العدد 1526 - الخميس 09 نوفمبر 2006م الموافق 17 شوال 1427هـ

هل هو تصادم حضارات في أوروبا؟

Common Ground comments [at] alwasatnews.com

خدمة Common Ground الإخبارية

بعد مرور عام على موجة المظاهرات العنيفة في جميع أنحاء العالم الإسلامي احتجاجاً على قيام صحيفة دنماركية بنشر صور كاريكاتيرية عن النبي محمّد، تتضاعف النزاعات بين أوروبا والعالم الإسلامي مهدّدة بجعل «تصادم الحضارات» نبوءة محتّمة،

ويثير البابا بنديكت السادس عشر سخط العالم الإسلامي من خلال اقتباسه ملاحظات منتقدة النبي محمّد من لسان إمبراطور بيزنطي من القرن الرابع عشر.

يعتبر مسرح الأوبرا في برلين أنّ إلغاء عرض أوبرا لموزار، خوفاً من مشهد يستعرض الرؤوس المقطوعة لعدّة أنبياء، بمن فيهم النبي محمد، قد يثير العنف لدى المسلمين.

إنّ معلّمة في مادّة الفلسفة الفرنسية مُستهدفة ومهددة بالقتل من قبل بعض الإسلاميين، هربت ومازالت تعيش تحت حماية الشرطة بعد أن كتبت مقالاً هاجمت فيه تقديس العنف في سبيل الدين الذي يدعو إليه النبي محمّد.

أطلق وزير الخارجية البريطاني السابق جاك سترو موجة سخط كبيرة عندما طلب من النساء المسلمات أن يزلن حجابهنّ، مشيراً إلى أنّه «ينزعج» لعدم تمكّنه من رؤية وجه شخص ما. من بين احتجاجات المسلمين، تم التصريح بشأن اعتداءات تمّت ضد نساء مسلمات يضعن الحجاب.

تتخطّى تلك الجدالات قلق اليمين المتطرّف المعهود المتعلّق بالبغض الشديد للأجانب والمناهضة للهجرة بشأن التعصّب الظاهري والعدائية حتى تنافر الإسلام مع المبادئ الأوروبية الأساسية. كما أنها تغذّي أشكال «الخوف من الإسلام» الخطيرة في جميع أنحاء أوروبا.

تشكّل تلك «التصادمات» - إلى حدّ ما - مخلّفات سامّة لنظام إعلامي خاضع إلى العولمة. تسعى الأخبار الفورية والأخبار الضالّة التي تُنقل عبر المحطات الفضائية والإنترنت إلى إيقاع التباس بشأن المسائل المعقّدة، والاستفادة من التجاهل السائد عند الجهتين وإثارة المشاعر الخامدة منذ زمن والمتعلّقة بالغضب التاريخي والاستياء الاقتصادي والنزاع السياسي. إنّ الانتشار الواسع والسريع لآراء الأقلية المتطرّفة بشأن حوادث متباعدة، يثير المشاعر الجماعية جاعلاً الحوار المرتكز على التسامح والانتقاد المنطقي أمراً مستحيلاً.

إلى هذا الحد، قد تتم الإشارة إلى أنّ العولمة تصبّ في مصلحة مناهضي الإسلاميين الذين ينشرون «الجهاد» أو الحرب المقدّسة ضدّ الغرب والذين يتوهمون أنّ أوروبا تحمي نفسها من الإسلام.

إنّ النزاعات بين شكل أصولي للإسلام والمجتمعات الأوروبية المرتكزة على العَلمَانية والديمقراطية الليبرالية والحقوق الفردية وعدم التفرقة الجنسية، توقظ في العقول الأوروبية المخاوف القديمة التي كانت في قرون الحروب والاجتياحات، وخصوصاً أنّ الظاهرة تحدث تحت التهديد المستمر للإرهاب «الإسلامي» الذي استهدف مدريد ولندن منذ العام 2001 وهو يستهدف مدناً أوروبيةً كبيرةً أخرى.

تفاقم النزاع من خلال الضغوط الناتجة عن حركة الهجرة من دول المسلمين عبر البحر الأبيض المتوسّط، التي جعلت من الإسلام، الذي يضم أكثر من 20 مليون مؤمن، أحد الأديان الرئيسية في الاتحاد الأوروبي. كما يُعزّز النزاع والسجال القائمين بشأن ترشّح تركيا للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، والتي انتخب سكانها، البالغ عددهم 60 مليون نسمة، حكومة ذات نفوذ إسلامي.

أطلق روبرت ريديكير، كاتب وأستاذ في مادة الفلسفة الفرنسية يبلغ من العمر 52 عاماً، الذي يُعرف بانتقاده الحادّ جميع الأديان، هجوماً قاسياً على الإسلام في الصحيفة اليومية المحافظة «لو فيغارو» (Le Figaro) الصادرة في 19 سبتمبر/ أيلول الماضي، منتقداً بشدّة مباركة العنف «المزعومة» في القرآن وواصفاً بحدّة النبي محمد بأنه «معلّم البغض والسلب، وقاتل اليهود، ومتعدّد الزوجات». في اليوم التالي، أدان الشيخ المصري يوسف القرضاوي ريديكير عبر قناة «الجزيرة»، وتلقّى ريديكير تهديدات بالموت بعد أن نشرت مجموعة إسلامية عنوانه ورقم هاتفه النقال وصوره على الشبكة وطلبت من «الأسود» المسلمين قتله كما قُتل المخرج الهولندي ثيو فان غوغ العام 2004 في أمستردام على يد مهاجر من المغرب يبلغ من العمر 27 عاماً. أثار غوغ سخط المجاهدين بإخراجه فيلماً يستنكر اضطهاد النساء في مجتمعات المسلمين.

إنّ مأزق ريديكير، الذي يذكّرنا بالكاتب البريطاني سلمان رشدي بعد أن أصدر آية الله الخميني فتوى العام 1989 داعياً إلى قتله، أيقظ الدعم من قبل الاتحادات الفرنسية ومجموعات الدفاع عن الحقوق المدنية والسياسيين من جميع الدرجات. استنكر رئيس الوزراء الفرنسي دومينيك دو فيلبان التهديدات واعتبرها «غير مقبولة» كما دافع عن «حرية التعبير». أثار الحادث سجالاً بين العازمين على التخفيف من حدّة التوترات عبر الكفّ عن الانتقاد وبين الذين يعتبرون هذا الموقف داعياً إلى التهدئة.

كتب ريديكير المقال، المسخط بشكل واضح، احتجاجاً على اعتذار البابا بنديكت نتيجة خطاب ألقاه في 12 سبتمبر الماضي في راتيسبون في ألمانيا. وكان البابا قد اقتبس قولاً من الإمبراطور مانويل II الباليلوغوس، منذ نحو العام 1400، والذي هاجم خلاله استخدام السيف لنشر عقيدة النبي محمد. أحدث القول المقتبس احتجاجات غاضبة من قبل رجال الدين المسلمين، وتهديدات بالثأر الدبلوماسي من قبل الحكومات المسلمة، ومظاهرات عنيفة في الشارع أدّت إلى مقتل راهبة. أعرب بنديكت عن أسفه لحصول «سوء تفاهم». وبالنسبة إلى ريديكير والكثير من الأوروبيين الآخرين، إنّ اعتذار البابا يستدعي التهدئة.

إنّ الشعور بتصاعد التنازل عن المبادئ الأساسية على غرار حرية التعبير وحق الانتقاد حتى القدح لأي معتقد أو ديانة قد تضاعف بالقرار الذي اتخذه مدير الأوبرا الألمانية في برلين بإلغاء عرض «إيدومينيو» لموزار خشية العنف الذي قد يرتكبه المتطرّفون الإسلاميون. ردّت رئيسة الحكومة الألمانية أنجيلا ميركيل قائلةً: «لا يمكن احتمال الرقابة الذاتية المفروضة بسبب الخوف». وطرحت صحيفة «ليبراسيون» (Libération) الصادرة في 30 سبتمبر الماضي في عنوانها العريض السؤال الآتي: «هل من الممكن انتقاد الإسلام؟» وقد يتم عرض الأوبرا، التي كان من المخطط إجراؤها في نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، لاحقاً تحت حماية الشرطة.

إنّ غياب الاستنكارات الشديدة من قبل علماء الدين والمبشّرين والممثلين الإسلاميين المعتدلين، على نداءات العنف والرقابة يظهر كإشارة لنفوذ الإسلاميين المتصاعد. كما أنه يُعزز الشكوك في أنّ إسكات النقد للدين - على غرار اضطهاد النساء - جزء لا يتجزأ من الإسلام. إنّ التهديدات ضد فرنسا، التي تكرّرت حديثاً من قبل الرجل الثاني في تنظيم القاعدة أيمن الظواهري، رداً على القانون الذي أُصدر العام 2004 مانعاً الحجاب الإسلامي في المدارس والوظائف الحكومية دعّم الشعور بأنّ الإسلام يحاول فرض تحيّزاته على المجتمعات الأوروبية العَلمَانية.

وبالتالي من جهة، يردّ المسلمون عالمياً وبعنف أكبر على الانتقادات التي يعتبرونها «تجديفية» ونابعة عن «خوف شديد من الإسلام». ومن جهة أخرى، إنّ الكتب والمقالات المستنكرة للإسلام كونه «النظام الاستبدادي الجديد»، بالإضافة إلى الفاشية والاشتراكية، كانت مألوفة منذ الكتاب المناهض للمسلمين «السخط والفخر»، الذي لاقى رواجاً كبيراً العام 2002 للصحافية الإيطالية أوريانا فالاتشي. ويعكس الخوف الأوروبي من «الخطر النامي» توهمات المسلمين وجود مؤامرة غربية ضد الإسلام، وهذا كله يمثل حلقةً مفرغةً من الآراء الخاطئة يدعمها الكم الهائل من المصادر الإعلامية من خلال الصور التلفزيونية وتصريحات المتطرّفين عبر الإنترنت.

إنّ كلّ ذلك يعتّم على واقع أنه غالباً ما يتم عرض سخط المسلمين، كما بدا تبعاً لقضية الكاريكاتير، بغية الاستهلاك الإعلامي من قبل مجموعات صغيرة من المتطرّفين في حين تبقى الغالبية الكبيرة من المسلمين غير مكترثة. يُصنّف أكثر من 70 في المئة من المسلمين الذين يعيشون في أوروبا، وفقاً لدراسة أُجريت في جميع أنحاء أوروبا العام 2005، أنفسهم من العدائيين للإسلاميين. وتمارس غالبيتهم شكلاً مسالماً ومتسامحاً من الإسلام، كما يرغب الكثير منهم في ظهور شكل أوروبي للإسلام من خلال إصلاحات من شأنها تكييف الدين مع العالم العصري.

ولكنّ سلسلة الأنشطة اليومية من الأخبار والصور والتهديدات العنيفة - الكثير من الأفعال الإجرامية التي يرتكبها المسلمون تجاه بعضهم بعضاً - تُخفي عن الأوروبيين التعددية القصوى للإسلام وانقساماته العميقة ما بين النواحي العَلمَانية والعرقية والدينية. إنّ صمت المسلمين المتسامحين ينتهي بجعل المذهب الإسلامي المجاهد الرسالة الوحيدة التي سمعها الأوروبيون عن النبي محمد، وهو الهدف الأساسي لمؤيدي «الجهاد» الذين يُبدون خوفاً شديداً من الأجانب. إنّ التنبّؤ الفظيع الذي قام به أندريه مالرو منذ نصف قرن قد يتحقّق يوماً ما. قال الكاتب ووزير الثقافة التابع إلى عهد دو غول العام 1956: «إنّ توحيد أوروبا سياسياً يُحتّم وجود عدوّ مشترك، ولكنّ الإسلام هو العدوّ المحتمل المشترك الوحيد».

باتريك ساباتييه

كاتب ومحرر صحافي فرنسي

إقرأ أيضا لـ "Common Ground"

العدد 1526 - الخميس 09 نوفمبر 2006م الموافق 17 شوال 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً