العدد 3633 - الجمعة 17 أغسطس 2012م الموافق 29 رمضان 1433هـ

مساحة حرة - البحرين... المواطنة الحقة وثوابت التعايش

مواطنة أم وطنية؟ هل مجرد وجود أحدهما يلغي الآخر؟ وإلام نحتاج في البحرين؟ إلى وطنية أم مواطنة؟ وإذا كانت الأولى فمن أي طراز؟ وإذا كانت الثانية فمن أين تكون؟ ومن أين تنبثق قيمتها؟ هل من الوعي بها أم من حراكها النشط؟ وبذورُ أيِّ تعايشٍ علينا أن ننثرها ونتمسك بها اليوم أكثر من أي وقت مضى؟ لنحصد ينعها مستقبلاً في كل بقعة وزاوية وقرية ومدينة ودار ابتداء من أعلى نقطة شمالاً في خريطة البحرين وانتهاءً برأس البر جنوبا.

لاشكّ أنّ كلاً منا سينطلق في الإجابة على هذه الأسئلة من منطلق قناعاته ومواقفه وثوابته الشخصية والعاطفية والمبدئية, والتي إن اتخذت لها ضفافاً متعددة إلا أنها ستتلاقى عند مجرًى واحد, وهو حب ليل البحرين وصيفها القائظ ورطبها الجني ونفحات السرايات فيها والحفاظُ على مكتساباتها الوطنية التي حققتها الحكومة الرشيدة وشعبها الطيب على مدى عقد مضيء حفل بنوايا صادقة من جلالة الملك حمد حفظه الله ومساع دؤوبة من الحكومة الموقرة وإخلاصٍ ودعم متواصلين من هذا الشعب الوفي لتعزيز جهود الإصلاح والتعمير ونيل التطلعات الوطنية المشروعة.

ولكي نبدأ وفق مدخلٍ موضوعي يعنى بالثوابت المحلية والمتغيرات العالمية واستنطاق التاريخ البحريني للإجابة على الأسئلة التي تعرضتْ لها المقدّمة السابقة, لابدّ أن نؤكد جملة من المبادئ العامة:

أولاً: في سياق حركة المجتمعات المتقدمة وتحولاتها الديناميكية نحو الديمقراطية وتعزيز الحريات والحكم الرشيد, يبزغ مفهوم (المواطنة الصالحة) أو (المواطنة الفاعلة) أو (المواطنة الحقة) وتزداد الحاجة إليه أكثر من أيِّ وقت مضى, وخاصة عندما تصل العلاقة بين الدولة ببناها ومؤسساتها التنظيمية والفرد إلى طريق مسدود, أو عندما تتأجج فتنة هناك وينفخ البعض فيها مستغلاً ضعْفَ تلك العلاقة وتعقدَها.

ثانياً: وفقاً لتلك العلاقة (الفرد/ المواطن - الدولة/ المجتمع) يصبح الفرد خاضعاً - وليس خضوعاً قهرياً - لأنظمة المجتمع وقوانين السلطات الثلاث؛ التنفيذية والتشريعية والقضائية بوعيه وإيمانه بالأدوار المهمة التي تلعبها تلك السلطات لاستقرار الوطن وأمنه ورخائه, مع ما يقابل ذلك من اعتقاد راسخ للدولة بقيمة ما يتمتع به مواطنوها من ذكاء اجتماعي وعاطفي وسياسي غير محدود وكفاءات وأدوار لا غنى هي لها عنها وبقيمة الشراكة القوية التي تعقدها مع مواطنيها أولاً على الجبهة الداخلية قبل أيِّ شراكات أو تحالفات إقليمية أو عالمية.

ثالثاً: هناك قاعدة مهمة ينبغي علينا أن نلتفت إليها, وهي أن ليس كلُ وطنيٍ بالضرورة مواطناً مواطنةً حقة أو مواطناً صالحاً, والعكس صحيح فكلُ مواطنٍ صالح هو وطني بامتياز؛ فالمواطنة الصالحة أو الحقة أو الفاعلة هي من أعلى مراتب الوطنية بل تفوقها. وهذا بأيِّ حال أمرٌ لا ينكر العرفان لكل ما هو وطنيٌ أو حسٌ قومي أو ولاءٌ ووفاءٌ للهوية والتاريخ والرموز الوطنية. إن ما يميز المواطنة عن الوطنية هو انتقالها من حس العاطفة المشبوبة والانفعال الحميمي للأرض والقومية.

أما التعايش في البحرين فلن نكون من المقلين أو المزيدين فيه؛ فالتعايش مع مختلف الملل والأديان بين البحرينيين وأصحاب الذمم الأخرى حقيقة لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها. المشكل اليوم أننا كبحرينيين أصبحنا غير متعايشين ومتوادين مع بعضنا, كدنا أن نكون إخوان يوسف! إننا نحتاج إلى فقه التعايش بين ظهرانينا, - حتى وإن اختلفنا في الأفكار والآراء - وإلى تعايش يكون توأماً للمواطنة الحقة.

إن المحنة الأخيرة التي مرت بها البلاد تحتم ولادة مؤسسات مدنية جديدة تؤمن بمسئولياتها وتضع عينها على الشباب البحريني أمانةً في عنقها, وهيئاتٍ وأجندات حكومية تُراجِع سياساتِها باستمرار وتوظف خيراتها لصالح مواطنيها ورخاء شعبها – وهذا ما تتطلع إليه دوماً حكومة مملكة البحرين الرشيدة - وإيلاء البحث العلمي وخاصة في مجال الدراسات الثقافية والاجتماعية والإعلامية.

إيمان علي محمد أحمد

العدد 3633 - الجمعة 17 أغسطس 2012م الموافق 29 رمضان 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً