العدد 3645 - الأربعاء 29 أغسطس 2012م الموافق 11 شوال 1433هـ

من الماركسية الأممية إلى الطائفية الأممية

جعفر الجمري jaffar.aljamri [at] alwasatnews.com

-

في موضوع الطوائف الذي نتجاهل ونناور ونستبدّ في نسيانه. في موضوع الطوائف التي تُحوّل الأوطان إلى مستودعات للديناميت لا تحتاج سوى إلى تسخين أو تحريك أو استثارة التاريخ كي تتحول الأوطان إلى أثر بعد عين؛ هذا إذا كانت هنالك عين أساسا!

في مرض الطوائف والطائفية والطائفيين. مرض العصر وداء المرحلة العصيّ على العلاج مادام برعاية دول بأجهزة استخباراتها ومنابرها الدينية الموجّهة وحتى وزارات شئون البيئة والاستثمار!

في كوارث الطوائف التي تحوّلت إلى دول يتم نسيان انهيار أمم ودول للطوائف عمّرت لقرون في قلب دول الحضارة الأوروبية اليوم. ما أبادها وعمل على انهيارها هو ذلك الحس الشيطاني البغيض المضاد للفطرة والمضاد لحق الإنسان في أن يعتقد ويؤمن ويمارس اعتقاده وإيمانه في احترام لاعتقاد وإيمان الآخرين من دون أن تُنزّل عليه الدولة - أي دولة - مرسوماً بخريطة الإيمان بعقيدة وخريطة طريق إليها دون اخرى؛ وخصوصاً العقيدة التي تراها حقاً ولا حق قبلها أو بعدها. وذلك خلاف الفطرة وافتئات على الناس في خياراتهم وحين تنعدم خيارات الناس في الاعتقاد لا خيارات يمكن أن تعوّضهم ما يجبر كسر حقهم المُصادر مهما بلغت في خبثها ومناورتها وإغرائها أو حتى تهديد أو قمع أو سحل المختلفين معها.

الأخطر من كل ذلك هو شيوع وارتفاع نبرة الطوائف عبر اختزال الأوطان من خلالها. ترى أنها واجهات لها ومضامين أيضاً. أن تكون الطائفة هي الوطن والوطن هو الطائفة. تلك مشروعات تفتيت واضمحلال ذاتي طال الزمن أم قصر تُصدّر بها تلك الطوائف مفاهيمها المغلوطة والساذجة والموتورة أيضاً قبالة ما عداها من مكونات وطوائف لا ترى ما ترى ولا يمكن أن تنسجم مع منظورات وتقعيدات للكارثة على تلك الدرجة من الانتحار والنهايات.

تاريخ طويل وممتد من الآلام يكاد لا ينتهي من محاولات اقتراح طرق القتل والإبادات والمحو بسبب اختزال شيطاني كذاك؛ بسبب موتورين من الحياة في حركتها الطبيعية والفطرة التي هي ميزان تحكّم في الطبيعي من تلك الحياة. مثل ذلك التاريخ الذي يحاول موتورون تمثّله والاقتداء به وهم يزعمون أنهم حمَلَة لواء المستقبل لن يقدّم لهم إلا مزيداً من العبث ومزيداً من اجتراح واختراع طرق الجنون والنهايات. النهايات التي لن يتمكنوا من العثور على ما يدل عليهم أو ما يدل على أنهم كانوا في يوم من الأيام من سكّان هذا الكوكب المبتلى بأمثالهم.

ولا يجدنّ أحدكم في القول: إن الذين لا يؤمنون بإله أساساً باتوا اليوم في ارتداد كاريكاتوري من دعاة الطوائف والداعين إلى رفع ألويتها في كل محفل حتى في محافل الختان ضمن دائرتها السرية والضيقة والخاصة. تنقّل بين الأممية - ماركسياً - باتت المرحلة تتطلب أممية طائفية. كأن الأصوليين الماركسيين استبدلوا قواعدهم وخياراتهم والنظرية التي حكمتهم ردحاً من الزمن بقواعد الأممية الطائفية التي تتسلل كلما برز احتجاج وجأرت مجموعات بالشكوى من التعامل معها باعتبارها فائضاً بشرياً يجب التخلص منه. أوروبا نفسها حين ابتليت بذلك الداء ظلت عنواناً عريضاً وشاهداً على التخلف والتفكّك ومحاولة تجاوز نموذجها من قبل ذوي العقل ومستثمري العِبرة. لم تُنجز أوروبا وقتها ما يمكن أن يُستدلّ به أو عليه. أنجزت فقط شواهد مرعبة من برودة الدم في الإبادة لمجرد الاختلاف في فهم الدين والطريقة التي يتم التعبد بها.

لا يمكن أن يتسق أي مشروع حضاري عنوانه العريض والرئيس الإنسان مع مشروعات طائفية تحصر الإنسان في المنتمي إليها وتحصر الإيمان في إيمانها والولاء في ولائها والقيم في قيمها والمعنى في معناها والتصدّي للأدوار في أدوارها والمعرفة في معرفتها الضحلة والموُجّهة.

تمت ممارسة الذبح ضد شعوب هذه الأوطان لقرون ممتدة من تاريخ ليس بريئاً ولا يملك أحد الحجّة على براءته إلى حاضر يمعن في مزيد من تعميق تأكيد عدم البراءة تلك وتأكيد فظاعات تتم ممارستها كما يمارس أحدهم التريّض في مدى وُهب له تقديراً لأداء أدوار ليست بريئة هي الأخرى!

حَدّدوا لي دولة طائفية أو جماعات طائفية أو تكتلات طائفية صنعت ما يدل على الحياة. إنها قادرة فقط على صناعة الموت بأشكاله وصوره وهيئاته وكمائنه المتنوعة والمتعددة. قادرة على إرجاع كل مكتسبات الإنسان إلى حيث العدم وإلى حيث النسف وإلى حيث المجهول الذي يُرفع لواءً اليوم في الطريق إلى المستقبل. المستقبل الذي لا ولن يجيء. في الغابة وكواكب بعيدة عن ممارسة الإنسان لدوره الطبيعي بفطرته وحسه يمكن لدعاة الطائفية ومجاميعها أن يقيموا تجمعاتهم في تجانس مع انفلات الحس واضطراب الفطرة مع ذلك الحيز. على هذا الكوكب ووسط بشر إما أن تكون إنساناً يدرك مسئوليته ودوره وقيمة وحرمة حقوق سواه؛ وإما أن تكون حيواناً شرساً يجب الحجْر عليه، وإيداعه البيئة الطبيعية التي ينتمي إليها، ذلك إذا قبلت تلك البيئة عضويته في ناديها!

إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"

العدد 3645 - الأربعاء 29 أغسطس 2012م الموافق 11 شوال 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 6 | 8:26 ص

      الطائفية تحدث شرخا

      هذه الطوائف أصبحت حبلى وولدت طوائف منتشره ولا هم لها إلا تفسير الأحلام وغيرها صار همه تحقيق الاحلام كما أن البغض منهم بحاجة إلى تربيه وتأهيل بعد أن بلغ أرذل العمر

    • زائر 5 | 7:19 ص

      يافرعون من فرعنك قال ماحد ردني

      الأسف كل الاسف ان الذي يشعل ويؤجج كل هذه البلاوي تجده يتصدر المشهد . تجده أول المهرولين لأحداث المزيد من الجيوب الخبيثة للنيل من الامة الاسلامية بطرحه فتجده يفصل بمقايس بعيده عن الواقع ولا يسلتهم او يستشرف من ويلات ما مضى على الامم من الطائفية سواء هنا او في الامم الاوربية وغيرها .

    • زائر 4 | 1:37 ص

      الطائفية

      أداة لتحطيم الدولة المدنية الحديثة ، أنها (الطائفية) عقيدة وأسلوب ومنهج العصابات والحرامية وقطاع الطرق ..أنها الأنهيار الحقيقي نحو مجتمع التخلف والظلام والانحطاط وتمزق المجتمعات والدول...

    • زائر 3 | 12:53 ص

      من يفقه ويعي!

      موضوع رصين في فكرته، وجميل في تناوله حيث ركز الكتب القدير على آفة نخر المجتمعات والامم، الا وهي الطائفية وانتهاز الطفيليين المتلونين تبعا لمصالحهم الضيقة وادعياء الثقافة والفكر هذه المرحلة لبث سمومهم شكرا لك اخي الكريم ولكن من يعقل ويفقه ويعي خطورة اللعب بهذه النار؟!

    • زائر 2 | 12:33 ص

      مشكور

      في بعض الكلمات صعبه
      مالها داعي كان

      لكن مقال مفيــــــــــــــــــــــد وينطبق على مجتمعنا

    • زائر 1 | 10:40 م

      مفردات صعبه ومعقده تستخدمها

      وايد عندك مفردات صعبه
      في المقال

      والله يبعدنا عن الطائفيه والفتن

اقرأ ايضاً