العدد 4508 - الجمعة 09 يناير 2015م الموافق 18 ربيع الاول 1436هـ

التجمهر والشغب وكراهية النظام ثلاثُ تُهم تنتظر المعارضين

علي محسن الورقاء comments [at] alwasatnews.com

محامٍ بحريني

منذ قرابة عقدين من الزمن، أحالت النيابة العامة المئات من المعارضين للمحاكمة بتهمة التجمهر والشغب، أو التحريض على كراهية نظام الحكم، حتى بتنا نشعر أن هذه التهم الثلاث جاهزة ليحملها المعارضون ممن لا سوأة لهم من جُرم أو خطيئة غيرها.

وغالباً ما تُقيد تهمتا «التجمهر والشغب» بموجب المادتين رقمي (178 و179) من قانون العقوبات، اللتين جاء فيهما «كل من اشترك في تجمهر في مكان عام مؤلف من خمسة أشخاص على الأقل الغرض منه ارتكاب الجرائم أو الأعمال المجهزة أو المسهلة لها، أو الإخلال بالأمن العام ولو كان ذلك لتحقيق غرض مشروع... وإذا شرع واحد أو أكثر من المتجمهرين في استخدام العنف لتحقيق الغاية التي اجتمعوا من أجلها كان ذلك شغباً...».

وتُقيد تهمة «التحريض على كراهية النظام» بموجب المادة رقم (165) من القانون المذكور التي تنص على أنه «يعاقب بالحبس من حرّض بإحدى طرق العلانية على كراهية نظام الحكم أو الازدراء به».

وحيث كان الأمر ذلك، ونظراً لتساؤل الشارع، استوجب الوقوف على ماهية هذه التهم وفقاً لما جاء في النصوص السابقة، ومن ثم تقييم الأحكام الواردة فيها لمعرفة مدى تطابقها مع دستور البلاد على الأقل في هذا الصدد من عدمه.

فبالنسبة إلى تهمتي «التجمهر والشغب»، نجد أن النص بشأنهما سابق الذكر يحتمل معنيين هما «التجمهر السلمي» و»التجمهر غير السلمي»، إذْ أنه لم يُفصح صراحة عن أيهما المقصود، فضلاً عن أن القانون لم يُعرِّف التجمهر السلمي أو غير السلمي، مما زاد النص غموضاً، إنما فقط أخبر عن التجمهر المُعاقب عليه بقوله: «إذا كان الغرض منه ارتكاب الجرائم أو الإخلال بالأمن العام»، مما يفهم منه أن جريمة التجمهر لا تقوم إلاّ إذا كان الغرض من التجمهر ارتكاب جريمة، أو الإخلال بالأمن العام، فإن لم يكن الغرض منه ذلك فلا يعتبر هذا التجمهر جريمةً، ومن ثم يمسي قمعهُ بالعنف أو بالقوة في هذه الحالة عملاً خاطئاً، إنْ لم يكن جريمةً بحد ذاته.

وأيما يكن من أمر ذلك؛ فالسؤال الذي يثور هنا هو: من الذي يُقيِّم ما إذا كان التجمهر سلمياً أو غير سلمي لكي يُقمع أو لا يُقمع؟ هل هو قائد فرقة الشرطة المتواجد في ساحة التجمهر، أم خبير قانوني مختص يرافق هذه الفرقة؟ أم أنه في مفهوم مديرية الأمن العام إن أي تجمهر أيما يكن شكله وسلميته وهدفه يستحق القمع؟ هذا ما لا نعرفه بعد.

وبعيداً عن التحليل السابق، فإنه بالعودة إلى الدستور المحلي نلحظ فيه إقراره بالحقوق الآتية:

(1) الحرية والمساواة مكفولة للجميع دون استثناء. (المادة رقم 4).

(2) حرية الرأي مكفولة أيضاً، ولكل إنسان حق التعبير عن رأيه ونشره بالقول أو الكتابة أو غيرهما. (المادة رقم 23).

(3) للأفراد حق الاجتماع الخاص دون حاجةٍ إلى إذن أو إخطار سابق، ولا يجوز لأحد من قوات الأمن العام حضور اجتماعاتهم الخاصة. (المادة رقم 28/أ)

(4) الاجتماعات العامة والمواكب والتجمعات مباحة وفقاً للشروط والأوضاع التي يبينها القانون، على أن تكون أغراض الاجتماعات ووسائله سلمية ولا تنافي الآداب العامة (المادة رقم 28/ب).

(5) يكون تنظيم الحقوق والحريات العامة المنصوص عليها في الدستور أو تحديدها بقانون، ولا يجوز أن ينال التنظيم أو التحديد من جوهر الحق أو الحرية. (المادة رقم 31).

وحيث كان الأمر ذلك، وكان الدستور هو التشريع الأعلى بحيث لا يجوز مخالفته بقانون أو بلائحة؛ وحيث أن هذا الدستور ـ على نحو ما تقدّم ـ قد كفل حرية الرأي وحق الأفراد في التجمع دون حاجة إلى إذن مسبق، كما شرَّع وكفل حرية الاجتماعات العامة والتجمعات متى كانت سلمية، وصرَّح بصريح النص بعدم الجواز لأي قانون أن ينال من جوهر هذه الحقوق.

وحيث أن التجمهر السلمي لا يعدو كونه نوعاً من التجمعات العامة التي كفلها الدستور، جاز لنا أن نسأل بعد ذلك: هل أن النصوص الدستورية السابقة غامضة تحتاج إلى تفسير، أم أن الدستور عاد ونسخ نصوصه بخلاف إرادة الأمة؟ فإن لم يكن هذا ولا ذاك فلِمَ إذن تُقمع المسيرات والتجمعات السلمية التي شرَّعها الدستور؟ ولما يُزج بالمئات من الذكور والإناث في السجون عند كل تجمهر سلمي؟ ولما هذا التمادي في معاقبة الأشخاص دون جرم؟

أما بالنسبة لتهمة «التحريض على كراهية نظام الحكم»، فإننا بدايةً نشير إلى أنه رغم إطلاعنا الواسع على قانون العقوبات والقوانين الأخرى، لم نجد هناك نصاً صريحاً مانعاً يُعرف ماهية الكراهية في هذا الصدد أو يبين أركانها، خصوصاً أن النص السابق بشأن هذه الجريمة جاء فارغاً من بيان علة الحكم، وبالتالي لا نجزم بسلامة تفسيره.

وحيث أن «التحريض على الكراهية» هو فعل تابع أو متصل بالكراهية، وحيث أن هذا المتبوع (أي الكراهية) غير معلومة الكيف والأركان من وجهة نظر القانون كما بينا سلفاً، فإن البحث في «التحريض» كجريمةٍ لا يجدي نفعاً طالما أن المُحرَّض عليه غير معروف قانوناً.

بيد أننا لو نظرنا إلى قواعد اللغة والمنطق والعلم الاجتماعي والسياسي نستخلص منها مجتمعة الآتي:

أولاً: إن الكراهية تعني البغض، والبغض مكنون في النفس، وما هو مكنون في النفوس لا يجوز إثباته بالظن والتخمين ولو صدر من المتهم ما يوحي كراهيته بلفظ قد يكون «لغواً» أو يكون تعبيراً عن «اعتراض».

ثانياً: إن كراهية الأفراد لنظام الحكم لا يعني على وجه الإطلاق معاداته، حتى وإنْ رقى إلى هذا الحد، لأن معاداة الحكم لا يستوي في الميزان مع معاداة الأفراد لبعضهم البعض، ذلك لأن معاداة الأفراد لبعضهم البعض خروج عن المبادئ الإنسانية والخلق الاجتماعية، أما معاداة الأفراد للحكم فهو أمر طبيعي ومقبول في النظم الديمقراطية ما لم يتبعه الرغبة إلى تقويضه.

في حين أن رجال السياسة ينظرون إلى كراهية الأفراد للنظام لا تعدو أن تكون إما وجهاً من وجوه الاعتراض عليه، أو ذماً فيه، أو انتقاداً له، وهذه الوجوه وأخواتها حقوقٌ كفلها الدستور وأقرتها النظم الديمقراطية، وإن أي نظام يرفض انتقاده ويُحرِّم الاعتراض عليه أو لا يقبل ذمه هو نظام غير ديمقراطي.

وإن أي نظام ليس همهُ إلا أن يرى من يؤيده، أو من يواليه، أو من يمدحه، هو نظام غير مثالي وغير تقدمي، والحضارة لا تتوق إلا للنظام المثالي التقدمي.

إقرأ أيضا لـ "علي محسن الورقاء"

العدد 4508 - الجمعة 09 يناير 2015م الموافق 18 ربيع الاول 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 14 | 2:32 م

      الى يدة في الماء

      لانك لم تصادف في الطريق وانت مع اهلك بناس تخرب و تحرق ..لانك لم تتعطلع مصالحك ..لانك لم تهدد انت وعائلتك

    • زائر 13 | 10:47 ص

      سلام الله على شعب البحرين

      شعب البحرين عانا الأمرين من ان ابتدئه في حراكة المطالب عن الحقوق والكرامه وسيستمر الي ان يحصل عليه وبطرق السلميه.

    • زائر 12 | 2:53 ص

      القانون و الديمقراطية

      مقال قانوني متخصص وفيه روح الديموقراطية والانسانية المتقدمة

    • زائر 11 | 2:43 ص

      مواطن مغلوب

      شكرا للتنويه استاذ علي ولكن الداخليه مختصه بهذا القانون وحدها فهي تكيل ما تريده لاي من المعارضين البارزين بتلك التهم وياتي امره الحبس والاحكام كلها مسيسه ولا تاخذ من الدستور للإحتكام !

    • زائر 10 | 2:19 ص

      بوركت

      احسنت يا دكتور في طرحك، لكني لن استغرب ان قامةا بإعتقالكم بتهمة التحرض على كراهية النظام من خلال طرح المقال،.

    • زائر 9 | 1:28 ص

      من

      من حق الانسان ان يكره من يؤديه فى العيش ويحب الانسان المسالم والحقانى الي ياخد حق المحتاجين اما عن المسيرات لاحضوا المسيرات التى تخرج ادا لم تاتى الشرطة وتقمعها اتخلص بكل اداب المسيرات ويدهب كل واحد الى بيته لاكن ادا اتت الشرطة وقمعتها تصير اطرابات وسبب الاطرابات هى المعتدى الشرطة المشتكى لله

    • زائر 7 | 12:27 ص

      وامة لا تنتقد لا تتقدم انما مكانك سر ولو بعد 100 سنة

      اذا ما الهدف من اقامت الدول والانظمة للانسانية مجرد علف المواطن كالحيوان يأكل منا ويزرب منا ، اسمحوا لنا على التعبير ،وشكرا لكم .

    • زائر 6 | 11:56 م

      موضوع متخصّص وهو في غاية الفائدة ولكن

      كلام رجل صاحب باع وذراع في القانون ولو اخذنا بمنطق القانون لسقطت كل التهم عن قرابة 4000 معتقل ولكن كما هي الحقوق معطّلة في هذا البلد فكل القوانين معطّلة

    • زائر 5 | 11:42 م

      تهمة صاحبها اولى بها

      من يتهم الآخرين بكرههم او بغضهم له فعليه مراجعة تصرفاته مع الآخرين وفي حقهم.

    • زائر 4 | 11:39 م

      أصبت عين الصواب يا استاذي

      لكن للأسف، .................................................جميعهم مشتركين في مصالح مشتركة لا تتوافق مع مصالح باقي الشعب. فلذلك يتم إرهاب البلاد والعباد لكي تتحقق مصالح أفراد على حساب مصالح باقي الشعب.

    • زائر 3 | 11:34 م

      قالت امهاتنا وأجدادنا : كل واحد يحبّب بروحه ويبغّض بروحه

      الامثال كثيرة ولكني احببت اقربها لقلبي وهي مقالة امهاتنا: ومعنى هذه الأمثال ان كل انسان أفعاله هي ما يقرّبه ويبغضه للناس فلا يضعنّ شخص اللوم على الآخرين ليقول فلان يكرهني ويحبني : انت من يصنع المحبة والبغضاء بأفعالك وهذا ينطبق على الجميع. ومن يحاول لصق التهم في الناس فليرى نفسه اولا فهذه التهمة بالذات هي تهمة راجعة لافعال الشخص

    • زائر 2 | 11:31 م

      تهم واهية فاشلة فاضية مسيّسة كيدية لو وجد قضاءا عادل لسقط كلها

      ليس لدي كلمات توهين اكثر لأقولها تجاه هذه التهم التي لا يتقبلها قضاء عادل مستقلّ

    • زائر 1 | 10:27 م

      تعليق علي بعض الفقرات

      لم تذكر أستاذ علي اذا كان الاجتماع يحتاج الي إذن من الدوائر المختصة ولم تذكر هل ما يقوم به البعض هذه الايام في بعض القري من مسيرات يدخل من ضمن حرية الرأي حيث يتضمن التحريض علي كراهية نظام الحكم ،،وقولك ان التهم جاهزه لمن ليس لهم سوأه غير صحيح وغير دقيق ،، شكرآ لك أستاذ علي

اقرأ ايضاً