العدد 1540 - الخميس 23 نوفمبر 2006م الموافق 02 ذي القعدة 1427هـ

مفارقات الهجوم على الحجاب والنقاب!

تزامنًا مع الحملة التي تشنها الدنمارك ومعها الإعلام في الكثير من الدول الأوروبية ضد الإسلام ورسوله الكريم، وتضامنًا مع الإساءة التي وجهها بابا الفاتيكان اخيرا إلى الإسلام ورسوله (ص)، دخل الإعلام البريطاني على الخط، مشاركًا في الحملة، بعد الموقف السلبي والهجوم الذي وجهه وزير الخارجية البريطاني السابق جاك سترو ضد النقاب.

وشنت الصحافة الشعبية (التابلويد) ذات الميول اليمينية حملة شعواء ضد النقاب كرمز إسلامي، وظهرت مقالات كثيرة في هذه الصحف تؤيد وجهة النظر هذه، وتطالب بإجراءات صارمة ضد المسلمين ومدارسهم.

والذين يعارضون ارتداء مدرسات إسلاميات للنقاب في المدارس يجادلون بأن هؤلاء لا يمكن أن يمارسن عملهن بشكل مهني حقيقي، وإيصال المعلومات بفاعلية إلى تلاميذهن وهن يغطين وجوههن بالكامل، ويضربون مثلاً بتعليم اللغات الذي يتطلب متابعة التلميذ أو التلميذة لحركة وجه المدرسة وفمها ولسانها وهي تنطق الكلمات.

وهؤلاء يملكون وجهة نظر تنطوي على الكثير من الصحة، ولكنها شهادة حق أُريد بها باطل، لأن نسبة كبيرة من هؤلاء يملكون مواقف مسبقة من الإسلام والمسلمين، ويبحثون عن المسوّغات التي يغطون بها مواقفهم.

ومنذ تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر /أيلول 2001 والجاليات الإسلامية في الغرب تواجه ظروفًا معيشية صعبة للغاية، وازدادت الأمور صعوبة في بلد مثل بريطانيا بعد أن نفذ أربعة شبان مسلمين تفجيرات في مترو أنفاق لندن أدت إلى مقتل ستين بريطانيًا علي الأقل.

وكان رئيس وزراء بريطانيا طوني بلير أقوى الأصوات في التحريض على الجالية الإسلامية عندما شكك بطريقة غير مباشرة في ولائها لبريطانيا وطالب الآباء بالتجسس على أبنائهم لمعرفة نواياهم المتطرفة قبل إقدامهم على أي عمل إرهابي، وإبلاغ الأجهزة الأمنية عنهم.

والمؤكد أن الحملة على النقاب هي جزء من حال المواقف العدائية المسبقة من الإسلام والمسلمين لتسويغ سياسات وحروب غربية غير أخلاقية وغير شرعية في العراق وأفغانستان وفلسطين.

والملاحظ أنه منذ صدور تصريحات بابا الفاتيكان بنديكيت السادس عشر الشهر الماضي، والتي حملت عن عمد إساءة واضحة ضد الإسلام والرسول (ص)، لم تهدأ عواصف الإهانة وحملات العداء ضد الإسلام والأقليات الإسلامية في أوروبا.

ومنذ أكثر من عامين يتعرض المسلمون في أوروبا لحملات شرسة أقل ما توصف به أنها نازية جديدة ضد الإسلام والمسلمين، ففي استراليا مثلاً تتعرض الأقلية الإسلامية التي يقدر عددها بنحو 350 ألفًا من إجمالي عدد السكان البالغ 20مليون نسمة لحملة غير مسبوقة من العنف، ففي يوليو من العام الماضي تعرضت المساجد في استراليا لهجوم شديد وتشويه لمبانيها بعبارات كراهية استخدمت فيها رشاشات الألوان.

للمشكلة أبعاد كثيرة لا تشكل حوادث 11 سبتمبر 2001، سوى جانب ضئيل فيها، فهناك أبعاد سياسية ودينية واجتماعية وراء هذه الحملات ضد الإسلام، والتي أصبحت ظاهرة متكررة في أوروبا.

الهدف عزل المسلمين

الهجوم على الإسلام والمسلمين في بريطانيا بات موضة وموضوعًا مثيرًا في كل الأوساط السياسية والإعلامية في بريطانيا، حملات مغرضة تهدف إلى عزل المسلمين، وإلصاق تهمة الإرهاب بهم، حتى يتحولوا إلى جالية منبوذة تشكل خطرًا على أمن البلاد واستقرارها.

هذه الحملات تأتي في إطار سياسة التخويف التي تتبعها حكومة بلير للتغطية على سياساتها الخارجية وحروبها الفاشلة والكارثية في العراق وأفغانستان وتحويلها بريطانيا إلى عميل صغير تابع لإدارة الرئيس بوش، والجالية الإسلامية تتحول إلى كبش فداء لتحويل الأنظار عن هذا الإخفاق.

ومن العجب أن يسمح هؤلاء للفتيات أن يسرن شبه عاريات في الشوارع، بحيث تظهر ملابسهن الداخلية الفاضحة، ولكنه غير مسموح بأقلية الأقلية من المسلمات بتغطية وجوههن، ويتحدثون في الوقت نفسه عن تقديس الحريات الشخصية، ويتدخلون لتحرير المرأة في البلدان العربية والإسلامية.

والخوف الحقيقي من كلام سترو وما أثاره من دعوى بعض السياسيين لمنع الحجاب وليس النقاب فقط بعد التلاعب اللفظي الذي شهده الجدل الدائر حول القضية واستخدام لفظ «الحجاب» بدلاً من «النقاب» بشكل موحٍ متعمّد.

منع النقاب في

جامعة حلوان المصرية

لكن إذا كان هذا الذي ذكرناه يحدث في الغرب غير المسلم الذي يناصبنا العداء، فما هو مسوّغ رئيس جامعة حلوان المصرية المسلم، الذي يعيش في بلد الأزهر في إصدار قراره بمنع دخول المنتقبات المدينة الجامعية!؟

لقد فهم البعض أن القرار يعني منع التحاق المنتقبات بالمدينة، وفهم البعض الآخر أنه يعني منع دخولهن عبر البوابة إلاّ إذا خلعن النقاب أولاً.

وبعد تصاعد حملة الاحتجاج أصر رئيس الجامعة على موقفه مؤكدًا أن سبب ذلك هو حرصه على الكشف عن هوية من يدخل المدينة الجامعية حرصًا على الطالبات في المدينة، وتساءل: ماذا لو تنكر رجل في زي المنتقبة ودخل المدينة الجامعية للطالبات وتم اكتشاف هذا الأمر؟ بالطبع سيقوم أولياء الأمور بذبحي. والغريب أن وزير التعليم العالي أيد رئيس الجامعة في قراره هذا.

وما يستند إليه رئيس جامعة حلوان من مسوغات هي حجج واهية لا أساس لها من الصحة، فهو يستطيع وضع ضابطة للأمن مثلما يحدث بالمدن الجامعية لجامعة القاهرة، ولا أحد يستطيع إصدار قرار بمنع المنتقبات من دخول المدينة الجامعية؛ لأنه في حال صدور مثل هذا القرار يصبح غير قانوني كما أن أساتذة ورؤساء الجامعات يعارضون هذا القرار.

قمة التطرف العلماني في تونس

وفي تونس بدأت السلطات حملاتها المعروفة والمستمرة ضد الحجاب مع مطلع العام الدراسي في منتصف سبتمبر الماضي، وشهدت وتيرة تلك الحملة تصاعدًا كبيرًا مع دخول شهر رمضان، وتمسّك قطاع كبير من الطالبات بارتداء الحجاب.

وضمن هذه الحملة، شن الحزب الحاكم، هجومًا عنيفًا على ارتداء التونسيات الحجاب، وذلك خلال ندوة رمضانية عن «الحفاظ على الأصالة والهوية الوطنية»، إذ قال الأمين العام للحزب الحاكم في هذه الندوة: إذا قبلنا اليوم الحجاب فقد نقبل غداً أن تُحرم المرأة من حقها في العمل والتصويت، وأن تُمنع من الدراسة، وأن تكون فقط أداة للتناسل وللقيام بالأعمال المنزلية، فذلك سيعيق تقدمنا فنتراجع إلى الوراء، وننال من أحد المقومات الأساسية التي يقوم عليها استقرار المجتمع وتقدم الشعب ومناعة البلاد!

ويذكر أن القانون 108 ، الصادر العام 1981 في عهد الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة، يعد الحجاب «زيًّا طائفيًّا»، وليس فريضة دينية، ومن ثَم يُحظر ارتداؤه في الجامعات ومعاهد التعليم الثانوية، وهو ما يعارضه بشدة قطاع كبير من الشارع التونسي.

ومن جانبه طالب الحزب الديمقراطي التقدمي المعارض السلطات بإيقاف ما وصفه بالحملة على المتحجبات وناشدها عدم التمييز بين المواطنين على أساس معتقداتهم، وأضاف الحزب أن ما تتعرض له المتحجبات من إهانة ومضايقات ومنعهن من الدراسة في المعاهد والكليات وحرمانهن من التوظيف في المؤسسات العامة يُعدّ شكلاً من أشكال الاضطهاد الديني.

أما الجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين فقد أعربت عن قلقها مما سمته تزايد حالات مضايقة المتحجبات في تونس، وشددت الجمعية على مشاركة هياكل الدولة على جميع مؤسساتها في هذه الأعمال يؤكد أن المضايقات سياسة ممنهجة وليست تجاوزات فردية.

الهيئة العالمية لنصرة الإسلام في تونس وجهت هي الأخرى نداء نددت فيه بما سمته حرص الحكومة التونسية على إشاعة التعري والتبرج في البلاد بمحاربتها ظاهرة الحجاب؛ وفقًا لما ذكر بيان للهيئة التي اتهمت الحكومة بشن ما وصفته بالحملة الشعواء ضد المتحجبات في المؤسسات والدوائر الرسمية.

من ناحية أخرى يؤكد شهود عيان أن السلطات أصبحت تعترض المتحجبات في الأسواق والساحات العامة.

وكانت الحكومة التونسية شنت حملة لجمع الأدوات المدرسية التي تحمل صورة الدمية (فلة) التي ترتدي الحجاب مسوغة ذلك بأن تداول هذه الدمية يشجع على انتشار ما تسميه اللباس الطائفي.

حينما تحشر الدولة أنفها

ما يزعج في هذا الأمر هو أن تكون الدولة طرفًا في قضية فكرية اجتماعية سياسية يمكن أن تُناقش بكل هدوء في وسائل الإعلام وفي النوادي الأهلية، وفي غيرها بطريقة توضح الموقف المطلوب للمواطنين، مع ترك الخيار لهم على أساس المسألة مسألة حرية شخصية.

إنه يصعب على أهل الاعتدال والرأي الآخر، ودعاة التعددية وثقافة الاختلاف، أن يتقبلوا هذه الهجمة الضارية الشرسة التي تشنها الحكومة التونسية وأجهزتها وصحفها على الحجاب والمحجبات، والاتهامات والأوصاف بالغة القسوة التي يوجهها كبار رجالات الدولة وكبار مسئولي الحزب الحاكم، إلى الحجاب والمتحجبات.

فقد غدا الحجاب عند هؤلاء رمزًا من رموز الفتنة، وزيًا طائفيًا دخيلاً يمثل خطرًا على البلاد وثقافتها وتقاليدها، وشعارًا سياسيًا ترفعه مجموعة صغيرة لتحقيق مآرب سياسية، ووصل الأمر إلى مدى غير مسبوق حينما ذهبت صحيفة (الحدث) المقربة من الحزب الحاكم في افتتاحية لها بعنوان: «أوقفوا مهزلة الحجاب» إلى القول بأن الحجاب هو زي الساقطات والوثنيين والعبيد وأنه مصدر للأوساخ والأمراض!

لكن الأخطر من ذلك... هو منع المحجبات من الدراسة في المعاهد والكليات في تونس، وحرمانهن من الوظائف في المؤسسات العامة، واعتراضهن في الأسواق والساحات العامة، واقتيادهن لمراكز الشرطة؛ إذ يتعرضن للإهانة، ونزع الحجاب بالقوة وكتابة تعهد بعدم ارتداء الحجاب مرة أخرى، إلى غير ذلك من ضروب الضغوط النفسية والجسدية، مما لا يوجد له مثيل في جميع الدول العربية والإسلامية حتى أشدها علمانية، أو في دول العالم كله المسيحية وغير المسيحية.

ليلى بيومي

كاتبة مصرية

العدد 1540 - الخميس 23 نوفمبر 2006م الموافق 02 ذي القعدة 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً