر على تطويع هذه المعارف والنظريات المستقاة من العلوم المختلفة لبناء مهنة متكاملة مستقلة لخدمة الإنسان، ولكنها سرعان ما اصطدمت بمنافسة تلك العلوم على تقديم الدور ذاته لتستمر حكاية الدائرة المحبطة. لذلك أخذ المهتمون يسعون إلى استحداث طرق وأساليب أكثر مواءمة مع الواقع معتمدين في ذلك على الجوانب التي أغفلتها اهتمامات العلوم الأخرى في خدمة الإنسان، وقد نجحت في ذلك وحققت تقدماً ملموساً استطاعت من خلاله الرقي بمستقبل زاهر لهذه المهنة. ونظراً إلى التقدم الذي أحرزته تلك الدول في هذا المجال وانعكاساته على الوسط الاجتماعي، شرعت الدول العربية كعادتها لتبني هذه التجربة والاستفادة منها متناسية «النسبية الاجتماعية» التي ترتكز عليها هذه المهنة، الأمر الذي حد من نجاح التجربة في الدول المتبنية.
إن تبني مثل هذه التجربة لا ينبغي أن يبنى على نحو الإطلاق؛ لأن الصيغة الاجتماعية - التي تعتمد عليها هذه المهنة - تختلف من مجتمع الى آخر وبالتالي يجب أن تؤخذ التجربة كهدف استراتيجي عام يمكن من خلاله استحداث أهداف تكتيكية نابعة من ذات المجتمع، وعلى رغم أن بعض الدول العربية حققت تقدما في ذلك، فإن مجتمعنا مازال يعتمد في إعداد متخصصيه على مناهج دراسية لدول أخرى! وبصريح العبارة إن مناهج الخدمة الاجتماعية التي تدرس في جامعة البحرين ما هي إلا محصلة تجارب دول أخرى، التي تفقد صدقيتها متى اصطدمت بالواقع وانسلخت عن روح العصر الحديث، كأن يتم التركيز في هذه المناهج على دور الاختصاصي الاجتماعي في تنظيم المعسكرات وحفلات السمر، ومكاتب الخدمة الاجتماعية التي لا وجود لها في واقعها المجتمعي... وهذا بلا شك يمثل هدراً للوقت والموارد والجهود ما يؤثر على نوعية الإعداد السليم للاختصاصيين الاجتماعيين الأمر الذي ينعكس بدوره على الاعتراف والتصديق المجتمعي.
من هنا كان لابد على الجهات المختصة في هذا المجال مراجعة مناهج الخدمة الاجتماعية التي تدرس في جامعة البحرين، والاهتمام بصوغ أدب مهني أكثر مواءمة مع الواقع البحريني وروح العصر الحديث من خلال إجراء الدراسات والبحوث الاجتماعية بشكل مستمر. كما ينبغي وضع خطة مستقبلية لابتعاث نخبة من الطلاب الأكفاء الأكثر معرفة بالواقع المجتمعي لإكمال دراساتهم العليا والاستفادة منهم في طاقم البحث والتدريس على المدى البعيد، على اعتبار أنه لا وجود لمواطن خليجي ضمن هيئة تدريس الخدمة الاجتماعية بجامعة البحرين بعد استقالة منيرة فخرو.
يونس الهدار
عدتَ يا عيد...
عدت إلينا من جديد...
بنفحاتك النورانية، ونسماتك الإيمانية، بعبيرِ البهجة في كفيك، بسُحُب الرحمة في طيات عباءتك، بالفرحة البريئة تملأ وجهك الصَبِيح، بكل معاني الحب والسلام والجود والعطاء.
عدتَ يا عيد...
لم تخلف وعدك أو موعدك...
على رُغم الأسوار التي تحجبنا عنك، والحواجز في طريقك إلينا، والحدود التي تفصل بيننا.
عدتَ يا عيد...
عدت وما تهيأنا بعدُ لقدومك؛ ما أعددنا أنفسنا لاستقبالك، فمازالت الوجوه شاحبة، والعيون باكية، والضحكات ميتة، والفرحة مبتورة، والأحلام مسروقة، والآمالُ مشنوقة على جدرانِ انكساراتنا.
عدتَ يا عيدُ ومازال الأقصى في الأسرِ يئنُ، وبغدادُ تجاهد لتضميد جروح اغتصابها، وأمتنا تنعى حالها...
عدت ومازلنا غرباء في أوطاننا، غرباء في ديارنا.
عدتَ يا عيد...
عدتَ وفي القلبِ ما فيه من الأحزان، وفي النفسِ ما فيها من الهموم... تسكننا إحباطاتنا، وتكسرنا جروحنا، ويفرقنا شتاتنا... تظللنا غيومٌ قاتمة، تطاردنا أشباح القهر والهزيمة، يصاحبنا الأسى أينما كنا.
عدتَ يا عيد ونحن كما نحن؛ غارقون في فوضى الهزيمة.
وعلى رغم هذا كله...
أهلاً بك يا عيد
نقولها لك فرحين مستبشرين
سنفتح لك أبوابنا مرحبين، ونفتح قلوبنا ليتسلل إليها قبسٌ من فرحتك
سنحتفل بقدومك، ونعلقُ أوراق الزينة على الشرفات، ونضيء دروبنا بمصابيحك، لعلك تضيء قلوبنا برحمتك.
سنرتدي أزهى ثيابنا، ونأخذ زينتنا متوجهين لأداء صلاتك.
سنتبادل التهاني بقدومك، نتصافح بقلوبنا قبل أيدينا، نتعانق ليجري الدفء في صدورنا، نتزاور لنعمر بيوتنا بالمحبة والسلام.
سنصحبُ الصغار إلى الحدائق والمتنزهات، نمنحهم (العيدية) والحلوى، سنطلق العنان لضحكاتهم وضحكاتنا لتصبغ الحياة بألوانٍ جديدة.
وعندما يحين رحيلك يا عيد...
سنودعك وفي النفوس بقايا من أصداءِ ساعاتك القليلة، وشعائرك الجميلة، وفرحتك الغامرة.
سنودعك على أمل أن تعود العام المقبل في الموعد نفسه، وقد تهيأنا لاستقبالك.
أما الآن...
فنقولها لك بكل الفرحة والحب...
أهلاً بك يا عيد
أهلاً بك رُغم أنف الأحزان والهموم والآلام والجروح والإحباطات والانكسارات.
أهلاً بك رُغم أنفِ سارقي البسمات ومغتالي الأفراح وهادمي الأحلام.
أهلاً بك رُغم القبح المتغلغل في حياتنا
أهلاً بك يا عيد
أهلاً بك يا عيد
إسلام شمس الدين
العدد 1510 - الثلثاء 24 أكتوبر 2006م الموافق 01 شوال 1427هـ