العدد 3633 - الجمعة 17 أغسطس 2012م الموافق 29 رمضان 1433هـ

أنت المنى.. وغاية المنى

أحبتي القراء، الحب حاجة أساسية فطرها الخالق في قلوب الموجودات لغرض حكيم، فما وجودنا إلا لاشتياق الله إلى إيجادنا، ذلك أن الفعل الإلهي يتركب من التصور والتصديق والاشتياق والفعل، وهذا الاشتياق هو مقدمات الحب. فما هو الحب؟ هل جرب أحدكم الحب؟

الحب أرق نسمة وأندى إحساس وأجمل أفق.. الحب ليس له نهاية لأن الله مطلق الكمال.. يهيم بك في عالم خاص.. يخدر حواسك.. تتصاعد معه سكرة الاشتياق التي لا صحوة منها.. الحب رعشة حنين وبسمة انشراح ولهفة جياشة ملهمة للابتكارات.. الحب هو دافع المعنويات ومحرك الجوارح.. فالرئتان من غير عشق لا تتنفسان.. والقلب من غير حنان المعشوق لا ينبض.. والعين من غير قدرة المعشوق لاتبصر.. والجسد من غير قوة المعشوق لا ينهض.. الحب هو الذي يضخ الحياة والرواء والنماء.. بيد إنه دافع للاطمئنان والسلام والوئام.. لكن الحب دفء وقبلات واحتضان.. غير أن الحب ارتياح وسعادة خالدة.. الحب إحساس جميل متنامي.. الحب فراق ووصال.. دموع وصور وآمال.. الحب هو أن يتعرض العبد لأعظم الإبتلاءات وشتى الأحزان فيقول: «ما رأيت من الله إلا جميلاً».. الحب سماء من يستضل بها لا يتيه.. وماء من يرتوي به لا يضمأ.. الحب شلال من الأمل من يغتسل به لا ييأس.. الحب شمس تلهمنا الدفء والنور.. وقمر يرشنا بالحنين في الليالي الساجية فيبللنا بالدموع.. الحب هو أن يقدم العاشق كل غالٍ ونفيس لديه ويقول لمحبوبه: «خذ يا رب حتى ترضى».. إذا أشرق حب الله في قلبك ماتت الأنا وبقي الله.. فتلونت حياتك بالمسرات.. وانمحقت عن قلبك كل الأحزان.

وأما الطريق إلى الله فيعتمد على العلاقة الوثيقة بين النفس والغاية.. فالغاية هي الله والنفس هي الطريق للغاية.. فمن عرف نفسه وزكاها وصل للغاية فلا يضل ولا يشقى.. وكانت علاقته إيجابية.. ومن جهل نفسه وهملها ضل عن الغاية.. وإن له معيشة ضنكاً.. فكانت علاقته سلبية.. نسوه فأنساهم أنفسهم.

وقد ميز الله الإنسان بالعقل والاختيار ليقرر طبيعة لقائه بالمحبوب.. فإن اهتدى لفطرة الحب ونماها لقى الله بالصفات الجمالية.. وإن ضل عنها وطمسها لقى الله بالصفات الجلالية.

يا ابن آدم.. لك رب يناجيك: «عبدي أنا وحقي لك محب فكن لي محب».. لك رب يتحسر عليك: «يا حسرة على العباد».. لك رب يتقرب إليك: «من تقرب إلي شبراً تقربت له ذراعاً، ومن تقرب إلي ذراعاً تقربت له باعاً، ومن أتاني مشياً أتيته مهرولاً».. لك رب يتحبب إليك: «خيري إلى العباد نازل وشرهم إلي صاعد، أتحبب إليهم بنعمي وأنا الغني عنهم ويتبغضون إلي بالمعاصي وهم أفقر شيء إلي».. لك رب يناديك إليه ليحتضنك: «من أتاني منهم تائباً تلقيته من بعيد، ومن أعرض عني ناديته من قريب، أقول له: أين تذهب؟ ألك رب سواي؟»

فهل سمعتم بأحد عظيم كريم عطوف لطيف رفيق حنون محب قريب مجيب جميل مثل هذا الرب؟ ما أعظمك يا الله.. أنت المنى وغاية المنى.

فاطمة حسن سلمان الزاكي

العدد 3633 - الجمعة 17 أغسطس 2012م الموافق 29 رمضان 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً