العدد 1 - الجمعة 06 سبتمبر 2002م الموافق 28 جمادى الآخرة 1423هـ

النقابات لم ينته دورها

تقول إحصائية صدرت عن منظمة العمل الدولية في مطلع تشرين الثاني (نوفمبر 1997) أن عدد أعضاء النقابات في العالم قد انخفض إلى النصف في السنوات الخمس الماضية، وأن معدل العضوية في النقابات أصبح قرابة العشرين في المائة من مجموع العمال والموظفين. وهذه الإحصائية قد يفرح لها أولئك الذين سعوا ويسعون لحرمات العامل من حقه النقابي. ولكن نظرة متأنية حول بعض الأسباب وحول مستقبل العمل النقابي قد تعطينا صورة أخرى لا تفرح الساعي لحرمان الناس من حقوقهم.

لقد ساهمت النقابات في إنقاذ ملايين العمال في العالم ولأكثر من مائة عام من حالة البؤس والحرمان والاعتداء على حقوق أولئك الذين اضطرتهم لقمة العيش لممارسة العمل العضلي الشاق. كما ساهمت النقابات في تطوير عملية التنمية والاقتصادية التي مكنت الدول الصناعية الكبرى من تحقيق مستويات معيشية لمواطنيها وحمتها من انفجار الغضب بصورة ثورية تهدد أركان أنظمتها السياسية. والنقابات مارست دورها الريادي في تطوير وعي العمال بحقوقهم وتطوير قدراتهم الفنية لمستويات لائقة، وتحسين المعيشة بما يحقق عدلا اجتماعيا يضمن للنظام عدم قيام ثورة ضد الحكم، من خلال الضغط باتجاه تطوير الأنظمة السياسية. والنقابات كان لها دور فاعل في تغيير الأنظمة السياسية التي أبت التغيير أو التطوير. ففي بولندا الشيوعية قادت نقابة التضامن النضال الشعبي في الثمانينات ومهدت لسقوط نظام قام على منطق القوة. وكذلك في العالم الغربي. فقد كان إضراب عمال مناجم الفحم في بريطانيا هو الذي اسقط حكومة أدوارد هيث في منتصف السبعينات.

ولكن هناك تغييرات اقتصادية – اجتماعية حدثت خلال العقود المنصرمة. فنسبة الأيدي العاملة مستمرة في الهبوط بسبب هبوط قطاع التصنيع وانخفاض أثره على الدخل القومي للبلدان. ويتوقع العديد من المفكرين والمحللين أن تستمر نسبة الانخفاض بين العمال (الذين يبذلون جهدا عضليا) من وضعها الحالي إلى قرابة الـ 10% أو أقل من ذلك خلال العقود القادمة. وقد يصبح عدد العمال وأثرهم مماثلا لعدد الفلاحين وأثرهم في المستقبل فعندما كانت المجتمعات تعتمد على الزراعة أكثر من أي شيء آخر كان الفلاحون يمثلون نفوذا كبيرا. أما الآن فهم يتراوحون في تأثيرهم على الدخل القومي بمعدلات صغيرة تدور حول الخمسة في المائة.

والعمال ونقاباتهم قد تأثروا بظاهرة ضمور تأثير القطاع الصناعي المعتمد على الأيدي العاملة الكثيفة، ولكن مؤسسات القطاع العام كانت قد عوضت عن قلة الأيدي العاملة كم خلال دخول موظفي المكاتب (الذين لا يمارسون جهدا عضليا) في النقابات. إلا أن الجهد الحثيث للحكومات في العالم باتجاه التخصيص يعني أن الخاص بدا يزحف على مؤسسات القطاع العام ويفرض نظام السوق (في الفصل والتعيين) على تلك المؤسسات.

ولكن نظام "السوق" وعولمة التجارة بحد ذاتها تدفع باتجاهات أخرى. فالمؤسسات الاقتصادية المعتمدة على السوق ستبقى في السوق المحلي والعالمي شريطة أن توفر السلعة أو الخدمة بصورة تنافسية شديدة والتنافس في الأساس هو لكسب الزبائن المحليين والعالميين الذين بدأوا يتذوقون ويختارون بدقة ممن يشترون. وأصبح هناك نمط تجاري وثقافي يلتزم به الزبون المحلي والعالمي. فالاتجاه هو لتحصيل تلك السلعة وتلك الخدمة التي تستحق سعرها، بالإضافة لتوفير تلك الخدمة وتلك السلعة حسب مواصفات الجودة العالمية المعترف بها والتزام مصدر السلعة بضوابط ثقافية أصبحت عالمية. فإذا كان المصدر يستخدم أطفالا صغارا من أجل جني الأرباح فإن جماعات الضغط والمؤسسات غير الحكومية وبعض المؤسسات الدولية بالمرصاد. وإذا كان المصدر للسعلة والخدمة يلوث البيئة أو ينتشر لأمراض أو يستخدم المواد العاطبة أو تلك التي تؤثر على الإنسان على المدى البعيد، فلة الويل من الملاحقات القانونية والمقاطعات الدولية. بمعنى آخر، فإن النقابات أدت دورها وساهمت في نشر هذا الوعي العالمي وحصنت المستخدمين في انتاج السلعة والخدمة كما حصنت الزبائن والمستهلكين.

والأكثر من ذلك، فإن الذين تعتمد عليهم الشركات المحلية والعالمية لم يعودوا أولئك الذين يمارسون جهدا عضليا بالأساس وبالتالي يحتاجون لمن يعبر عنهم أمام أصحاب المال والسلطة. وإنما هم الآن مجموعات تزداد مع الأيام تعتمد في الأساس على الجهد الذهني في خلق الثروة.

ولهذا فإن المفكرين بدأوا يطلقون مسميات جديدة على الأشخاص الذين يبذلون الجهد الذهني. فهناك التسمية التي اقترحها أحد المفكرين وهي "Knowledge Worker ".

أن الاقتصاد الذي يخلق الثروة في العالم المتطورة أصبح يسمى " Knowledge - based " بمعنى انه يعتمد على خلق المعرفة المطلوبة لتوفير الخدمات. ويصر هؤلاء على أن سلعا مثل السيارة تنتج حاليا بواسطة بواسطة الجهد "الذهني" الذي يمثل 70% بينما بمثل الجهد العضلي النسبة القليلة الباقية.

وهذا يعني أن الجهد الذهني والشخص المجتهد ذهنيا ومعرفيا " Knowledge Worker " أصبح الأساس. وهؤلاء بإمكانهم التأثير والضغط على أصحاب المال والسلطة فيما لو قرروا الانسحاب من عملهم لأي سبب من الأسباب.

وهؤلاء يضغطون لمشاركة أصحاب المال في السلطة والنفوذ، وإذا لم يفسح لهم المجال، فإنهم يكونون شركاتهم الخاصة بهم كما فعل ويفعل أكثر من وصلوا إلى القمة في الشركات العالمية الجديدة مثل "بيل غيت" مؤسس شركة ميكروسوفت.

هذا التوجه أصبح عالميا والنقابات مارست دورها في مجالها المعين. وهذا الحديث ينطبق على الدول المتقدمة التي حققت تقدمها، أما نحن في بلاد الصمت والحرمات السياسي فلا زلنا بحاجة لنقابات يسمح لها بالنشاط لكي تطور قدرات مسلوبي الإدارة وتدافع عنهم أمام القلة المسيطرة على مقدرات البلاد والعباد.

العدد 1 - الجمعة 06 سبتمبر 2002م الموافق 28 جمادى الآخرة 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً