العدد 4586 - السبت 28 مارس 2015م الموافق 07 جمادى الآخرة 1436هـ

«الحليب الصناعي» من حاجة إلى خيار ضرورة

على رغم الجدل المرتبط بتسويق حليب صناعي للرضع، إلا أن مبيعات الحليب الصناعي آخذة في النمو والتطور. متاجر المشتريات (السوبر ماركت) تخصص «طابوراً» من الرفوف لعرض بدائل حليب الأم، فهي صناعة رابحة وقابلة للتوسع، حيث تشير التقديرات إلى أن إجمالي سوق حليب الأطفال الصناعي في جميع أنحاء العالم يمكن أن يصل إلى 80 مليار دولار.

توجد من الحليب الصناعي أنواع كثيرة وعديدة ومُحيرة؛ فهنالك حليب مشتق من حليب البقر، وآخر من مصادر نباتية، وآخر بالعسل، وآخر لمنع الترجيع، وآخر للأطفال المبسترين أو ناقصي الوزن، والكثير الكثير.

وصايا... خارج السرب

منظمة الصحة العالمية توصي مراراً بالاعتماد كلياً على الرضاعة الطبيعية في الأشهر الستة الأولى من حياة الطفل على أن يستمر حليب الثدي جزءاً من نظامه الغذائي على الأقل حتى بداية العام الثاني له، إلا أن المنظمة - على ما يبدو - تغرد خارج السرب.

كما أن هنالك مدونة دولية لقواعد تسويق بدائل حليب الأم اعتمدتها جمعية الصحة العالمية لضمان عدم تثبيط الأمهات من الرضاعة الطبيعية واستخدام البدائل بأمان إذا لزم الأمر، إلا أن شركات تصنيع المواد الغذائية للأطفال تنتهك هذه المدونة على نطاق واسع وشرس.

وللأسف، أصبحت الأمهات يفكرن بـخيارات الحليب الصناعي منذ الوهلة الأولى لولادة الطفل أو ربما قبل الولادة، حيث أصبح الحليب الصناعي وتوابعه من لوازم الاستعداد لقدوم الطفل. نحن هنا لا نقول إن من يطعمن أطفالهن حليباً صناعيا هن أمهات سيئات، لا البتة، فهن يتعرضن لحملات تسويقية ضخمة ومدروسة. ففي أميركا وحدها تكلف صناعة حليب الأطفال 3 مليارات دولار.

من قوت للأيتام... إلى قوت الأحياء

لقد بذلت تلك الشركات مجهوداً جباراً، فبعد أن كان الحليب الصناعي في نهاية العام 1800 وسيلة لتوفير قوت اللقطاء والأيتام فقط، وبعد أن كان في مطلع العام 1990 يُباع كمنتج صيدلاني يعطى عند الضرورة، تطور ليكون متواجداً في كُل مكان وبالصفوف الأولى كذلك.

يمكننا أن نقول إن الثورة الصناعية ساهمت في تشجيع إنتاج بديل لحليب الأمهات، فقبل الثورة الصناعية كان يُعتمد على المرضعات أو مهمة الاسترضاع، وهي أن ترضع المرأة حليب ثديها لطفل غير طفلها. وذلك للأمهات من العوائل الثرية أو اللاتي لا يستطعن تغذية أطفالهن أو للرضع المهجورين.

ولكن مع الثورة الصناعية وزيادة كلفة المعيشة وتدني الأجور، انتقلت عائلات بأكملها من المناطق الريفية إلى المناطق الحضرية وأجبرت العديد من النساء على البحث عن عمل والمساهمة مالياً في الأسرة، ما جعل الكثير من الأمهات يقمن باستقدام المرضعات من نساء الفلاحين لإرضاع أطفالهن، وبعد ذلك تطورت شيئاً فشيئاً التغذية الصناعية مع التطور الصناعي لتكون بديلاً مجدياً للرضاعة بواسطة غير الأم، فلقد تطورت زجاجة الرضاعة وتوافر حليب الحيوان. وبحلول العام 1900 انقرضت مهنة الإرضاع.

لقمة العُجُول لإطعام البشر

إذا أتينا لبيان آلية إنتاج الحليب الصناعي، نرى أنه ليس من السهل إنتاج حليب مماثل لنعمة حليب الأمهات الطبيعي، فإنتاجه معقد للغاية نظراً لكونه يساير المتطلبات البيولوجية التي يحتاجها نمو وتطور الرضيع. لذلك يدخل في إنتاجه العديد من المواد التي تتساءل الكثير من الأمهات عن مصادرها ومدى كونها آمنة للرضع.

تنحصر طرق تكوين الحليب الصناعي في ثلاث؛ الأولى الصيغة المعتمدة على الحليب، وتكون قاعدتها حليب البقر، وذلك لأن معظم الأطفال الرضع ليس لديهم مشكلة في تناول حليب البقر، ويضاف لها العناصر الغذائية الإضافية. وعالمياً، هنالك الكثير من الانتقادات والحملات التي تسخر من سلب حليب البقر المخصص لصغار البقر وإطعامه لصغار البشر.

الصيغة الثانية معتمدة على الدهون الحيوانية أو النباتية، فبعض الأطفال لديهم حساسية كلية من حليب البقر، فيتعمد في تكوين هذا النوع على خضراوات يستمد منها الحليب كفول الصويا. ولكن ذلك لا يعني أنه آمن للجميع، فهنالك أطفال لديهم حساسية كذلك من فول الصويا.

النوع الثالث، وهو الأغلى ثمناً، هو الحليب الذي لا يحتوي على حليب على الإطلاق، وهو يخصص للأطفال الرضع الذين لديهم حساسية قوية من حليب البقر وحليب الصويا. ويتوافر في ثلاثة أشكال: مسحوق، سائل مركز، وجاهز التغذية. المسحوق والسائل المركز أقل كلفة؛ لأنه يتطلب الخلط والتخفيف قبل استخدامه. وهنا يجب الحذر من اختلاطه مع المياه الملوثة بالبكتيريا. أما النوع الأكثر كلفة فهو الجاهز للتغذية والذي لا يتطلب خلطاً ولا تخفيفاً.

مواد غير آمنة... حذار

ومن الحقائق التي يجب على الأمهات معرفتها هي أن معظم الحليب الصناعي يحتوي على «DHA» و«ARA»، وهي عبارة عن أحماض دهنية أساسية للنمو الذهني، ومن هذه الأحماض تعلن شركات الحليب الصناعي بكون منتجاتها مشابهة لحليب الأم. إلا أنه في العام 2008 نُشر تقرير لمعهد «Cornucopia» المختص في البحث والتحقيق في القضايا الزراعية والغذائية أكد فيه أن إضافات «DHA» و«ARA» قد تكون غير آمنة وغير فعالة.

تحتوي كل أنواع الحليب الصناعي - تقريباً - على ثنائي الفينول «أ» (BPA) بمستويات قد تكون ضارة للمواليد الرضع. وتكون المرشحات الكيميائية لمادة ثنائي الفينول موجودة في الأجزاء المعدنية من علب الحليب الصناعي. من هنا تقترح مجموعة العمل البيئي (Environmental Working Group) استخدام الحليب الصناعي المجفف بما أن الحليب الصناعي السائل يحتوي على معدلات أكبر من مادة ثنائي الفينول.

وهنالك العديد من المكونات المستعملة في إنتاج الحليب الصناعي مثل شراب الذرة والزيوت المهدرجة المعدلة وراثياً، والتي تكون لها آثار جانبية مثل الاضطرابات في الإنجاب، نقص في جهاز المناعة، وكذلك تلف الجهاز.

أمام كل تلك الحقائق والأنواع والإحصاءات التي يشيب لها الرأس، نشكر الله على نعمة حليب الأمهات، فهو مناسب لكل الرضع، ولا يسبب آثاراً جانبية، ويتماشى مع احتياجات الطفل النامية، ويزيد من مقاومة أمراض الطفولة مثل التهابات الأذن والحساسية. وعملية الإرضاع الطبيعية تجربة جميلة تشعر الأمهات بحميمية الأمومة، لذلك على الأمهات ألا يستسلمن أمام مغريات الحليب الصناعي، وأن يبذلن قصارى جهدهن في سبيل الإرضاع، فمهما ستتطور صناعة الحليب الصناعي وتتلافى الآثار الجانبية، لن تستطيع أن تجاري فوائد النعمة الإلهية.

العدد 4586 - السبت 28 مارس 2015م الموافق 07 جمادى الآخرة 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً