العدد 3782 - الأحد 13 يناير 2013م الموافق 01 ربيع الاول 1434هـ

مسار المرحلة المقبلة للسياسة العربية والاستقرار الإقليمي

الربيع العربي يدخل عامه الثالث

ربما ينبغي على الديمقراطيات العربية الجديدة والمجتمع الدولي التفكير ملياً في الدروس المهمة التي حملها الربيع العربي على مدى العامين الماضيين، الآن ويستهل عامه الثالث.?

فالتمعن في هذه الدروس والتعلم من التاريخ، حتى التاريخ الآني، قد يساعدنا علي فهم مسار المرحلة المقبلة للسياسة العربية والاستقرار الإقليمي. وقد يسلط الضوء أيضاً على بعض القضايا الرئيسية التي أثيرت في «الاتجاهات العالمية 2030»، وهو التقرير الصادر أخيراً عن مجلس الاستخبارات الوطني الأميركي.

ويتجسد ذلك في عدة دروس مستفادة كما يلي:

الدرس الأول: قد تستغرق الاضطرابات الداخلية والصراع على الحكم، الناجمين عن إسقاط الطغاة، من سنتين إلى ثلاث سنوات كي تهدأ حدتها. لذلك، يتوجب على واشنطن والعواصم الغربية الأخرى النأي بأنفسها عن هذه المناقشات والسماح لمراكز السلطة الوطنية الجديدة -الإسلاميين والعلمانيين - برسم مسار معقول دون «نصائح» من الخارج?.?

فمن المتوقع أن تزداد حدة المناقشات الداخلية لملء «فجوة الحوكمة»، لكنها ستكون سلمية إلى حد كبير. فالنشوة التي تلت السقوط الحاد لمبارك، أشهر ثالث دكتاتور حكم مصر لمدة طويلة منذ رمسيس الثاني، قادت إلى نفاد الصبر والإحباط إزاء بطء وتيرة التحولات الديمقراطية?.?

وعلى سبيل المثال، ينبغي أن تتيح الخلافات الساخنة في مصر بشأن مسودة الدستور الذي اعتمد أخيراًً، الفرصة للتوصل إلى حلول توافقية من خلال صناديق الاقتراع، وليس الطلقات. وبينما تظل الولايات المتحدة خارج المشاحنات الداخلية، إلا أنها لا تزال لاعباً رئيسياً في المنطقة لسنوات قادمة -على المستوى الاقتصادي والعسكري والسياسي?.?

الدرس الثاني: يحتاج فهم مجتمعات الشرق الأوسط الإسلامية المتنوعة والمعقدة أن يكتسب محللو السياسات والعاملون في الاستخبارات من خارج المنطقة، خبرة عميقة في الديناميات الثقافية والتاريخية والسياسية، والدينية للمجتمعات العربية?.? فالإعتماد فقط على البيانات الكمية والنماذج التحليلية الغربية غالباً ما يؤدي لتحليلات غير كافية. وعدم القدرة على توقع الربيع العربي قبل عامين هو مثال على ذلك?.?

ونظراً لأن العديد من المحللين السياسيين في الغرب لم ينجحوا في تعريف أو تحديد مطالب مثل الكرامة والعدالة، والاحترام، التي عبر عنها الملايين من الشباب العربي في بداية احتجاجاتهم ضد الحكام المستبدين في مصر، وتونس، واليمن، وليبيا، فقد اعتبروها للأسف على أنها لا تتجاوز كونها غلو «الشارع العربي».وهذه المطالب ذاتها ما زالت محور المظاهرات الحاشدة في البحرين وأماكن أخرى?.?

الدرس الثالث: يؤدي ظهور السياسة الإسلامية في مصر وتونس وليبيا واليمن وغيرها، لتأجيج الحوار الهام حول ما إذا كانت الأحزاب السياسية الإسلامية تتجه نحو الاعتدال وما إذا كانت الواقعية السياسية سوف تتغلب على الفكر الديني في نهاية المطاف. فالليبراليين والعلمانيين العرب والمدافعين عن الحقوق المدنية يشعرون بقلق، له ما يبرره، حول المسار المستقبلي للإسلام السياسي والحوكمة في مصر وغيرها.

كما يجب على جماعة الإخوان المسلمين أيضاً أن تعترف بأن الشريعة لا يمكن أن تكون الإيديولوجية السائدة في مصر?.?فمنذ أكثر من قرن غرس المفكرون المشهورون في تاريخ مصر مثل جمال الدين الأفغاني، ومحمد عبده، ورشيد رضا التقاليد العريقة للفكر الليبرالي الإصلاحي. ولايمكن للإخوان المسلمين ورئيسهم محمد مرسي أن يأملوا في القبول باعتبارهم الحكومة الشرعية لمصر إذا ما قاموا بخنق هذا التقليد الإصلاحي عميق الجذور?.?

الدرس الرابع: إذا كانت واشنطن لا تزال تغض النظر عن انتهاكات حقوق الإنسان في الدول العربية، بما فيها الدول التي تعتبر من الحلفاء المقربين للولايات المتحدة، فستواصل تلك الدول قمعها الاستبدادي دون رادع. وبناء على ذلك، ينبغي أن نتوقع أن يتحول الغضب الشعبي ضد نفاق الولايات المتحدة وكيلها بمكيالين إلى تصرفات ضد المصالح والرعايا الأميركيين في المنطقة?.?

الدرس الخامس: نظراً لأن خلق فرص العمل وروح المبادرة سيكون حاسماً في نجاح التحول الديمقراطي، ينبغي على الحكومات العربية إعتماد سياسات اقتصادية خلاقة لتعزيز النمو الاقتصادي. وفشلها في القيام بذلك سوف يعيق قدرتها على بناء الاقتصادات الحديثة? .?ويجب تمرير حزم التحفيز شديدة التركيز والاستثمارات الجديدة، والضرائب، والقوانين التجارية وذلك بهدف الحد من دور الحكومة في الاقتصاد وتوسيع حق أصحاب المشاريع الفردية والأعمال التجارية الصغيرة، رجالاً ونساء، في القيام بالمشاريع الاقتصادية بحرية?.?

وبينما تتواصل الإضطرابات العربية، نستخلص من هذه الدروس الخمسة نتيجتان هامتان: الأولى، أنه يجري استبدال النموذج الاستبدادي ببطء ببناء سياسي جديد بقيادة من سلطة الشعب?.?والنتيجة الثانية، أنه في حين تظل الولايات المتحدة وقوى عالمية أخرى منخرطة في الشأن العربي، وطالما هناك حاجة لها للمساعدة في التخلص من الطغاة، فإن شعوب المنطقة هي التي ستحدد مستقبل بلادها ونوع الحكم الذي يرضيها.

العدد 3782 - الأحد 13 يناير 2013م الموافق 01 ربيع الاول 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً