العدد 4007 - الإثنين 26 أغسطس 2013م الموافق 19 شوال 1434هـ

أزمة تونس... السلطة والمعارضة فوق صفيح ساخن

يتعين على الفرقاء السياسيين في السلطة والمعارضة بتونس، العمل من أجل التوصل لحلول للأزمة السياسية الخانقة في البلاد في أقرب وقت ممكن، إذا ما أرادوا بالفعل تجنيب البلاد السقوط في مأزق، يعلم الله وحده عواقبه.

ويقود الاتحاد العام التونسي للشغل وهو أكبر منظمة نقابية في تونس، ويستمد ثقله السياسي في البلاد من دوره التاريخي في معركة التحرير إبان حقبة الاستعمار الفرنسي، مفاوضات في كل الاتجاهات سعياً لايجاد أرضية تفاهم بين الإسلاميين في الحكم، وباقي أطياف المعارضة.

وأطلق الاتحاد الذي يضم بين صفوفه أكثر من 800 ألف منخرط من العمال، مبادرة سياسية لحل الأزمة لقيت ترحاباً وقبولا من أطراف النزاع لكن مع ذلك لا يوجد أي تعهد ملموس وصريح من قبل السلطة يسمح بوضع المبادرة حيز التنفيذ على الفور.

وقال الناشط السياسي سفيان الشورابي، من معهد صحافة السلم والحرب البريطاني (مكتب تونس) لوكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ) «تمسك كل طرف بموقفه، مع رفع سقف المطالب والشروط عالياً، سيزيد من تعميق الأزمة وكل الدلائل تؤكد أنه من الصعوبة إيجاد مخرج على مدى القريب».

وأضاف الشورابي: «الأمل أن يستمر الاتحاد العام التونسي للشغل في مشاوراته لتقريب المبادرات بين حركة النهضة وجبهة الانقاذ». وتتلخص مبادرة الاتحاد في حل الحكومة المؤقتة الحالية وتشكيل حكومة غير متحزبة برئاسة شخصية وطنية مستقلة وتحديد مهام المجلس الوطني التأسيسي في إتمام صياغة الدستور وسن القانون الانتخابي وإتمام تشكيل الهيئة المستقلة للانتخابات لكن في آجال لا تتجاوز 23 أكتوبر/ تشرين الأول.

ويمكن أن تمثل المبادرة في الوقت الحالي موضع التقاء في منتصف الطريق بين السلطة والمعارضة على الرغم من بعض التحفظات بشأنها. وقبلت حركة النهضة الاسلامية التي تقود الائتلاف الحاكم بالمبادرة من حيث المبدأ لكنها ترفض أي شرط مسبق لحل الحكومة قبل الجلوس على طاولة الحوار والتوصل إلى توافق بشأن ملامح حكومة الكفاءات.

ويقول رئيس حركة النهضة، راشد الغنوشي «القبول بحل الحكومة حالاً يعني القفز في الهواء، الطبيعة لا تحتمل الفراغ، من غير المنطقي وضع الدولة أمام المجهول».

وفي آخر تصريحات للغنوشي، تعهد باتمام النقاشات مع المعارضة خلال شهر بالتوازي مع إنهاء أشغال المجلس الوطني التأسيسي ومن ثم تشكيل «حكومة انتخابات» تتولى الإشراف على انتخابات نزيهة وديمقراطية مع توفير أكثر الضمانات الممكنة لذلك.

وفي مسعى لبعث رسائل تطمين للمعارضة، أجرى رئيس الحكومة المؤقتة علي العريض تحويرات في سلك الولاة بعدد من المحافظات في نفس اليوم الذي أعطت فيه جبهة الانقاذ الوطني إشارة انطلاق حملة «ارحل» ضد التعيينات القائمة على الولاء الحزبي في مناصب مهمة بالدولة.

وقال العريض إن هذه الحركة هي «تكريس مبدأ التداول على المسئولية وبناء ثقافة العمل المؤسساتي وإعطاء نفس جديد للعمل»، مضيفاً أنها تتنزل ضمن «توفير أكثر ما يمكن من شروط نجاح الانتخابات المقبلة». لكن حالة الريبة مازالت تسيطر على معسكر المعارضة التي تطالب بحل المجلس التأسيسي وكل السلط المنبثقة عنه بما ذلك الحكومة الحالية والشروع فوراً في تشكل حكومة وحدة وطنية غير متحزبة برئاسة شخصية وطنية.

وتقول أحزاب معارضة إن موقف حركة النهضة يكتنفه الغموض ولا يخرج عن «سياق المناورة وربح الوقت» لإحكام السيطرة على مفاصل الدولة. وقالت الأمين العام للحزب الجمهوري المعارض، مية الجريبي «نحن في حاجة إلى تدقيق من حركة النهضة للإعلان الواضح والصريح عن القبول بحكومة إنقاذ وطني». وأضافت «القبول بمبادرة الاتحاد يعني القبول باستقالة الحكومة الحالية فوراً وتشكيل حكومة كفاءات تترأسها شخصية وطنية».

وعموماً ليست السلطة وحدها على المحك، فأطياف المعارضة بدورها ليست بمنأى عن ضغوط الشارع الذي ينتظر نتائج عملية من المبادرات المتلاحقة بدءاً «باعتصام الرحيل» الذي شارف على الشهر أمام مقر المجلس التأسيسي بساحة باردو وصولاً إلى حملة «ارحل» و»أسبوع الرحيل».

والشعور العام في الشارع التونسي لا يرى العبرة بلي الذراع وتأبيد الأزمة مع السلطة بقدر ما يتطلع إلى الحسم وضرورة الوصول إلى حلول لإنقاذ الاقتصاد المترنح والتصدي للمخاطر الأمنية.

ومع تطور الأحداث في مصر والإطاحة بالرئيس المنتخب محمد مرسي أصبح السؤال الآن هل من الممكن فعلاً إزاحة النهضة من الحكم عبر الحملات في الشارع وبمطالب توصف «بالراديكالية» لدى الائتلاف الحاكم.

ويقول الناطق باسم حزب حركة نداء تونس، رضا بالحاج لـ (د. ب. أ) «لا بد من الوصول إلى توافقات. لكن لا يجب أن يكون ذلك على اساس اتفاق مغشوش». بدوره، قال العضو في حزب الوطنيين الديمقراطيين، محمد جمور: «مطالبنا ليست متطرفة. لكنها نتيجة توصل إليها غالبية التونسيين، وهي أن هذه الحكومة فشلت. هي حكومة عاجزة ولا تتوفر فيها الكفاءات». وهددت المعارضة قبل يومين في اجتماع شعبي بنقل الاحتجاجات الى ساحة القصبة التي كسبت رمزية في الفترة الأولى بعد ثورة 14 يناير/ كانون الثاني 2011، وهي تعد المهد الأول لتشكيل المجلس الوطني التأسيسي والذي تطالب المعارضة بحله.

وقد تزيد هذه الخطوة من الضغوط على الحكومة المؤقتة في حال لم يتم التوصل إلى حلول قبل موعد 31 أغسطس الجاري التاريخ المعلن لهذا التحرك. وقال ناجي جلول الباحث الجامعي والمحلل السياسي لـ (د.ب.أ): «وضع حركة النهضة شبيه برقصة الديك المذبوح. الحزب خسر أخلاقيا وسياسياً. لم يبقَ له الآن سوى العنف».

وعلى الرغم من تعقد الأزمة السياسية فهناك اتفاق واحد على الأقل بين السلطة والمعارضة وهو عدم استنساخ التجربة المصرية في تونس. وترى أحزاب أخرى أن الحل قد يكمن في تحييد الجهة المخولة بإدارة الأزمة نفسها بدل الاتحاد العام التونسي للشغل. وقال رئيس تيار المحبة، الهاشمي الحامدي، المقيم في لندن إن «بعض قادة الاتحاد العام التونسي للشغل يتصرفون وكأنهم هيئة دستورية منتخبة لإدارة شئون البلاد وهناك ميل واضح منهم لليسار».

وأضاف: «لا يحق لأي حزب أو جهة أو نقابة المساومة على حق الشعب التونسي في اختيار حكامه. مصلحة تونس في الاحتكام للشعب». وهناك مقترح تقدم به التيار يتعلق بإنشاء مجلس حكماء يتركب من شخصيات وطنية يعهد له باقتراح خارطة طريق لإنقاذ البلاد وتكون قراراته ملزمة للجميع.

وتتردد أسماء مثل مصطفى الفيلالي وأحمد المستيري وأحمد بن صالح وهي شخصيات وطنية مخضرمة تعود الى الحكم البورقيبي وكان لها اسهام في بناء دولة الاستقلال.

العدد 4007 - الإثنين 26 أغسطس 2013م الموافق 19 شوال 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً