العدد 3682 - الجمعة 05 أكتوبر 2012م الموافق 19 ذي القعدة 1433هـ

كيف يتفاعل الطلاب مع الأحداث الجارية... قضية القدس نموذجاً

منصور القطري comments [at] alwasatnews.com

كاتب سعودي

قرر ذلك المعلم في مدرسة الأغنياء (أبناء الذوات) أن يفرض على الطلاب موضوع إنشاء (تعبير)، فأمرهم أن يكتبوا عن موضوع الفقر، فكتب أحد التلاميذ من طبقة الأغنياء الارستقراطيين: كان يا ما كان في سالف العصر والزمان أسرة فقيرة، الأب فقير والأم فقيرة والأولاد فقراء، حتى السائق فقير، وطباخ الأسرة فقير، والشغالة التي تخدم الأسرة فقيرة، وحارس المزرعة فقير..!

دعابة محزنة لكن هكذا تفعل الأسوار المغلقة على فكر التلاميذ. والسؤال هنا: ماذا سيكتب طلابنا لو أمرهم المعلم بالكتابة عن قضية القدس؟

في الحقيقة هناك أدوات كثيرة لجعل قضية القدس حاضرة في وجدان الأبناء، لكننا سنقصر الحديث على آليتين: المنهج المدرسي، والإعلام ممثلاً في الفيلم الكرتوني.

المناهج الدراسية في وطننا العربي آلة تفريخ معزولة عن النسيج الاجتماعي، حيث يظل الطالب يشعر بأن المدرسة موقع جامد للمعرفة يقبع فيه ساعات طويلة يوميّاً ويدرس لسنوات عدة؛ فيمتلئ بكم هائل من المعلومات النظرية داخل فصل محاصر بأربعة جدران وخلف سور عال لا يرمز فقط لغربة المكان وإنما يرمز أيضاً لحالة من العزلة بين المدرسة وبين الواقع الاجتماعي.

وإذا استخدمنا أدوات الباحث في ميدان الأنثروبولوجيا الثقافية؛ فإننا نستطيع اعتبار أسلوب تعامل أي شعب من الشعوب مع قضاياه الوطنية يقع ضمن ما يعرف بالثقافة المقنعة (Cover-Culture)، فهي عبارة عن مجموعة من القناعات وراء أنماط السلوك والتفكير بمعنى أنها تجسد التصور القائم خلف تلك المسلمات.

وقد نستعين هنا بتصنيف "ألف لنتون" في الأبعاد الثلاثة للثقافة: أولاً الجانب المادي، والثاني أنماط السلوك الظاهرة، والثالث الذي يتضمن المعرفة والقيم والاتجاهات المشتركة بين الأعضاء. ويؤلف الجانبان الأول والثاني الثقافة الظاهرة، بينما يعبر الجانب الثالث عن الثقافة المقنعة. والمدرسة حاضنة عظيمة للقيم وأداة مهمة لغرس الثقافة التحتية لقضايانا الوطنية، وأبرز هذه القضايا على الإطلاق قضية القدس.

ولعل أبناء جيلنا يتذكرون كيف أن "ريال فلسطين" الذي غرسته المدرسة في الماضي علمنا كيف نتقاسم الرغيف مع إخواننا في فلسطين المحتلة، وهي تجربة وطنية لاتزال حاضرة في الوجدان. يقول الشعر: "إن الشق وسط حبة القمح يرمز إلى أن النصف لك والنصف الآخر لأخيك".

المدرسة العربية يمكنها أن تتحرك ضمن النسيج الاجتماعي بقاعدة "فن الممكن"، كأن تقترح برنامجاً معرفيّاً تحت عنوان: "القدس في قلوبنا"، كمدخل للولوج إلى العالم الثقافي والمعرفي للطالب. فالأخبار والأحداث التي تسيطر على الرأي العام العربي والإسلامي متعددة وفيها ما يخص القضية الفلسطينية بما تحمله من صور بشعة ودموية وحصار مؤلم لأهلنا في فلسطين المحتلة. هذا البرنامج المقترح يجب أن يتضمن أسساً وضوابط على أن يقدم للطلاب أثناء الحصة المدرسية أو خارج حدود الزمن المقرر للدراسة، بحيث تتوافر له آلية للتنفيذ من خلال التنسيق والتشاور المسبق مع المعلم وإدارة المدرسة.

ويفترض أن يتضمن برنامج "القدس في قلوبنا" أهدافاً ووسائل مقترحة فيكون البرنامج بمثابة الجسر الذي يربط الطالب بالحدث باعتبار أن المدرسة تشكل معياراً أخلاقيّاً وإسهاماً ثقافيّاً باذخاً في مختلف مناشط الحياة. وإذا اقتنعت المدرسة بهيكل الفكرة؛ فيمكن بعد ذلك أن تغذيها وتكسوها شحماً ولحماً عبر الحوار مع أصحاب الرأي والفكر التربوي النير.

أما البعد المتصل بقوة الفيلم؛ فإن هذا العصر هو عصر التخطيط المنفتح على عالم الحياة، فمن المعلوم أن المؤسسة الإعلامية في أنحاء العالم استطاعت أن تحتوي التلاميذ، بينما وقفت المؤسسة التربوية لدينا عاجزةً مشلولةً لأن المرئي أقوى.

على سبيل المثال، نجح اليابانيون في نشر لعبة كرة القدم عن طريق مسلسلات الرسوم المتحركة (كابتن نوباسا) الذي ظهر العام 1981 وهو المعروف في العالم العربي باسم "الكابتن ماجد". جاء المسلسل بعد دراسة شاملة لاتجاهات الشباب الياباني الذي كان يكره أو لنقل لا يعرف شيئاً عن كرة القدم. لكن المؤسف أن الأسرة العربية تفاعلت مع المسلسل (الكابتن ماجد) كمصدر للتسلية فقط، وكانت تشتريه كما تشتري العلب الجاهزة من السوبرماركت.

اليابان وعبر هذه الآلية الثقافية الخطيرة (الفيلم) استطاعت أن تجعل من كرة القدم لعبةً شعبيةً محبوبةً، ويلاحظ الناس الآن على مستوى العالم، كيف تفوق الفريق الياباني كروياً. بل إن اليابانيين ذهبوا في المرحلة الحالية إلى أبعد من ذلك، حيث بدأ مسئولو الاتحاد الياباني لكرة القدم في التعاون مع الجهات الإعلامية من أجل إنتاج شخصية كرتونية جديدة تهتم بنشر لعبة كرة القدم في الأوساط النسائية باليابان. وقد كان أول افتتاح رسمي لهذه الشخصية في مؤتمر صحافي في العاصمة طوكيو بحضور اللاعبات اليابانيات في نهائي كاس العالم للسيدات العام 2011 بألمانيا.

على المستوى العربي؛ هناك تحولات في الخفاء لطمس قضية القدس، واعتبارها قضية تخص الفلسطينيين فقط. فقد تمت دراسة مقارنة بين بطل مجلة "سمير" في فترة الحرب الممتدة بين (1967 و1973) وبطل المجلة نفسها في فترة السلم الواقعة بين (1979 و1985)، فوجدت الدراسة أن شخصية الإنسان العربي (البطل) في الفترة الأولى تتسم بالوضوح، فهو رجل شجاع حارب عدوه الإسرائيلي وانتصر عليه العام 1973، لكنه غير واضح الانتماء في الفترة الثانية، فهو أجنبي في المقام الأول، ونادراً ما يكون عربيّاً في المقام الثاني! إضافةً إلى أنه مسلٍّ ويضحك الأطفال وبوليسي ورياضي، لكنه قلّما يهتم بقضاياه الوطنية أو أمور الدين والعلم.

المشاريع الاعلامية اليوم للأسف، لا تقوم على منهج علمي أو تتكئ على جهد ودراسات بحثية عميقة، بل باتت المشروعات سطحية كإطلاق قناة تلفزيونية، والذي لا يتطلب سوى حفنة نقود لتضمن حيزاً في قمر اصطناعي عربي أو غربي. وهذا المشروع لم يعد حكراً على الحكومات والدول بل أصبح متاحاً للمؤسسات والأفراد. وقد يقتصر الأمر على توافر مكان صغير حتى لو كان "شقة متواضعة" تستوعب أجهزة التصوير، وتسمح بتبادل شرائط تعرض تلقائيّاً أو تقنية بث لمتحاورين على منضدة يواجهون آلة التصوير، ولن نتحدث عمّا يقال في هذه القنوات!

رسالة "القدس في قلوبنا" واخزة، وتنحاز إلى رفض مشروع إهمال القضية وتشتيت الانتباه الى قضايا هامشية: فكل بوصلة عربية لا تشير إلى القدس مشبوهة.

إقرأ أيضا لـ "منصور القطري"

العدد 3682 - الجمعة 05 أكتوبر 2012م الموافق 19 ذي القعدة 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً