تحدّى مجلس الاحتياطي الاتحادي الأميركي توقعات المستثمرين يوم الأربعاء (18 سبتمبر/ أيلول 2013)، بتأجيل بداية تقليص برنامجه الضخم للتحفيز النقدي قائلاً، إنه يريد أن ينتظر ظهور المزيد من الأدلة على نمو اقتصادي قوي.
جاء رد المستثمرين سريعاً بأن دفعوا الأسهم الأميركية للصعود إلى مستويات قياسية وعوائد السندات للهبوط.
وكانت عوائد سندات الخزانة الأميركية قد صعدت على مدى الصيف بفعل توقعات بأن البنك المركزي سيخفض مشترياته من السندات البالغ قيمتها 85 مليار دولار شهرياً والتي تمثل حجز الزاوية في مساعيه لتحفيز الاقتصاد.
وفضلاً عن ذلك، رفض رئيس مجلس الاحتياطي بن برنانكي التعهد بخفض مشتريات السندات هذا العام؛ بل وذهب إلى مدى أبعد بأن أكد أن البرنامج «ليس في مسار محدد سلفاً».
وفي يونيو/ حزيران قال برنانكي إن مجلس الاحتياطي يتوقع أن يقلص البرنامج قبل نهاية العام. وأبلغ برنانكي مؤتمراً صحافياً عقب انتهاء اجتماع لجنة السوق المفتوحة بمجلس الاحتياطي والذي استمر يومين «لا يوجد أي جدول زمني محدد. أرى انه يجب عليّ أن أؤكد ذلك».
وأضاف قائلاً «إذا أكدت البيانات توقعاتنا الأساسية وإذا اكتسبنا المزيد من الثقة في تلك التوقعات... فإننا قد نتحرك في وقت لاحق هذا العام».
وجاء رد فعل الأسواق سريعاً وحاداً؛ إذ هبط الدولار الأميركي إلى أدنى مستوى في سبعة أشهر أمام العملات الرئيسية وقفز سعر الذهب - وهو أداة تقليدية للتحوط من التضخم - أكثر من 4.0 في المئة.
وقال الرئيس التنفيذي للاستثمار بمؤسسة بيمكو التي تدير أضخم صندوق استثمار تعاوني في العالم محمد العريان: «مجلس الاحتياطي يبقى قلقا جداً من الفتور العام للاقتصاد مفضلاً المخاطرة بأن يواصل سياسة شديدة التيسير لفترة طويلة على تشديدها قبل الأوان».
وقال خبراء اقتصاديون، إن من المحتمل ألا يبدأ مجلس الاحتياطي تقليص مشترياته من السندات حتى ما بعد موعد انتهاء فترة رئاسة برنانكي للمجلس في يناير/ كانون الثاني.
وسيترك ذلك مهمة شائكة في سحب برنامج التحفيز لمن سيخلفه والذي من المرجّح أن يكون نائبة رئيس مجلس الاحتياطي جانيت يلين التي قال مسئول بالبيت الأبيض يوم الأربعاء إنها تتصدر المرشحين للمنصب.
وامتنع برنانكي عن التعقيب على مستقبله مكتفياً بالقول إنه يأمل بأن يكون لديه المزيد من المعلومات قريباً. ووجد استطلاع لرويترز شمل 17 من كبار المتعاملين في وول ستريت أن تسعة منهم يتطلعون الآن إلى أن يقلص المركزي الأميركي مشترياته من السندات في اجتماعه في ديسمبر/ كانون الأول.
وتوقع واحد فقط خفضاً في أكتوبر/ تشرين الأول بينما قال اثنان إن مجلس الاحتياطي سينتظر حتى العام المقبل (2014).
وفي توقعات فصلية جديدة خفض مجلس الاحتياطي توقعاته للنمو الاقتصادي العام 2013 إلى نطاق من 2.0 إلى 2.3 في المئة من نطاق من 2.3 إلي 2.6 في المئة في تقديراته السابقة في يونيو. وجاء خفضه للتوقعات للعام 2014 أكثر حدة.
وأشار إلى أن أكبر اقتصاد في العالم يواجه ضغوطاً من تشديد سياسة المالية العامة وارتفاع أسعار فائدة القروض العقارية في تفسيره لسبب قراره عدم تقليص مشترياته من الأصول.
وقال مجلس الاحتياطي في بيان: «إذا استمر تقييد الأوضاع المالية الذي شهدته الأشهر السابقة فقد يؤدي ذلك إلى تباطؤ وتيرة التحسن في الاقتصاد وسوق العمل.» لكنه أضاف أن الاقتصاد مازال يحقق تقدماً على رغم زيادات ضريبية أكثر ارتفاعاً وتخفيضات في الموازنة الاتحادية.
وقال البيان: «مع الأخذ بالاعتبار تخفيض النفقات الاتحادية ترى اللجنة تحسناً في النشاط الاقتصادي وأوضاع سوق العمل منذ أن بدأت برنامجها لشراء الأصول قبل عام مع تنامي القوة الأساسية للاقتصاد ككل».
وأضاف قائلاً: «قررت اللجنة (صانعة السياسة) أن تنتظر مزيدا من الدلائل على تقدم تتوافر له مقومات الاستمرارية قبل تعديل وتيرة المشتريات».
وكان برنانكي قال في يونيو إن مسئولي مجلس الاحتياطي يتوقعون البدء بإبطاء وتيرة مشتريات السندات هذا العام وإن من المرجّح أن ينهوا البرنامج بحلول منتصف 2014 وهو موعد يتوقع المركزي الأميركي أن معدل البطالة فيه سيحوم حول 7.0 في المئة.
وفي بيانه يوم الأربعاء قال برنانكي إن معدلاً للبطالة عند 7.0 في المئة ليس «رقماً سحرياً» قد يتحكم في تحديد موعد إنهاء مجلس الاحتياطي لبرنامجه للتحفيز النقدي. وأضاف قائلاً: «قد نبدأ في وقت لاحق هذا العام. لكن حتى إذا فعلنا ذلك فان الخطوات التالية ستتوقف على استمرار التقدم في الاقتصاد... ليس لدينا جدول زمني محدد. لكننا لدينا بالفعل إطار العمل الأساسي نفسه الذي وصفته في يونيو».
وأبقى مجلس الاحتياطي أسعار الفائدة لليلة واحدة قرب الصفر منذ أواخر 2008 وزاد إلى أكثر من ثلاثة أضعاف حجم موازنته ليصل إلى أكثر من 3.6 تريليونات دولار من خلال ثلاث جولات من مشتريات السندات بهدف إبقاء تكاليف الاقتراض منخفضة.
وواجه قرار عدم تخفيف مشتريات السندات معارضة من عضو واحد بلجنة السوق المفتوحة هي رئيسة بنك الاحتياطي الاتحادي في كانساس سيتي إيسر جورج التي كانت الصوت المنشق في كل اجتماعات السياسة النقدية لمجلس الاحتياطي هذا العام معبرة في كل مرة عن مخاوفها من أن سياسة الفائدة المنخفضة قد تؤدي إلى فقاعات للأصول.
ولم تشارك في الاجتماع العضو بمجلس محافظي البنك المركزي والتي تم ترشيحها لتولي منصب بارز في الخزانة الأميركية، سارة راسكين. وجدد المركزي الأميركي القول بأنه لن يبدأ زيادة أسعار الفائدة على الأقل حتى يهبط معدل البطالة إلى 6.5 في المئة مادام التضخم لا يهدد بتجاوز مستوى 2.5 في المئة.
وفي أغسطس/ آب بلغ معدل البطالة في الولايات المتحدة 7.3 في المئة. ويتوقع معظم صانعي السياسة النقدية بمجلس الاحتياطي -12 من إجمالي 17 عضواً- أن الزيادة الأولى للفائدة لن تحدث قبل 2015، على رغم أن التوقعات تشير إلى أنهم قد يصلون في العام المقبل إلى المرحلة التي يدرسون عندها زيادة للفائدة.
وعقب القرار غير المتوقع من مجلس الاحتياطي أرجأ معظم المتعاملين في الأسواق توقعاتهم لأول زيادة للفائدة بضعة أشهر إلى أواخر يناير 2015.
العدد 4031 - الخميس 19 سبتمبر 2013م الموافق 14 ذي القعدة 1434هـ