العدد 1938 - الأربعاء 26 ديسمبر 2007م الموافق 16 ذي الحجة 1428هـ

الحروفية العربية... بين الأصالة والحداثة

الحرف العربي من أهم الفنون الإسلامية والذي ما زال فنا قائما بذاته يواكب مذاهب الفن بل ويدخل في صياغة الإبداع التشكيلي له أصوله وقواعده وبلاغته يمتاز بخصوصياته المنفردة وجمالياته. اهتمت به الدول العربية والإسلامية في المحافظة عليه ونشره في ربوع العالم الإسلامي والعربي وفي فترة من الفترات تأثر هذا الخط وشهد تراجعا ومر بمراحل كثيرة منها سيطرة الحاسوب في كثير من الأمور الفنية وقد وظف الخط في كثير من المجالات والخامات منها الخزف والنحت والطباعة بجميع أنواعها وخصوصا الفن التشكيلي وقد تناوله الفنانون التشكيليون والخطاطون في لوحاتهم التشكيلية إذ وظفوه كل حسب رؤيته وأسلوبه فمنهم من التزم بالقاعدة ومنهم من اتبع أسلوب هو مزيج بين هذا وذاك ومنهم من فضل المزج بين فنون الخط والرسم والبعض من عمل على تجريد الحرف وغير من هيئته ومنهم من استخدم تقنية الحاسوب.

وإن هذه التجارب تؤكد قدرة الحرف العربي على التطور والتجديد والتحرر من الجمود ومستفيدين من طواعيته وليونته وأن الساحة الفنية في البحرين مرت بتجارب كثيرة لها أبعادها ودلالاتها الفنية والثقافية تعكس مدى ما وصلنا إليه من النهوض والتطور في كثير من المدارس الفنية من ضمن هذه التجارب تجربة الحروفية العربية حيث تأثر كثير من الفنانين التشكيليين والخطاطين البحرينيين بهذه التجارب وأن هذا التأثر لا يقلل من شأن الفنان بل العكس يزداد خبرة، فالفنان يؤثر ويتأثر.

ولقد ارتأينا في سبيل الوصول إلى تكوين انطباعي عن العمل الحروفي في البحرين، أن نسلط الضوء على أهم هذه التجارب التي أثرت في الساحة الفنية حسب متابعتنا ومعرفتنا واشتغالنا في هذا المجال.

عبد الإله العرب... الأستاذ في بحث مستمرّ

من الخطاطين الملتزمين بقواعد وأصول الخط العربي، ومؤسس مدرسة الخط العربي، درس الفنان العرب في جمهورية مصر العربية، ونال شهادة الدبلوم في الخط العربي العام 1978م والتذهيب والزخرفة العام 1980م على يد أستاذه الخطاط المعروف سيد إبراهيم، والعرب أيضا من مؤسسي جمعية البحرين للفنون التشكيلية، تتميز أعماله بكثير من الدقة والإتقان، إذ أن تجاربه كثيرة في مجال الحروفية العربية، وقد وظّف العرب الخزف والزخرفة الإسلامية في أعماله التشكيلية، وينحو منحى إبراز الشكل وجمالياته ويحافظ على قواعد الخط العربي وقيمه الكلاسيكية، ونفذ الكثير من الأعمال التجريدية خصوصا بالأبيض والأسود، مبدعا من خلال ذلك في تكويناته وتشكيلاته، حيث يتجه غالبا للجرافيك في العمل الفني ويركّز كثيرا على الحط (كوفي المصاحف) بأبعاده الجمالية والواقعية، وقواعده المعروفة إضافة إلى استخدامه للزخرفة التي برزت في أعماله.

مرّت تجربة العرب بكثير من المراحل من أجل البحث في التطوير والإثراء سواء على جانب المضمون أو على الجوانب التقنية والأسلوبية ووصل إلى تقنيات متطورة وأعمال تشكيلية حديثة ذات مستوى عالٍ من الجودة، وهناك أعمال كبيرة نفذت على السجاد المنسوج في تايلند بمقاسات 6×9 قدم، 9×9 قدم، وقد تعامل أيضا في تنفيذ أعماله على القماش بخامة الزيت والأكريليك، وله تجربة مع الفنان جمال عبد الرحيم والشاعر أدونيس باسم الكتاب تفذ جزء منها بتقنية الخط على النحاس وقد نفذ الخط بتقنية الشاشة الحريرية، بإيقاع جميل وجرأة في التقنية والإخراج، وبرز في هذا العمل مدى تمكّن الأستاذ العرب وإبداعه وتركيبه الجميل لخط الثلث ودّلل على قدرة كبيرة وتمرّس وخبرة للفنان الخطاط عبد الإله العرب.

بوسعد اللوحة في البدء

استلهم الحرف واعتمده أسلوبا هو مزيج بين الخط والرسم واللون، وظف الحرف كعنصر تشكيلي إذ ركز على إبراز جمالياته وحرصه الدائم على ضبط قواعده وأصوله في تنفيذ حروفياته كقيمة رمزية وتعبيرية، ذلك هو الفنان إبراهيم بوسعد وهو من الفنانين التشكيليين البارزين، وذا حضور مميز في مجال استلهام الحرف العربي في اللوحة التشكيلية في البحرين.

بوسعد، يحمل شهادة بكالوريوس فنون جميلة من جامعة بغداد للعام 1978م، وهو من مؤسسي جمعية البحرين للفنون الجميلة، تناول الحرف في كثير من تجاربه الفنية، وما يميّز تجربته أنه يختار بعض الأبيات الشعرية التي تدخل في روح العمل الفني، ليقاربهما من بعضهما، وهذا الأمر ينطبق على جميع التجارب الفنية في الحروفيات التي اشتغل عليها، إذ يصير العمل الفني هو نقطة البدء الذي ينطلق من خلاله لتكوين اللوحة، ولم يكن أبدا مهتما بوضع رسوم توضيحية لقصائد الشعراء، وعلى سبيل المثال هنالك مجموعة أعماله (استغاثة من جنوب لبنان) العام 1978م ومرورا بمجموعة انتفاضة الحرف العربي في العام نفسه حتى معرض وجوه إذ تم اختيار النصوص الشعرية التي تتلاءم وروح الصيغ الفكرية للوحة، فلدى بوسعد اللوحة هي الأساس.

في أعماله الحروفية يعتمد بوسعد أيضا على التناظر والتماثل أي أنه يستخدم تقنية التناظر النصفي، ويضم العناصر التي يكمل أحد نصفيها الآخر المقابل له، كذلك نجد في أعماله أسلوب تكرار الوحدات الخطية وتعاكسها وتدرجها من الكبير إلى الصغير، والتكرار المتعاكس، وفيه تتجاوز الوحدات في أوضاع متعاكسة.

ويستفيد بوسعد أيضا في أعماله من الأشكال الهندسية إذ وظف هذه الأشكال في كثير من أعماله، من أجل تكوين أبعاد ورؤى جمالية في العمل، والزخرفة في لوحاته الخطية المنبثقة عن قيم الحرف العربي تقوم على التوازن والتناظر والتشعّب والتكرار، والتجارب التي قدّمها في هذا الجانب هي تجارب غنية في مضمونها، وتستخدم أساليب مبتكرة في التعامل مع الحرف العربي بقواعده في اللوحة، في محاولة للنهوض بالحرف لإثراء الحركة التشكيلية.

عباس يوسف... الحفر غيّر تجربته

عباس يوسف العضو بجمعية البحرين للفنون التشكيلية، والحاصل على بكالوريوس اللغة العربية من جامعة قطر العام 1982م، والكاتب في مجال الفنون التشكيلية في الصحافة المحلية، هذا الخطاط القلق بدأ ملتزما بقواعد وأصول الخط العربي، إذ شارك في الكثير من المعارض للخط العربي، كما أنه وظف تقنية الحرق في أعماله الخطية لإبراز جمالياته بتقنية الشاشة الحريرية.

وقد نفذ كثيرا من الأعمال على هذه التقنية فكانت تلك تجربة ناجحة في التكوينات والتشكيلات الإبداعية في الجرافيك، إثر ذلك، ونتيجة لذلك القلق والبحث الدائمين في ذاته المبدعة اتجه إلى أسلوب التجريد في أعماله الفنية الحروفية، فجاءت هذه الأعمال كخروج عن القاعدة وعن مألوفة المتداول في أعماله ولوحاته السابقة، وكانت هذه نقلة نوعية تتميز بالخصوصية على مستوى الطرح والذاتية في توظيف التقنية، إضافة إلى كونها شكّلت ابتعادا عن الخط الأكاديمي وبحثا في الجانب الآخر من التجربة.

أجاد الفنان يوسف من خلال تراكم خبراته كفنان حفر يمتلك القدرة والتمكن في أساليب وتقنيات فنون الحفر (الجرافيك) فالتعامل مع أدوات الحفر في لوحاته تمتلك قدرة على توليد الدلالات والرموز، إضافة إلى تقنية جيدة تهيأت له فأسلوب الحك والكشط الإيقاعي يعمل عمله في إظهار القيم اللونية من خلال الخطوط المتوازية، فدخوله إلى عالم الحفر غير الكثير في تجربته الفنية في معالجة الحرف والمضمون والتكوين والأساليب التشكيلية الحروفية، إذ استطاع أن يكوّن لذاته أسلوبا مميزا ينطلق من التجريدية ومعتمدا على تكرار الحرف في تكويناته وتشكيلاته وتداخل الحروف مستفيدا من طواعيته وليونته من أجل إبراز جماليات وطاقات هذا الحرف.

كذلك فقد كانت ثمة تجربة أخرى هي تجربة الكولاج التي نفذها يوسف واستطاع أن يفجّر من خلالها إيقاعا جميلا، مضيفا إلى ذلك جرأة في تنفيذ تقنية الإخراج الفني لهذه الأعمال، مستخدما ضمن تقنياته في هذه الأعمال (البوص) أو القلم وإحساس الفرشاة، كذلك استخدامه (للرول) من أجل بسط قيمة لونية على السطح، ومن أجل خلق المدى والبعد الجمالي في العمل.

يمكن القول إن اطلاع الفنان عباس يوسف الواسع، إضافة إلى شغفه الدائم بزيارة المتاحف العالمية والمعارض المهمة، والمحترفات الخاصة، وبحثه المتقصي في تقنيات وتجارب الآخرين أكسبته الخبرة والمعرفة والفرادة في منهجية التعبير الفني عن الذات في عالمه اللوني، كذلك فإن تعامله التقني مع الخامة وعناصر التكوين التشكيلية يمنح اللوحة لدى يوسف ذلك الإحساس بالصدق والجهد الفنيين، وتجاربه الأخيرة تضيف إلى إنتاجه الفني تعاملا حساسا مع اللون في العمل الفني في الحروفيات إضافة إلى التكوين الجمالي.

كانت تجربته البحر عندما يسهو والتي كانت تحية للكاتب أمين صالح ذات أبعاد كثيرة، شديدة التنوع والغنى، إضافة إلى الدقة والجمالية في استخدام التقنية والتنفيذ والإخراج الفني، وكذلك يمكن وصف تجربة (أيقظتني الساحرة) مع الشاعر قاسم حداد والفنان عبد الجبار الغضبان بأنها شكّلت بحثا في أساليب التناول الفني للحرف، وللنص الأدبي، وللنص الجمالي التشكيلي، فكانت هذه التجارب غنية وثرية، وأضافت الكثير للمضمون في الساحة التشكيلية الفنية، وكان هدفها الوصول إلى تقنية متطورة في التشكيل الحروفي سواء كان في النص أو الخط أو الرسم.

محمود الملا... الحرف باحثا عن شكله الأخير

هذا الفنان الذي كلّف بخط نسخة من دستور مملكة البحرين، هو فنان يلتزم بأصول وقواعد الخط العربي، على رغم ذلك فقد اعتمد الملا على الحرف في أعماله التشكيلية الحروفية من أجل إبراز جماليات وأبعاد العمل التشكيلي عموما، معتمدا المزج بين اللون والخط، وبحث الملا عن أساليب لتطوير أدواته محاولا دائما التغيير والتجديد، من أسلوبه وتكويناته وإبداعاته، واتجه إلى تجريد الحرف كعنصر تشكيلي مستفيدا من طواعيته وليونته للوصول إلى حركة، يهدف منها إلى التكرار والتحول في هيئة الحرف ذاته، أو شكله الجميل، وتجربته الأخيرة حدائق الوهم تحتاج إلى الدراسة والبحث والتعمّق فيها أكثر، فالفنان دائما ما يكون بحاجة إلى التواصل والإطلاع والمعرفة ليمتلك ذلك المخزون الذي يثري التجربة.

عبد الشهيد خمدن

من الخطاطين الملتزمين بقواعد وأصول الحرف العربي يحاول استلهام الحرف العربي في العمل التشكيلي متجها نحو إبراز الشكل وجمالياته، مع محافظته على قواعد الخط وقيمه الكلاسيكية.

له تجارب في تنفيذ الأعمال التجريدية، خصوصا بالأسود والأبيض، وتأخذ أعماله الطابع الجرافيكي، مرتكزا على كثير من الخطوط بأبعادها الجمالية الواقعية، وشكلها الجميل بالقواعد المعروفة، وهو يحاول دائما التطوير في استخدام التقنيات والأساليب، واستفاد من تنفيذ أعمال على الشاشة الحريرية التي تدخل ضمن عالم الطباعة، واستخدم في أعماله أيضا تقنيات الحاسوب في معرضه جماليات الخط العربي، معتمدا أساسا على خط نصوص الأعمال كأصل على ورق مصقول بالقصب ثم التعامل معها بالحاسوب، وقد اعتمد على اللون والخط موظفا قدرته التقنية في الخط لبناء لوحة تشكيلية بصرية تحاول الاقتراب من قيم جمالية مطلقة.

حسين السنّي

تناول الفنان حسين السني الذي يعدّ من أهم الأسماء الفنية المعروفة في التشكيل البحريني المعاصر، وعوالمه الفنية تحتاج إلى دراسات نقدية معمة، فهو من طلائع الفنانين التشكيليين في البحرين، وعضو مؤسس في جمعية البحرين للفن المعاصر، تناول الحروفيات في أعماله التشكيلية كعنصر تشكيلي مفضلا المزج بينه وبين التكوين واللون في هذه الأعمال، ليطرح رؤيته الخاصة في توظيف الحرف العربي، والفنان حسين السني من الفنانين الأوائل الذين تناولوا الحرف العربي، إذ يستلهم الحرف العربي والكتابة من أجل إبراز الأبعاد الفنية في العمل اللغوي، مستخدما اللون بتعبيرية وشفافية متأملة، ويقوم على بث الحركة والإيقاع والنغم في الشكل، ويكتسب اللون في لوحاته قدرة وطاقة دلالية عالية، والسني في أعماله غالبا ما يفكك الكلمات إلى حروف لها دلالاتها في فضاء اللوحة، فتكتسب رمزيتها وأبعادها التاريخية.

علي المحميد

يتميز الفنان علي المحميد في اشتغاله بالحرف العربي على عدّة خامات من بينها الخشب والحجر في النحت، باحثا من خلال ذلك عن طاقة لإبراز جماليات الحرف في تكوينه، وهذه الخامات تحتاج إلى دقة ومعرفة في التعامل معها، كذلك فإن له تجربة تدخل فيها عمليات حسابية ومراحل أخرى لتحصل على نتائج متقنة وهي الشاشة الحريرية في تنفيذ أعمال الطباعة، وقد بدأ المحميد في توظيف هذه الجوانب لتكوين تجربة حروفية، تعتمد أساسا على الحاسوب وهو أمر كما أشرنا ينقص من قيمة العمل الفنية، ويقرّبها إلى تصنيف التصميم، على رغم ذلك فأعمال المحميد تبرز مدى قدرته وتفانيه في عمله لإعطائنا صورة ما في مجال بحثه في الجانب الحروفي من الفن التشكيلي.

ثمة تجارب حاولت الاقتراب من الحرف ومن تجربة الحروفيات غير أنها لم تكوّن تجارب خاصة في ذلك فمنهم الفنان جمال عبد الرحيم وهو من بين الفنانين الذين تناولوا الحرف في تكوين أعمالهم التشكيلية، معتمدا على الشكل والحرف، ولكن ذلك كان وسيلة لإغناء التجربة التشكيلية لديه، لذلك لم يأخذ الحرف والتجربة الحروفية حيّزا من تجربته، وعلى رغم ذلك فعبد الرحيم يرسم الحرف بطريقته الخاصة، ويستخدمه في أعماله ليوظفه بمعانيه الأدبية والفكرية، وبرؤية لا تبحث عن القواعد الكلاسيكية بل عن الأبعاد الفلسفية الفنية فيه.

أما الفنان عبد الله يوسف فقد استخدم يوسف الخط في لوحاته التشكيلية ووظفه كعنصر تشكيلي إلا أنه مقل في أعماله لكثرة انشغالاته بين الإخراج المسرحي والتلفزيوني، كذلك من بين من استلهموا الحرف العربي في تجاربهم التشكيلية الفنان عبد المنعم البوسطة والفنان عبد الله المحرقي الذي اعتمد الحرف كوسيلة لإغناء التجربة، أما الفنان محسن غريب فقد بدأ كخطاط ووظف الحرف والخط والكتابة في لوحاته التشكيلية، وهي تنحو منحى إبراز الشكل وجمالياته في الحرف والخط، وقد اعتمد على تكرار الحرف في التكوين مستفيدا من طواعية وليونة الحرف لإبراز جمالية ذلك كعنصر تشكيلي.

العدد 1938 - الأربعاء 26 ديسمبر 2007م الموافق 16 ذي الحجة 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً