العدد 4021 - الإثنين 09 سبتمبر 2013م الموافق 04 ذي القعدة 1434هـ

أحمد سعيد حينما يبعث من جديد!

محمد علي الهرفي comments [at] alwasatnews.com

كاتب سعودي

أعتقد أن كثيراً من شبابنا لا يعرف شيئاً عن أحمد سعيد وربما لم يسمع باسمه على الإطلاق، ولكن أبناء جيل الستينيات والسبعينيات كانوا يعدّونه رمزاً من رموز العرب وواحداً من أشهر المذيعين العرب على الإطلاق. وكان برنامجه الشهير: «أكاذيب تكشفها حقائق» قادراً على هزّ أكبر القيادات العربية وإخافتها، شأنه في ذلك شأن برنامج «الاتجاه المعاكس» الذي يقدّمه فيصل القاسم في قناة «الجزيرة» مع الفارق الكبير بين القاسم وبين أحمد سعيد، وكذلك بين «الجزيرة» وبين «صوت العرب» في المصداقية والمهنية.

اشتهر أحمد سعيد آنذاك بإذاعة بلاغات وأخبار يستحيل تصديقها؛ كانت كاذبةً بامتياز كبير خصوصاً ما تعلّق منها بأحداث حرب 1967 بين «إسرائيل» وبين بعض الدول العربية. ففي تلك الحرب التي أعلنها جمال عبدالناصر على «إسرائيل» وتعلّقت بها قلوب العرب جميعاً على أمل تحقيق انتصار يعيد لهم كرامتهم وعزتهم، وكانت أخبار أحمد سعيد خصوصاً وأخبار إذاعة صوت العرب عموماً، كافيةً لإدخال الطمأنينة على العرب بأن النصر قادم لا محالة، ولكن هذه الآمال تبخّرت سريعاً، إذ استطاعت «إسرائيل» وفي بضع ساعات كسب الحرب؛ فقد قضت على سلاح الجو المصري فدمرت 388 طائرة وقتلت حوالي 100 طيار، كما استطاع الصهاينة قتل حوالي عشرين ألف جندي مصري مقابل 800 جندي إسرائيلي، واحتلت في تلك الحرب سيناء وقطاع غزة والضفة الغربية والجولان السورية -المرجح أن حافظ الأسد باعها لليهود وقبض الثمن- ومع قسوة الهزيمة وبشاعتها ومع أن أحمد سعيد كان يعرف هذه الحقيقة المرة، إلا أنه كان يذيع بيانات حماسية تصف انتصارات الجيش المصري العظيم! وكأني أسمعه الآن وهو يصف كيف أن سلاح الجو المصري استطاع إسقاط سبعين طائرة إسرائيلية في غضون ساعتين تقريباً! وكيف أن الجيش المصري يلاحق فلول اليهود ويصطادهم الواحد تلو الآخر، وكيف أن العرب سيسمعون السيدة أم كلثوم وهي تصدح بصوتها العذب في تل أبيب!

وبعد سنوات طويلة عرفنا منه أنه كان يتلقى بعض أكاذيبه الكبرى من «الأستاذ»، بينما الأكاذيب الأخرى كان يتلقاها من قيادة الجيش مباشرة فيذيعها كما يتلقاها مع معرفته - كما قال بعد ذلك - بأن ما يذيعه كذبٌ، ولكنه ما كان يستطيع رفض إذاعة أي بيان لأنه جندي في المعركة كما قال!

وذاق العرب مرارة الهزيمة، وأدركوا حجم الخداع والأكاذيب التي مورست عليهم، وأدى ذلك كله إلى كفر كثيرٍ منهم بمبادئ القومية والعروبة والبعث وما إلى ذلك من الشعارات التي كانت سائدة آنذاك. ومضت الأيام ومضى معها أحمد سعيد، لكنه بقي علامة فارقة على الكذب الإعلامي الفاقع، فلا يكاد يُذكر هذا النوع من الأكاذيب إلا ويطرأ على الذهن أحمد سعيد رحمه الله.

أعادني الإعلام المصري هذه الأيام إلى الوراء بضعة عقود، تذكّرت خلالها أحمد سعيد وإذاعة صوت العرب والسياسات المصرية آنذاك تجاه المعارضين لحكم الرئيس جمال عبدالناصر، وهم آنذاك كانوا محصورين في تيار الأخوان المسلمين، أما الآن فهناك تيارات متعددة كلها تعارض الحكم الحالي، وكلها تواجه إعلاماً يصفها بأبشع الصفات ويختلق لها أبشع التهم! فعلى سبيل المثال كانت محاولة اغتيال وزير الداخلية المصري مجالاً خصباً لمجموعة من الأكاذيب الإعلامية ذات الأهداف المتنوعة بحسب مختلقيها، ولكن هذه الأكاذيب الفاقعة كما أعتقد، لم تحقق ما أراده صانعوها، بل إنها أدت إلى العكس من ذلك تماماً. والمؤكد أن الإعلام المصري الحالي لم يدرك أن الفارق الزمني الكبير بين عصر عبد الناصر وبين العهد الحالي جعل كل المستمعين قادرين على تمييز الصدق من الكذب، كما أن وسائل الإعلام لم تعد محصورةً في إعلامهم الضعيف الذي لا يكاد يقنع أحداً، بينما هناك إعلامٌ متنوعٌ في كثيرٍ من دول العالم ويحمل كثيراً من المصداقية، وهذا كله يجعل كثيراً مما يقوله الإعلام المصري مستحيلاً تصديقه. وعلى سبيل المثال، استعان الإعلام بشاهد عيان ليسأله عما شاهده عند عملية التفجير فقال الشاهد العيان: شاهدت ثلاثة من الأخوان عند السيارة التي انفجرت وواحد رابع في الجهة الثانية! ولست أدري كيف عرف هذا الشاهد أنهم من الأخوان إلا إذا كان للإخوان ملامح خاصة لا يشاركهم فيها أحد من المصريين! لكن تضارب الأقوال والشهادات ومن الوسائل الإعلامية الرسمية، يؤكد حجم الاضطراب وقلة التنسيق بينها، فعلى سبيل المثال فإن موقع جريدة «الأهرام» ذكر عدة روايات لمحاولة الاغتيال، فمرةً قال: هناك تبادل لإطلاق نار بين المهاجمين وبين حماية الوزير ولم يصب أحدٌ من الطرفين، ومرةً ثانيةً قال: الشرطة قتلت اثنين من المهاجمين، أما طريقة الهجوم على الوزير فمرةً بعبوة ناسفة وأخرى بسيارة مفخّخة! ومن طرائف أخبار الهجوم قولهم إن أعداد المصابين بلغت ستة وثلاثين، كما أن هذا العدد مرشح للزيادة! المعروف أن أعداد القتلى هي المرشّحة للزيادة عادة وليست أعداد الجرحى، لكنه الكذب الذي لا يعرف الحدود أحياناً، والذي يوقع صاحبه في مآزق يصعب الخروج منها!

وعلى أية حال، فإنني أرجح أن محاولة الاغتيال هذه قريبة الشبه بمحاولة اغتيال عبد الناصر في حادث المنشية الشهير، وأن الأهداف منهما متشابهة.

وتحضر روح أحمد سعيد بقوة في المشهد الإعلامي المصري الحالي، عندما نسمع قول هذا الإعلام: إن الرئيس أوباما من الأخوان المسلمين وأن أخاه من القاعدة! وكذلك القول أن مجموعة كبيرة من أبرز ناشطي ثورة 25 يونيو هم عملاء للأميركان، وأن المطلوب إحالتهم للقضاء بهذه التهم! أما البرادعي الذي كان أهم رموز الانقلاب، فأصبح هو الآخر عميلاً للأميركان ومتعاوناً مع الأخوان المسلمين! وطالت الأكاذيب قناة «الجزيرة» التي كانت أقيونة الشعب المصري عند ثورة 25 يونيو، فأصبحت الآن عند البعض مرتعاً للشياطين والخونة، كما أنها تؤثر على الأمن القومي المصري ومن هنا فإن المصلحة في إغلاقها!

الواضح أن الإعلام المصري يحاول إعادة إنتاج المرحلة الناصرية ولكن بغباء شديد، لا تخدم أهدافه بل المؤكد أنها تؤدي إلى عكس ما يريد بسبب الوعي الثقافي والسياسي عند معظم الجمهور العربي، ولو كان الذين يديرون هذا الإعلام أكثر وعياً بما يحدث على الأرض، لعملوا على الاقتراب من الحقيقة، وليس بالضرورة كل الحقيقة، ولعملوا أيضاً على احترام عقول الناس، ولو فعلوا ذلك لكان خيراً لهم ولشعوبهم.

أعرف أنه لا يوجد إعلام محايد لا عند العرب ولا عند الغربيين، ولكن الفارق بين إعلام وآخر يكمن في نسبة الحيادية والمهنية، وكم كنت أتمنى أن لا يعود عهد أحمد سعيد مرةً أخرى لأنه يبعدنا عن الحيادية كثيراً، ويسيء إلى الشعوب العربية كما يسيء إلى من يمارسه كثيراً، لكنه وبكل أسف عاد بقوة... ولكن الذي يطمئنني أن هذه العودة لن تستمر طويلاً، وستزول سريعاً، وسيتجاوزها المصريون بكل مآسيها.

إقرأ أيضا لـ "محمد علي الهرفي"

العدد 4021 - الإثنين 09 سبتمبر 2013م الموافق 04 ذي القعدة 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 14 | 12:12 م

      مقال عليه الكثير من اللغط

      انا احب كتاب الوسط اللذين يحترمون قلمهم أما من له أجندة يريد توظيفها لإفساد العقول،فأنا أقول له يا أخي روح اكتب في مكان آخر وبلاش تجعل قلمك يسخر منك.

    • زائر 11 | 4:31 ص

      مهتم

      الأستاذ محمد .
      هل يمكن لكم تعريف من هو الأستاذ الذي كان يتلقى أحمد سعيد اخباره منه ؟

    • زائر 12 زائر 11 | 4:52 ص

      المقصود؟؟؟

      من الواضح بأنك تقصدالرئيس جمال عبدالناصر. الواقع بأن النظام الدكتاتورى يولدالمنافقين الذين يحيطون بالقائدويعظمونه و يتركونه عندوقوعه فى المأزق. عبدالناصركانت تصله نفس الأخبار و عليه أخبر بنجاحات الجيش المصرى فى تلك المكالمة الشهيرة الى الملك حسين الذى تشجع و دخل الحرب. إعترف عبدالناصر بهذا الأمربعدفوات الأوان. كان احمد سعيد من مجموعة من 50 نائبا فى الإتحاد الإشتراكى الذين قابلوا الرئيس بعد ستة أشهر من النكسة و إنتقدوه. قال الرئيس لأحمدسعيد: ما تيجى تقعد مطرحى. رد عليه:لوكنت ماكانش أسوأ مما حصل !

    • زائر 8 | 1:37 ص

      على الأقل عبد الناصر حارب و يقبل بالذل

      لست ناصري و لكلمة الحق تقال ان عبدالناصر وقف في وجه الاستعمار و حاربه بإمكانياته البسيطة و لكن لم يكتب لها النجاح و هذا افضل من ان يكون عميل و متآمر و خسيس وببيع وطنه و شعبه و خيراتها للدول الاستعمارية. مشكلة عبد الناصر كانت الأنظمة الرجعية العميلة المتآمرة على قضايا العرب و المسلمين و إعلامهم المنافق

    • زائر 6 | 1:33 ص

      عجبا كيف يزيد عدد المصابين هل التفجير لم ينتهي بعد ‏..؟؟؟؟

      يمكن يكون الإعلام المصري يقصد انو التفجير لا يزال قائم وأن الشعب المصري محاصر في موقع التفجير وأعداد المصابين قابل للزيادة وأن الأمطار والسيول ستستمر إلى منتصف الليل

    • زائر 5 | 1:09 ص

      عذرا

      بعض الهمز واللمز الوارد في المقال أفسده وكأنه صادر غن إخواني موتور

    • زائر 3 | 12:11 ص

      من باع الجولان!!!!!!!

      الزي باع الجولان هم اعربان النفطىاللذين يتامرون على سوريا.ونحن شهود على تامرهم.

    • زائر 2 | 11:59 م

      كم أحمد سعيد بيننا؟

      إلتقيت ثلاثة أيام مع أحمد سعيد فى بيروت فى منتصف عام 1972و تحدثت معه على ما جاء فى المقال، قال: كنت فى الإذاعة و ليس فى الجبهة. كل ما عملته جمعت جميع القنوات الإذاعية و اذعت المعلومات والبيانات المرسلة الينا بواسطة السلطات المختصة.
      أى إن أحمد سعيد لم يكن متيقينا من الكلام الذى يذيعه بحماس. سؤالى ما العبرة من الموضوع؟ كم منا يفتى و يحكم على قضايا مصيرية دون أن يكون عالما بكل جوانبه؟ يتحمس لها و مستعد لقتل الخصم. عجب العجاب!!!

    • زائر 1 | 11:59 م

      حياك

      حياك ترى عندنا طاقم اعلامي بل وزاره اعلام كلها مثل صاحبك الاعلامي

اقرأ ايضاً