العدد 4359 - الأربعاء 13 أغسطس 2014م الموافق 17 شوال 1435هـ

حقاً أقول لكم!

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

حالة الاستبداد في عالمنا العربي ضاربةٌ في جذور الثقافة والسياسة والاجتماع.

لدينا نماذج فذّة في الطغيان، قديماً وحديثاً، فمن هذه الأمة خرج أحد خلفاء الأمويين ليهدّد سامعيه في المسجد: «من قال لي اتق الله بعد مقامي هذا ضربت عنقه»! وخرج الحجّاج في خطبته البتراء متوعّداً: «وأيم الله إن لي فيكم لصرعى كثيرة، فليحذر كل امرئ منكم أن يكون من صرعاي». وخرج أول خليفة عباسي في خطبته ليصيح في المصلّين: «أنا السفّاح المبيح والثائر المتيح».

هذا مفهومٌ في السياسة، حيث استمر الاستبداد منذ سقوط تجربة الخلافة الراشدة، إلى سقوط الدولة العثمانية، وفي عهد الاستعمار وما بعد الاستعمار. إلا أنه حين تتحوّل القضية إلى ثقافة عامة، لها مروّجوها ومنظّروها وكتابها ومطبّلوها، فهذه هي الكارثة الكبرى.

من معايب حالة الاستبداد في الأرض العربية، أنه خلق طبقاتٍ مترهّلةً من المثقفين وأشباه المثقفين، ممن يدافعون عن الأخطاء والمظالم والسياسات الخاطئة. وطبعاً كلٌّ بثمنه، فليس هناك من أفراد هذه الكتائب متطوّعٌ واحدٌ يكتب لوجه الله أو لمصلحة الشعب. وهو ما يحتاج إلى عمليات مداورة ومناورة للتغطية على حقيقة المصالح الشخصية المختبئة وراء هذه المواقف والكتابات.

بعد الربيع العربي، أصبحت هذه الطبقة الاستغلالية مكشوفةً أكثر، ولم يعد هامش المناورة أمامها كبيراً، فكان خيارها الاستراتيجي الانحياز المطلق للأوضاع القائمة على علاتها. ولأن الربيع العربي كان ثورة شعوبٍ عربيةٍ على فشل الأنظمة السياسية، وللمطالبة بالخبز والكرامة والحرية لتعيش كبقية شعوب الأرض، فقد بحثت هذه الطبقة المستغِلة عن خشبة خلاص، فكان أن وجدتها في إثارة الخلافات داخل الشعب الواحد، وتشطير المجتمع، وتأجيج الصراعات.

هذه الطبقة وضعت نفسها ناطقةً رسميةً باسم الاستبداد، وهي ضيّقة الصدر بالرأي الآخر، لأنه يكشفها ويعرّيها، حيث يقدّم نموذجاً مختلفاً، صوتاً آخر، فكراً مغايراً، ويعكس وجهات نظر الطبقات والفئات والقوى الأخرى المغيّبة، التي يُراد لها أن تكون مهمّشةً، أو تعيش دائماً في القاع.

الفكر الاستبدادي، لا يقبل بوجود «آخر»، وكل معاركه موجّهة ضد «الآخر»، وهو مستعدٌ للاصطفاف حتى مع الشيطان واستخدام كل ترسانته البلاغية، لإثبات أن هذا الآخر عميلٌ للخارج، وخائنٌ للوطن، ومجرمٌ، ولا يستحق الحياة.

بقاء الآخر على قيد الحياة أمرٌ لا تحتمله هذه الطبقة من خدم وأنصار الاستبداد. فهم يستكثرون عليك أن تكتب مقالاً، أو تدافع عن موقف سياسي تؤمن به، أو تعبّر عن رأيك. هم يفترضون أن لا يكون للمواطن رأي من الأساس، وأن يساق كالدابة وفق ما تراه الحكومات. ومن أجل ذلك يستكثرون عليك أن يكون لك رأي «آخر» غير الرأي الذي ترتئيه السلطات.

ولأن هذا هو دأبهم منذ سنوات، عقيدةً سياسيةً يتوارثونها منذ عقود، فقد وصلوا أخيراً إلى نهاية مرحلة الإفلاس. لم يدافعوا يوماً عن حق، يجادلون حتى في البديهيات، حتى أصبحوا يدافعون عن الانتهاكات الفاضحة لحقوق الإنسان. وكلّ يومٍ يحرّضون على الطرف الآخر الشريك في الوطن. يستثيرون حمية السلطات ويؤجّجون غضبها، كما كانت تفعل النائحات أيام حروب الجاهلية، ولن يهدأ بالهم إلا إذا وجدوك مصفّداً بالأغلال.

ليس لهم رأيٌ ولا عملٌ ولا فكر، غير قراءة مقالات «الآخر»، والردّ عليه مباشرةً في اليوم التالي. ولو توقّف «الآخر» عن الكتابة يومين متتالين لتورّطوا وبان هزالهم، ألا يجدوا موضوعاً يعبئون به زواياهم اليومية.

أقول لكم بحقّ: مع كل هذا الهوس الجنوني بالآخر، ألم تكتشفوا كم أنتم مدينون للآخر ومنذ سنوات؟

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 4359 - الأربعاء 13 أغسطس 2014م الموافق 17 شوال 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 35 | 6:13 ص

      رد على زائر 18

      الله يحشرك ويه الامويين يوم القيامة بعدين بتحس بقيمة محمد واله عليهم افضل الصلاة والسلام اللهم العن اميه

    • زائر 36 زائر 35 | 7:58 ص

      الزائر رقم 18

      لماذا السب لبنى اميه منهم من اصاب ومنهم من أخطأ .

    • زائر 34 | 6:09 ص

      الله يحفضك سيدنا

      اصدق سيد ان المعلقين على مقالاتهم كلهم مجنسين واساميهم ماتتغير يعنى حتى الي اعلقون ماجورين المشتكى لله والله يهلك كل ظالم ويهلك الموالين اليه

    • زائر 33 | 5:10 ص

      الثقة

      الرجاء من الجميع ان يثقوا الله فى هذا البلد وان يكون الرد فى صلب الموضوع بدون تجريح فى الآخرين وان يكون الهدف هو الإصلاح اللهم احفظ البحرين وأهلها وكل من يخدم هادي البلد فى اي موقع كان وان تكون لنا العبرة في البلدان حولنا

    • زائر 32 | 4:52 ص

      حكام العرب

      تركوا مبادئ الاسلام السمح ولهثوا وراء دنيا فانيه وركبوا اهواءئهم واهواء شياطين الغرب والشرق فتعسا لقوم لا يفقهون

    • زائر 31 | 4:24 ص

      وشدخل ولاية الفقيه

      اعتقد ان سيدقاسم لم يكتب عن ولاية الفقيه ولا مرة وحدة حسب ما اتذكر وانتم كلمة والاخرى دخلتون ولاية الفقيه. وش هالعقليات ؟

    • زائر 30 | 4:23 ص

      سمعوا كلام زائر 9

      آقول لكم يا اخواني سمعوا كلام زائر 9 شنو يقول ( أبلغ رساله لهؤلاء يا سيد هو الصمت وعدم الرد عليهم لأنهم لا يستحقون ان وضعهم في موضع الآخر فهم ليسوا كذلك )، والله صدقت الله يحفظك من كل شر

    • زائر 28 | 4:08 ص

      لن يتغيروا لأنهم في يد ( ليس لهم رأي ولا عمل ولا فكر )

      يلفون ويدورون يكتبون مقالات طويلة عريضة في شتى مناحي الحياة وفي الأخير يفصلونها على ،، ايران العراق ، ودخلت على الخط سوريا ن وحزب الله له ايضا نصيب ولحقتهم ( الوفاق ) فما يخلوا مقال لهم من هذه الأسماء وان دل ذلك على شيء فأنه يدل على ما يمحلون من كره وحقد ليس له معنى على تلك الأسماء ويعيشون العقد منها طبعا يتمسحون بأنهم ضد الطائفية ليشتموا الطائفية الأخرى بكل اريحية ، في النهاية نقول لهم كما قلت يا قاسم( ألم تكتشفوا كم أنتم مدينون للآخر ومنذ سنوات؟ ) نعم هم مدينون طلعوا فوق لونزلوا تحت .

    • زائر 27 | 4:07 ص

      للأسف

      للأسف الشديد يا سيد هناك الكثير ممن هو على إستعداد أن يفجر نفسه ويهلك إلى نار جهنم وهو يعرف أنه يقتل أبرياء , لا نستغرب ممن يرد على الحق بباطل ويشري نفسه بدنانير ولديك أمثلة كثيرة بعضهم يكتبون في الصحف ... والبعض سخروا ليشاركوا في قناة ... من ... والآخر ليردوا على مقالاتكم .

    • زائر 25 | 3:50 ص

      للشواذ و من البطحة على رؤوسهم

      ولاية الفقيه ليس لها ذكر في الموضوع هنا الا انه همكم النابع من الحقد و الجهل بأصول الحوار النزيه و قبلها تعلموا الاملاء و الانشاء ثم احشروا انوفكم بالعقل و الادب.

    • زائر 26 زائر 25 | 4:00 ص

      مسامحة الشيخ أرجو المعذة !!!!!!!!!!!!!!!!!

      من معاي أكيد أبو الأسود أو العقاد

    • زائر 20 | 2:39 ص

      شفت

      شفت ابوالهواشم دائماً يلصقونك بالخارج في كل صغيره وكبيره الله على الظالم

    • زائر 19 | 2:39 ص

      مفلسين

      لولا الوسط لقفلوا دكاكينهم

    • زائر 18 | 2:32 ص

      مسكين انت

      مسكين انت الدولة الأموية مسببه لك عقده تلف و تدور و ترجع تتكلم عنها على العموم لن يضر دولة عظيمة بناها رجال عظام ان تطعن فيها انت

    • زائر 16 | 2:09 ص

      مفلسين

      لولا مقالاتكم في الوسط لما وجد الطرف الاخر ما يكتبون عنه. قمة الافلاس. ما عندهم الا الرد عليكم . فعلا مفلسين يحمدون ربهم لولا مقالاتكم فنشوهم.

    • زائر 15 | 2:02 ص

      هذه شغلتهم سيد

      يقبضون عليها فلوس .

    • زائر 14 | 1:54 ص

      تفهم في من

      لو ... فهموا .. لكن ويش نقول خلها على الله

    • زائر 13 | 1:44 ص

      قال الامام علي عليه السلام

      لسانُ الْعَاقِلِ وَرَاءَ قَلْبِهِ، وَقَلْبُ الْأَحْمَقِ وَرَاءَ لِسَانِهِ.

    • زائر 12 | 1:36 ص

      شكرا جزيلا

      ياسيد المعضلة الكبرى أنهم يعترفون في مابينهم أن هناك مشكلات كبيرة وحقوق مغتصبة ومضيعة وسرقات للسواحل والأرضي ومحسوبيات ورشاوي وبعثات بنظام قرقوش وهم يقرون ويشاهدون ذلك ويبكون فيما بينهم ولكن بصمت ويعلمون أن من خرج مطالبا بالحقوق هو على صواب ولكنهم ياسيد لا يريدون حلا يأتي من قبل الشيعة ويرضون بالظلم الواقع عليهم ولكنهم لايعترفون بذلك وكل هذا بسبب الحقد ...

    • زائر 11 | 1:13 ص

      أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم= هذا ما حدث للامة ولا زلنا في حالة الانقلاب

      نعم هو الانقلاب الذي وعدنا الله به بعد فقدان نبيه الاكرم صلى الله عليه وآله وها نحن نشهد ان أمة الاسلام والسلام اصبحت امة الظلم والتخلّف والجور والقتل وسفك دماء الابرياء ولم تبقى صفة ذميمة الا وكنا سبّاقين لها ولا نخفيها بل نظهرها للعالم وكأنها حقيقة الاسلام لذلك حين يكتب البعض من الغربيين ليسيء للإسلام نحن قد سبقناه بإساءتنا والظهور بهذه المظاهر. فوزرنا وزران وزر اقتراف الذنب ووزر الصاق هذا الذنب بدين المحبة والسلامة والرحمة والتسامح الذي ابتعدنا عن كل قيمه

    • زائر 9 | 1:11 ص

      يكفينا ان نصمت

      أبلغ رساله لهؤلاء يا سيد هو الصمت وعدم الرد عليهم لأنهم لا يستحقون ان وضعهم في موضع الآخر فهم ليسوا كذلك

    • زائر 8 | 1:07 ص

      هي تجارتهم فقط

      لقد طرح مثل هذه الأسئلة على بعض كتاتيب السلطة وأولهم عقرب الرمل ماذا لو لم تكن الوفاق موجودة وعلي سلمان ليس في الصورة وخطب الشيخ عيسى قاسم مغيبة عن ماذا ستكتبون ؟ ماذا لو تم التوافق بين الحكومة والمعارضة على كل شيئ وتم حل الأزمة يا ترى هل لديكم شيئ تكتبون عنه في عمودكم ؟ هذا الثلاثي الوفاق وعلي سلمان والشيخ عيسى قاسم هو محور كتاباتهم فقط ، فكرهم محصور في انتقاد هذا الثلاثي ولا غيره إلا ما ندر مثل ما حدث أمس عندما انتقدت مقال رئيس تحرير الوسط حول إسقاط الجنسيات . يكتبون لمن يدفع لهم ولا غير.

    • زائر 7 | 12:54 ص

      مراقب ...

      من لي بالحجاج يحكمنا ..
      وبني العباس تعزنا ..
      وبني أمية تحضرنا وتحمينا ..

    • زائر 6 | 12:35 ص

      !!!!

      أشهد أنك مبدع بحق سيدنا الجليل!!

    • زائر 5 | 12:04 ص

      و ماذا عن

      ولاية الفقيه؟ أليست استبداد باسم الدين؟!

    • زائر 37 زائر 5 | 3:43 م

      معلوماتك ناقصة

      الولي الفقيه ينتخب من مجلس الخبراء والذي هو منتخب من قبل الشعب

    • زائر 38 زائر 5 | 2:38 ص

      للزائر 37

      يعني ليس للدين دور في اختيار ولاية الفقيه؟

    • زائر 4 | 11:43 م

      ريموت كنترول

      هم يفترضون ان لا يكون للمواطن رأي ويساق كالدابة

    • زائر 3 | 11:24 م

      محرقي

      نتمنا في المستقبل أن يكون لك رأي يختلف عن الولي الفقية

    • زائر 17 زائر 3 | 2:28 ص

      قصدك رأي مثل أبوبكر الداعشي

      هذا قدرك أنت وأمثالك... أما نحن فنكرر (فمثلي لا يبايع مثله)...

    • زائر 21 زائر 3 | 2:42 ص

      لماذا؟

      الم تشعر بأنك ممن كتب عنهم الكاتب بردك هذا؟
      كم من الكتاب اصبح شغلهم الشاغل بل لم يشغلهم الا الكتابة للدفاع عن الظلم و الفساد و ترسيخ العبودية في كل ارجاء الوطن العربي و لو كتب قاسم حسين عن التمجيد و الثناء و نسب كل كوبري و إشارة و عمارة ...................... لتوقفت عن إرسال التهم جزافا بالصاقه بالولي الفقيه الذي اصبحت تلوكه في لسانك لحاجة في نفس يعقوب!
      و اذا لم يكن هنالك حل لعقلك الصدئة لقلت انها تقية!

    • زائر 22 زائر 3 | 2:51 ص

      مثل بحريني

      يا محرقي هل تعرف معنى المثل اللي يقول:
      تكلمت ودلت مربطها؟

    • زائر 29 زائر 3 | 4:17 ص

      زائر 3 تعبون الاخر والعيب فيكم مستحكم

      من يريد ان يعيب من المفترض ان يكون قدوة حسنة لما يدعوا له ولكن انتم ؟؟؟ لا تجرؤن انتقاد مسئول بل تألهون بعضهم ( نكتة الصباح ) هذه لو شنوا ؟

    • زائر 2 | 11:02 م

      وجعلوا أعزة أهلها أذلة، وكذلك يفعلون ....

      لدينا نماذج فذّة في الطغيان، قديماً وحديثاً، فمن هذه الأمة خرج أحد خلفاء الأمويين ليهدّد معارضيه: «من قال لنا برأسه هكذا، قلنا له بسيوفنا هكذا» ...

اقرأ ايضاً