العدد 4359 - الأربعاء 13 أغسطس 2014م الموافق 17 شوال 1435هـ

سياسات التدمير الذاتي

جعفر الشايب comments [at] alwasatnews.com

كاتب سعودي

المنطقة العربية تشهد في هذه الفترة أسوأ مراحل تدهور وضعها السياسي والاجتماعي بشكل عام، من خلال تصاعد حدة الصراع بين مختلف مكوناتها، وعدم القدرة على الوقوف أمام حالة الانهيار السياسي المتلاحقة للأنظمة السياسية وللتركيبة الاجتماعية في هذه البلدان.

أصبح الاستقرار السياسي مفقوداً، وبدأت تضعف هيمنة الأنظمة المركزية وأجهزتها الأمنية، وتحولت القوى المعارضة إلى جماعات عنف منفلتة تعمل على إسقاط الأنظمة من ناحية، وعلى تعميق النزاعات الداخلية في المجتمع.

هذا هو الحال السائد أينما تطلعت في المنطقة العربية، حيث أصبحت خيارات التقسيم والتجزئة بناء على الهويات المذهبية والإثنية أمراً متداولاً ومقبولاً لدى كثيرين.

في السابق كان هناك أعداء ومنافسون من الخارج يعملون على إثارة القلاقل والتدخل في الشئون الداخلية لتعزيز وجودهم ومصالحهم الاستراتيجية والاقتصادية، لكن في هذه الفترة انتقل التنافس ليكون بين مختلف المكونات الداخلية في المجتمعات العربية.

ونظراً لغياب أدوات التنافس السياسي وعدم تطورها وقدرتها على معالجة مصالح كل فئة، فإن اللجوء إلى الصراع العنيف أصبح مع الأسف هو الخيار المتاح أمام هذه الجماعات الصاعدة.

من المؤكد أن ما سيسفر عنه الاحتراب الداخلي القائم في هذه المرحلة، هو مزيد من الخسائر والتضحيات وفقدان الاستقرار والأمن الاجتماعي، وإنهاك الاقتصادات الوطنية، وخلق معادلات جديدة لتوازن القوى، ونمو متصاعد للهويات الفرعية مقابل الهوية الوطنية الجامعة.

ولا يبدو في الأفق أن هناك قدرةً على الوقوف أمام هذا التدهور السياسي المتسارع، لكون الجماعات المتصارعة في حالة تنامٍ وفاعليةٍ قوية، وللضعف السائد في الأنظمة السياسية، ولوجود تنافس وصراع إقليمي حاد بينها.

إن إدراك الجميع أن المنطقة برمتها تسير في نفقٍ مظلمٍ لا أحد يعرف نهايته، هو ما يجعل مختلف الفاعلين بما فيها القوى الدولية غير قادرة على صناعة سياسات واضحة ومحددة تجاه المنطقة.

الأنظمة السياسية عليها العمل الجاد لتجديد سياساتها الداخلية لاستيعاب الجماعات الصاعدة وإدماجها وإشراكها في صناعة القرار وبصورة جادة، بما يحافظ على حالة من الأمن والاستقرار، بدلاً من سياسات الإقصاء والتهميش والقمع، التي أثبتت أنها سبب في تصاعد الأزمات.

الأمن الوطني لا يتأتى في هذه المرحلة إلا من خلال استحداث قنوات تفريغ الاحتقان والتعبير عن الذات، وإطلاق الحريات السياسية وليس تقييدها، وإفساح مجالات أوسع للمشاركة الحقيقية، والاعتراف بالتنوع الإثني والديني القائم في هذه المجتمعات وحمايته.

الاتجاه الثاني للمعالجة يمكن من خلال مشاريع التعاون الإقليمي لكسر حالة التوتر والتنافس السلبي، الذي ثبت أنه عاد بأضرار كبيرة على المنطقة، وتسبّب في نشوء فراغ سياسي استغلته الجماعات المتطرفة.

فعلى الرغم من صعوبة التعاون الإقليمي المشترك في هذه المرحلة، إلا أنه أصبح ضرورةً ملحةً من أجل حماية الأوطان واستقرارها، وذلك بعيداً عن المواقف الشخصية والنزعات المصلحية.

إن إدارة الصراع الإقليمي ينبغي أن تتخذ منحى آخر من التنافس بما يحقق مصالح الجميع، فقد أثبتت الأحداث أن أياً من الأطراف الإقليمية المتصارعة لم يحقق مكاسب مهمة، أو أن ما حققه من مكاسب كانت على حساب الأطراف الأخرى، ما يعني استمرار التوتر والصراع.

لا شك أن الخيارات المتاحة محدودة للغاية في هذه المرحلة، بسبب سياسات تأجيل وترحيل المشكلات السياسية في المنطقة وعدم معالجتها في بداياتها، ولكن الوقوف متفرجين على ما يجري أو اتخاذ سياسات سالبة كاعتماد الأمن والقمع كحل، سيزيد الوضع تطرفاً وتشنجاً، ويسرع بحالة التدمير الذاتي لهذه المجتمعات.

إقرأ أيضا لـ "جعفر الشايب"

العدد 4359 - الأربعاء 13 أغسطس 2014م الموافق 17 شوال 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً