العدد 3633 - الجمعة 17 أغسطس 2012م الموافق 29 رمضان 1433هـ

مساحة حرة - الإنسان ومحيطه

منذ فجر الخليقة والإنسان يريد أن يتواصل مع المناخ المحيط به، وهكذا يتبلور ضمن المجتمع ويتخذ حيثيته الخاصة ومقعده الخاص بين الناس، ويؤمن لنفسه موطئ قدم على طريق الحياة، ومن الملحوظ أن الدنيا تضج بالخطوب والأحداث يوماً بعد يوم، لحظة بعد لحظة؛ فكانت الحروب، وقامت الدول والإمبراطوريات والإنسان يتخذ مواقفه منها؛ ضدها، معها، أو على هضبة الحياد!
فما هو الحياد؟
الحياد قد يكون موقفاً يلتزم به الإنسان، وهو الخط الفاصل بين الضدية وبين المؤازرة؛ فالمحايد ليس ضد أحد، وليس مع أحد -من المتنازعين- ولكن الإنسان يمتلك منظومة من القيم، أشبه بموسوعة مرجعية يعود لها عند الحيرة، تتضمن المنطلق الفكري الذي يجده الإنسان صيغة المنطق في حياته، وهو (المنطق) نواة لعدة مبادئ وقواعد، مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالتاريخ، والفلسفة، والدين، والعلم، والاستراتيجيات، والحيثيات، والسياسة، وهذه المنظومة تحفزه لأخذ مواقفه من الأحداث، وهي تكون أشد صلابة وقوة عندما يكون الإنسان مثقفاً، ولكن البعض يُحاطون بالضغوط من كل الجهات، فيتخذون الحياد، وآخرون يحتارون فلا يختارون إلا الحياد حلاً منصفاً.
ولكن الإنسان المنصف لا يحيد دائماً وإلا فيكون قد انتهج النأي بالنفس في التجاوب مع كل الأحداث، لأن بعض الرزايا في العالم واضحة وضوح الشمس، والوقوف ضدها أو معها يلصق عاراً بمن يحمل في طيات شخصيته منظومة متزنة تأخذ القيم بعين الاعتبار، والإنسان الحر لا يخضع للتيارات والتفكير الجمعي، والنهج العصبي، ولا يصنف نفسه ضمن أهل العنجهية والتحيز الفئوي، إنما يتخذ قراراته مستنبطاً إياهاً من هذه المنظومة.
وهذه المنظومة مهما كانت شاملة فلا بد للإنسان أن يغذيها، والموضوع بسيط جداً، بل وشبيه بالرياضة، فلكي يحسن الإنسان من حاله الفيسيولوجية فلا بد له من ممارسة الرياضة باستمرار، والأمر كذلك يتعلق بالروح والعقل...
لدى الإنسان طاقات ثلاث؛ وتشكل الروح الهالة العظيمة المحيطة بهذه الطاقات، يليها العقل، ثم القوة الفيسيولوجية؛ ولكل قوة غذائها، فبالنسبة للجسد، ممارسة الرياضة، وبالنسبة للعقل، يكون غذاؤه المعرفة والعلم، وأما عن الروح، فغذاؤها الدين ومعرفة الله والتفكر في خلقه.
ولكن عائقاً معرقلاً لتحرير هذه الطاقات يدعى"الغريزة"، واتباعها ينبع من رغبة إشباع الشهوة، ومن أراد إشباع شهوته ولهث وراءها تقيد وصار كالحيوانات، ويستطيع الإنسان أن يصقل قواه إذا تمكن من القضاء على الشهوة والغريزة، فإن تمكن من ذلك فقد صار إنساناً حراً، وإن لم يستطع وعاش حياته طلباً لإشباع الشهوة صار كالأنعام بل أضل سبيلاً، والله تعالى قد منح الإنسان القدرة على الاختيار، فهو مخير لا مسير، هو يختار ما يكون إما شاكراً وإما كفوراً.
الإنسان بالفعل معجزة، النظرة له بعين النحل تعود بانطباع غريب! فيه الجموح، فيه الإيمان، فيه العشق، فيه البغض، فيه الصفاء، فيه النقاء، فيه الكدر! تكتظ حياته بالمفارقات والتناقضات؛ هذا لأن الإنسان نسج من القوى المختلفة، ففيه قواه، وحوله المجتمع وقواه، وحوله التيارات، تجذبه ويجذبها، محيط الإنسان منطقة خطرة جدا! قد تملؤها الألغام والمصائد المخفية تحت الابتسامات والخدود المتوردة، وكذلك هو المجتمع، مليء بالنقاط التي يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار، المجتمع يستحق التطوير، ولا خير به ما دام يكتظ بالمثالم ولا يواجهها ويقضي عليها، ولا يقتصر الإصلاح على المجتمع وحده، بل على ذات كل فرد؛ فالإنسان عبارة عن وحدة بنائية للمجتمع، واستصلاحه يعني استصلاح المجتمع المحيط به. فهل سيتطور الإنسان ومحيطه أم سيستمر على حاله؟ هذا سؤال يجيب عليه الزمن.
حسين علي عبد الرزاق العرادي
 

العدد 3633 - الجمعة 17 أغسطس 2012م الموافق 29 رمضان 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً