العدد 3633 - الجمعة 17 أغسطس 2012م الموافق 29 رمضان 1433هـ

مساحة حرة - الصحراء المغربية والخليج العربي تلاقح حضارة


علمونا بالمدرسة انه في العالم مدن متشابهة، مدن توأم، وعلمونا انه في العالم امتداد لثقافات تهاجر من منطقة إلى أخرى فتحمل نفس الموروث، فتنميه، وتخالط به الثقافة الجديدة، تنتج ثقافة متطورة أو مساوية للثقافة الأصلية.
عرف الناس بالصحراء المغربية باللهجات العربية الصحيحة، وهي لهجات تسمّى بـ "الحسانية" انتماء لقبيلة بني حسان المتواجدة بالجزيرة العربية التي هاجر منها من هاجر في ما مضى من الزمن في عهد الدولة المرابطية والموحدية إلى الصحراء، و توارث أهل الصحراء العادات التي نقلت معهم من شبه الجزيرة، اذ يتشاركون معهم في الحفاظ على الموروث الثقافي بما فيه الشعر، فإلى الآن، يتناقله الصحراويون رغم مؤثرات العولمة، حفظا ونظما، والأكثر من هذا وذاك، توجد مصطلحات مشتركة في تسميات مكونات الشعر، كقولهم: الطلعة، وقولهم القاف...، كما أن مواضيعه تنصب في قالب الرثاء، الغزل، المدح، الهجاء...
ويتشارك اهل الصحراء مع ابناء الجزيرة في الفاظ غير محصورة، لذلك تجد الصحراويين يفهمون اللهجات الخليجية بسرعة خاصة البدوية منها، بل يتداولون معجماً من نفس الجدر اللغوي كقولهم: اشحالك، اشكيفك، هلا وسهلا، ومن فم، تطنز، وشين، بكر بفتح الباء بمعنى قام باكراً، يلهف، بغيت... بل انهم يلتقون في اسماء الجمال على اختلاف مراحل نموها (البكرة، الحوار، المعشر، البيض، الشية، البعير...) حتى تلك الاصوات المتداولة لأهل البادية لشد الانتباه او لمخاطبة القطعان الغادية من الجمال والغنم هي نفسها تتداول في الصحراء.
وفي الصحراء المغربية المرأة شبه مقدسة، لا تمس ولا تهان، تكرم في بيت ابيها، وتعزز في بيت زوجها، لا يعتدى عليها بالعنف الجسدي ولا المعنوي، لا تضرب ولا تسب، وقد تطلق بأمر من العشيرة والاهل فقط من اجل "سبة "، مهرها يرتفع كلما تطلقت، ليس حباً في الطلاق ولكن مسانده نفسية لها، واعترافاً لها بانها تجربة تستحق العون النفسي، ورغم هذا يعد الطلاق من انكر الامور، ولكن واقعيته تستوجب تقبله واحتواء الحالات الناتجة عنه بالدعم، ولهذا فإن نسبة العنف ضد المرأة في الاقاليم الجنوبية شبه منعدم.
في الصحراء المغربية المجتمع يسمى مجتمع البيضان، وسمي بذلك لأن الناس من البيض، ولأنهم معروفين بالكرم، ولأنهم كانوا أسياداً للعبيد السود في عهد العبودية، بما انهم اشراف القوم وأغناهم، ومنه فإن الزواج من السود كان مرفوضاً تماماً، وأصبحت العادة تحكم المجتمع بكامله، وامتدت هذه السنة الى زمن العولمة، الا بعضا من التمردات القليلة التي اصبحنا نلامسها في ما تأخر من الزمن، لكنها تجر مشاكل عديدة بين الناس وهو امر لا يزال سائدا في بعض المجتمعات والقبائل الخليجية بما في ذلك السعودية والامارات، على غرار القبائل الصحراوية.
إن هذا التلاقح يرصد مجتمعين بعيدين في المسافة، قريبين في العادات واللهجات، وهو امر موجود بين ما تفرق من الناس في بلاد العرب، اذ يعرف ان هذا الطابع الصحراوي القبلي موجود في قبائل لها نفس الجذور في كل من مصر وليبيا، وقد تكون عادات موجودة، في تونس شبيهة بأخرى في الكويت وهلم جرّا...، ويبقى الوطن العربي لحمة واحدة بعروبته الأهم على الاطلاق، بعيداً عن الطائفية والقبلية، وبدين الاسلام وعزة المسلمين والعرب بشكل عام، وبقوة لغتنا العربية.

مينة هنيئا
 

العدد 3633 - الجمعة 17 أغسطس 2012م الموافق 29 رمضان 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً