العدد 2491 - الأربعاء 01 يوليو 2009م الموافق 08 رجب 1430هـ

كتاب يفكك مملكة الإرهاب الفكري عبر مقاربة وجودية

«فكر على ورق» جديد مروة كريدية

«فكرعلى ورق» كتاب غزير المعاني يطرح أعقد الإشكاليات وأعمقها بهدوء، تبتعد فيه الكاتبة مروة كريدية عن مألوف الكتب الفكرية الرصينة، فهو لا يخلو من سرد تجربة أو رسم لوحة واقعية تنبض حياة، فتطرق باب السياسة من عالم المثال بأبسط العبارات، وتخوض في معالجة الفكر دون أن ترهق القارئ بالمصطلحات، وتقارع فيه سيوف السلطة بقلوب العارفين.

تلخّص المؤلفة على الغلاف الخلفي منطلقات الكتاب ومآلاته فتقول:

«من قلبٍ تَعشَّق بالمُكون وجْدا، وتجلّى بالكوْنِ وجودا

ومن روحٍ حرّة تتََحرَّرت من كلّ معتقدٍ

ومن عقل أبَى أن تحتكره أيديولوجيا أو تُصادره فلسفة

ومن إنسان لايحب الوصايا ولا كرّاسات الشرائع

ومن وعْيٍ بأنّي كفردٍ كونيّ بنّاءٍ للحياة.

وتواصل «لا أوجِّه من خلاله بمقتربٍ فكري تام، ولا أطرح عبره بديلا مقدَّسا، ولا أدعي فيه ملكية الحقيقة، ولا أسعى منه للتبشير بشيء، ولا أقدمه على أنه وصفة سحرية لداء فتاك...

فَجُلّ ما سعيت إليه محاولة فتح ثغرة بسيطة، في أفق كونية الإنسان اللامتناهية، في عصرٍ تنازعته فيها شهوة السلطة والسيطرة، وغَالبه جشع الاستهلاك، واكتوى فيه بأتون الحروب، وغرق فيها في دماء الصراعات، وأضحى أسير عنف دائمٍ مستديم... أدى إلى بتره عن كونيته الأصيلة وحُوصِر في دائرة أناه وانفعالته.»

الكتاب ينتقد عقم النقد، ويطرح استراتيجية التفكيك، ويعرض الواقع المرّ لأسباب فشل الفكر الإنساني، الذي مازال يعتبر أن الكون بكل مقوماته وعناصره ماهيّة منفصلة عنه مغايرة لسيروريته، ويناقش علاقة السلطة بمفاهيم الحقيقة ليطرح رؤية الفكر من خلال نزعة كونية ترتكز على تعددية الواحد ووحدة الكثرة في ضوء التكامل المنفتح على الوجود.

في مقدمتها تطرح المؤلفة جملة تساؤلات حول جدوى تدوين الأفكار والإصدارات الورقية في عصر التقانة وتسائل نفسها عن فائدة التأليف وإلى أي شريحة من القراء تتوجه لتؤكد بها الصدد بقولها «أن هذا الكتاب هو مجرد وجهة نظر قد يُكتَب لها النجاح وقد يكتب لها الفشل، انتقد فيها حتى النقد... انتقد انغلاق بعض النماذج الفكرية المؤسِسَة للفعل الثقافي والسياسي... انتقاد لا يستهدف الانتقاص بقدر ما يهدف إلى الإفصاح عما نعانيه في آنتنا الرّاهنة. والتي تعود لأفكار تكرس الصراع وتخل بتوازن المجتمعات البشرية.

الفصل الأول جاء بعنوان النقد واستراتيجية التفكيك حيث تطرح الكاتبة عناوين ثلاث، تنطلق فيها من مأزق النقد المعمول به حاليّا كونه لا يخرج عن الأطر التيارية المشحونة بالخلفيات والمواقف المسبقة التي تستجلب نمطا جدليّا عقيما، لتشير إلى أن الفكر عندما يكون إيقاعا وجوديا فإن النقد لا يكون عندها متراسا وبالتالي لا تُقابَل فيه الحقائق بالحقائق، بل يكون هو خروجا عن الذات للكشف عن اللامفكر فيه في فكرنا. وتؤكد المؤلفة أن حرية الفكر ليست حلاّ توفيقيّا أم توليفيا كما الطروحات «الترقيعية»، بل الحرية تقتضي التحرر حتى من توصيفات الحرية نفسها، لتصل إلى أن النقد هو نَقد للنَقد وتفكيك له أيضا.

الفصل الثاني ينتقد واقع الفكر العربي وقد جاء بعنوان: «الواقع العربي بين الذات الحضارية المنفعلة والطروحات الفكرية العاجزة» حيث تعرض الكاتبة «للإرث الفكري المرّ والايديولوجيا المستعادة « للعرب الذين يحملون إرثهم الحضاري المشحون بالجراح ويتمسكون به مما أدى بهم الى نتاج فكري «انفعالي بائس» سببه تمسكهم بحقائق السماء وخزائن الأرض وأعادهم إلى مرحلة ما قبل البداوة...

وتعود الكاتبة وتتساءل عن ماهية جغرافية الفكرالعربي وما هو مستقبله في ضوء السياق العالمي في وقت انفتحت فيه الدول شكلا فيما انغمست الشعوب ببناء سياج هوية عال تكرس حالة الانفعالية لا تنتج إلا نفايات المنطق.

أما في الفصل الثالث فتطرح الكاتبة إشكالية بالغة الأهمية تسأل من خلالها عن «الفكر السياسي: أهو صراع حتميات أم تكامل وجودي؟» لتناقش ذلك من خلال محاور ثلاث فتخترق «حدود الفكر السياسي المعاصر وتفكك الطروحات «الملفقة»، لتبيِّن للقارئ أنه يكرس العنف والأنوية المتعالية، ثم تقوم بطرح مقاربة جديدة لدخول عالم السياسة من باب الجمال عبر مقاربة فكر سياسي «وجودي «يحترم الإنسان وحقوقه الضرورية الفطرية من خلال دولة علمانية في مجتمع مدني «إيجابي» منسجم مع القيم الوجودية، يكون السياسي فيها «نخبة الصالح» يدير الحقوق المدنية ويعمل لإحلال «العدالة» مستندا على سياسة تنبذ العنف بالكامل.

وفي محاولة منها للكشف عن أسباب الصراعات ترجع الكاتبة في الفصل الرابع معظم أسباب الصراعات إلى ادعاء الفرد امتلاك الحقيقة الأمر الذي يؤدي إرادة الهيمنة والسلطة التي تلعب عندها دور استراتيجية تحوّل القوى وتُجَسِّد أهدافها من خلال أجهزة الهيمنة المتمثلة بالدولة التي تسوغ العنف عبر القانون.

وتصل كريدية إلى نقطة تطرح من خلالها مفهوم تعددية الحقيقة ونسبية المعايير التي تكسر فيها جدار المألوف والنموذج المُتَصَوَّر في الذهنيات عبر أطروحة تعددية وتجاوزية تلغي فيه منطق الادعاء بالتحكم بالقوانين وتقوض من خلاله الأنظمة الأحادية.

في الفصل الأخير من الكتاب تدعو الكاتبة إلى «انقلاب فكري» من خلال ما اسمته «تفكيك مملكة الإرهاب» القائمة على عنف المنطق المعمول به، لتطرح رؤية جديدة للدخول إلى العلم عبر ما أسمته «روحنة العلوم من خلال رؤية تكاملية تنفتح على الوجود؛ وتنهي كتابها كما بدأته بحسٍّ صوفيّ ومقاربة فلسفية قائمة تتمحور حول وحدة الجوهر والأصل «وحدة الوجود» كمستوى أول، المنعكسة بصور «الكثرة» التي تتضمن تعددية لا متناهية في مستوى ثان، المشمولة بلحمة تكاملية وهو المستوى الثالث.

اسم الكتاب: فكر على ورق

المؤلف: مروة كريدية

دار النشر: الدوسري للنشر والابداع - مملكة البحرين

الطبعة الأولى : 2009

العدد 2491 - الأربعاء 01 يوليو 2009م الموافق 08 رجب 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً