العدد 4153 - الأحد 19 يناير 2014م الموافق 18 ربيع الاول 1435هـ

سجون الخمس نجوم... فكيف لا نبكي؟

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

في وقت مضى، قدَّم الزميل المبدع أحمد الشقيري في برنامجه: خواطر حلقة فريدة. كثيرون ربما شاهدوا تلك الحلقة المصوَّرة والمثيرة، لكنها حتماً ليست كباقي الحلقات، التي يستطيع الزمن والتكرار، أن يجعلا منها حلقة «ماضية» و«رتيبة». فهي بمثابة الناقوس، الذي وإن دَقّ صباح مساء فهو علامة على أمر واجب ومهم ويعني الجميع.

الحلقة تتحدث عن واحدٍ من أقدم السجون في العاصمة الدنماركية كوبنهاجن، حيث يصل عمره إلى واحدٍ وخمسين عاماً. الكاميرا بيَّنت أنك حين تدخل إلى السجن، لا تشعر أنك في مَحْبِس. الزنزانة فيه، تحتوي على كتب وعلى تلفاز به مختلف القنوات الفضائية، وثلاجة تضم العصائر والمأكولات والضروريات. والأهم أن النزِيْل هو مَنْ يملك مفتاح زنزانته، يُغلقها متى شاء، ويفتحها متى ما شاء، وكأنها بيتٌ له خصوصيته.

في باحة السجن، النزلاء يتحركون بلا قيود ولا أغلال. الإدارة هناك، وضعت لهم طاولة للعب البليادر، وفي جانب آخر من الصالة حوض لأسماك الزينة، يقومون هم بإطعامهم. دورات المياه في السجن مجهزة بكافة التجهيزات الصحية، من سوائل تنظيف وتعقيم، والمناديل الورقية فيها مُثبتة في جهاز كهربائي يدفعها بالتوالي كلما لامستَ زرّه.

في السجن مكتبة تحوي كتباً باللغة العربية، الأردو، الإسبانية، الدنماركية، الانجليزية، مع أجهزة حاسوب. في السجن قاعة تحرير صحيفة تصدر كل ثلاثة أشهر، يقوم النزلاء بالمساهمة في تحرير موادها الصحفية. والنزيل هناك يعمل ثمان ساعات يومياً، ويحصل نظير ذلك على مبالغ مالية، يساعد بها أهله أو يقوم بشراء ما يريد من حاجيات أخرى.

في السجن أيضاً، سوبرماركت تحتوي على كافة المواد الغذائية والكمالية وبقية مستلزمات الحياة، بل وتوفّر حتى اللحم الحلال للمسلمين. وعندما لا يجد النزيل ما يريده بين الرفوف، بإمكانه أن يُحرِّر ورقةً بما يريده، ثم يضعها في صندوق المقترحات كي يتم توفيرها له. في السجن مطبخ يتمتع بأقصى درجات النظافة الصحية والسلامة.

في ذلك السجن الدنماركي مستوصف به أطباء بتخصصات مختلفة بما فيها الأمراض النفسية، مع غرفة مساج. وفيه أيضاً صالة تضم العديد من الأجهزة الرياضية، مع مستلزمات التمارين من بروتينات ومواد مُكمِّلة وأحزمة للظهر، مع نظام للتشمّس.

وفي غرف الزيارة التي يستقبل فيها السجين عائلته وزوّاره، توجد هناك ألعاب أطفال مختلفة، من بينها ألعاب الفيديو المسمّاة بلاي ستيشن، وُفِّرَت في حال كان من ضمن الزائرين أطفال، حتى يستطيع السجين محاكاة أعمارهم تقوية للروابط العائلية.

في السجن لائحة تفصيلية بحقوق وواجبات السجين بأكثر من عشرين لغة متوفرة على موقع الكتروني للسجن. وبإمكان السجين رفع شكوى ضد سلوكيات العاملين في السجن، وإذا لم يُبَت في الشكوى خلال أسبوعين يمكن له رفع الأمر إلى المحكمة.

وبطبيعة الحال، فإن التعذيب ممنوعٌ منعاً باتاً، إلاّ إذا اعتديت على أحد فإنه يتم تقييدك. الأهم من كل ذلك، أنه وحين يتم الإفراج عن السجين تعطيه الدولة سكناً وتبحث له عن عمل. هذا بالضبط ما دوَّنته خلال مشاهدتي المتكررة لتلك الحلقة المثيرة.

حقيقة، ما سجَّله الأخ الشقيري يدفعنا للتأمل. فحين تقوم الدنمارك، وهي البلد الاسكندنافي البعيد عن الحالة الدينية، بل وعن «مسيحية أوروبا» بدرجات، فإن ذلك يعطينا مؤشراً على أن الموضوع متعلق بالثقافة الراسخة هناك تجاه ماهية السجن وكيفية النظرة إليه، وإلى مَنْ هم فيه وإلى مستقبلهم خلاله وبعده ومحاولة إصلاحهم.

بالنسبة لنا كعرب ومسلمين، فإن خيالنا مزكوم بالنظرة السلبية للسجون. وربما هي مُبرَّرة، كون أحوال العديد من سجون العالم العربي والإسلامي البائسة هي التي تمنحنا تلك النظرة. الأمر ليس وليد اللحظة، بل هو امتداد لطبيعة السلطة العربية منذ ما قبل الإسلام، عندما كان المناذرة يسومون المعتقلين في سجن الصنّين بالعذاب، ليس أبعدهم عن الذاكرة ما جرى لعدي بن زيد العبادي رغم زواجه من بنت النعمان.

أما سيرة السجون والتعذيب في عهود مختلفة من تاريخ الدولة الإسلامية فحدِّث ولا حرج، سواء ما حدث للمعارضين السياسيين من العلويين أو لأصحاب الإمام علي أو لأنصار أهل النهروان، أو لأصحاب الفكر والفلسفة والرأي كالإمام أحمد بن حنبل وللتيار المعتزلي. بل وحتى للشعراء، كما جرى لبشار بن برد، أو لأصحاب الديانات الأخرى كما حصل ليوحنا السمنودى حين أوقِفَ على إناء نحاسي مملوء بالجمر الملتهب.

وليس هنا مجالٌ للاستغراق في التاريخ العربي والإسلامي كي نقف على مآسي السجون، إلاَّ أن ما هو مهم، بالنسبة لنا هو ضرورة تغيير النظرة إلى معنى السجن والسجين. ليس فقط عبر الامتناع عن إيذاء المسجونين، بل أيضاً توفير ما تتطلبه الحالة الآدمية من حياة كريمة في السجن، لا تقل عن حياته وهو في الخارج سوى مسألة عزله وإبعاده.

المشكلة الأهم أيضاً، والتي تسبق أي شيء آخر في نظام العدالة، هي معالجة مُسببات الدخول إلى السجن، إن كانت قضايا رأي سياسي/ فكري/ جنائي. وتأتي في طليعتها العمل بنظام المساواة في الحقوق، وإنهاء التمييز، والقضاء على الفساد وتعزيز الحريات وتقبل النقد والرأي المخالف.

فمثل هذه الإصلاحات لن تحد فقط من أعداد مَنْ يدخلون إلى السجون، بل إنها ستعالج أيضاً مَنْ يخرجون منه، عبر دخولهم في حياة اجتماعية وسياسية واقتصادية عادلة، تقل فيها أمامهم فرص جنوحهم إلى الجرائم مرةً أخرى، وبالتالي تحوّلهم إلى أناس صالحين، كما تُبيِّن الإحصائيات التي يتم إعدادها في كثير من دول الغرب (كالدنمارك).

ربما يتألم الإنسان العربي والمسلم فعلاً حين يجد أن مثل تلك التجارب الإنسانية تُطبق في دولٍ لم تعرف نزول الأنبياء، ولا الفلسفات الروحية القديمة، في حين تفتقر إليها أغلب دولنا. وهو ما دَفَع بأخينا أحمد الشقيري لأن يبكي عندما رأى سجن كوبنهاجن، منهياً حلقته بتحيته الحارة لإدارة السجن الدنماركي: إني حقاً فخور بهذا؛ لأن معظم الناس في العالم ليست لديهم هذه الحقوق، أنتم توفرون هذه الحقوق للبشرية وهذا شيء جيد.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 4153 - الأحد 19 يناير 2014م الموافق 18 ربيع الاول 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 15 | 6:19 م

      قمة العدل

      من ابسط حقوق السجناء أتمنى ان نصل الى هذا الا لمستوى من العدل شكرًا للشقيري

    • زائر 13 | 7:29 ص

      يافرج الله

      السجون في اوطاننا مقر للتعذيب و مل من به مرض او حقد يُظهره في السجناء السجانين ناس ممسوخين انُتزعت الرحمه من قلوبهم حتى الحيوانات ما تسوي جذيه كل شي تتخيله من اهانات و تعذيب نقسي و جسدي تراه في سجون اوطاننا حسبي الله و نعم الوكيل

    • زائر 12 | 5:10 ص

      عدالة القضاء

      قي معتقلات البلد أناس من ذوي الاحتياجات الخاصه مثل الكفيف علي سعد ودكتور السنكيس وأطفال في سن العاشره ولا ننسى وقفة الكفيف علي في المستشفي بملابسه الصيفية وكان في يوم شديد البرودة أي رحمه أكثر من هذه تطالب بها يا اخي

    • زائر 14 زائر 12 | 7:34 ص

      لسان ما في عظم

      قوية اشوية.....و نسيت الاطفال الرضع و الحيوانات الاليفة.

    • زائر 11 | 4:40 ص

      مرحبا بالأخ أحمد الشقيري في البحرين

      حبذا لو تقوم يا أخي الكريم بزيارة لسجون البحرين لتنقل صورة السجون عندنا والسجناء والسجانين للعالم الخارجي؟ هل ستقبل هذه الزيارة؟ ما أدري

    • زائر 10 | 4:34 ص

      مفارقة

      يوم واحد في سجن عربي يساوي سنة في سجن كوبهاجن

    • زائر 9 | 3:16 ص

      في الدنمارك

      السجين بامكانه الخروج في الويكند بس يحددون له موعد للرجوع ويخلون عليه السوار اللي يحدد موقعه اينما ذهب والله الاسلام مطبق في الدنمارك بس هم مو مسلمين بس اسلام اللحي الطويله وجهاد النكاح اللي عندنا يخلي المسلم يكفر بالاسلام

    • زائر 8 | 3:11 ص

      نعم صحيح

      مقال أكثر من رائع، سلمت يداك أيها الكاتب الحر

    • زائر 7 | 2:34 ص

      من حقكم ان تتعجبوا يا عرب

      من حق العرب ان يتعجبوا!!! فقد ذاقوا الأمرين في سجون لا تسمح لهم بالحلم

    • زائر 5 | 1:54 ص

      سؤال

      هل توجد امكانيه للتقاعد في هدا السجن ؟ انا مامزح .

    • زائر 3 | 12:49 ص

      سجن!!!!!!

      معقولة يعني في سجن بهالصورة ؟؟!!! لو فيلم من مخيلة صحفي؟

    • زائر 1 | 10:58 م

      الحمدلله

      لو وجد سجن بهذه المواصفات عندنا لكثرة الجرائم وأستطيع أن أؤكد أن 90 % منه سوف يكون فري فيزا يود عاد قوم فچچ

اقرأ ايضاً