العدد 4191 - الأربعاء 26 فبراير 2014م الموافق 26 ربيع الثاني 1435هـ

لا نحتاج إلى حروب ومخططات تقسيم... ثمة من يتبرّع

جعفر الجمري jaffar.aljamri [at] alwasatnews.com

-

انتهت شمّاعة إدانة الاستشراق -أو تكاد- بشكل مطلق، تلك التي مازالت بعض الأدبيات تزخر بها؛ ولكنها لم تعد فاعلة. انتهت عصور التبشير والحروب الصليبية وتبديل أديان بأديان غالبة ومهيمنة تملك الاقتصادات القوية والموارد الفاحشة والهيمنة على أسواق العالم. انتهى كل ذلك لأن بديلاً لكل ذلك وأولئك نتج وتولّد من ديار الإسلام وأوطانه، بذلك الاحتكار للفهم والتفسير وتقرير أمكنة لجماعات في النار وأخرى في الجنة!

هذا الإمعان في اختطاف الدّين واحتكاره بحسب مجاميع متجانسة حتى من حيث انفصالها عن الواقع اليوم، وفرض واقع لا يمكن لإنسان أن يتشرّف بأن يكون شاهداً عليه؛ عدا الدخول في تفاصيله وتبنّيه واعتناقه والدفاع عنه وترويجه؛ بل وفرضه باعتباره هو النموذج والخلاصة، كل ذلك لن ينتج عنه إلا المزيد من الإمعان في سجن أفق الإسلام وتقديم صورة عنه عبر الذين اختطفوه واحتكروه باعتباره تهديداً لمدنيّة العالم واستقراره، ونموذجاً متوحشاً ودموياً وبربرياً لا يمكن لعاقل أن يكون على تصالح معه.

سلوكات بعض الذين لفظتهم حتى كهوفهم اليوم في صور ومشاهد الذبح والشواء والصلب والإلقاء من شاهق، والشهوة البالغة في تدمير كل قائم، والصِدام مع كل مخالف ومغاير، وفّر موازنات وأفكاراً مسبقة عن الإسلام تجاوزت التجنّي بمراحل؛ ليلتقط ويتبنّى تلك الأدوار والمهمات من يُحسبون عنوةً وغصباً على الإسلام الذي لم يتعرّض إلى حملات تشويه وتسقيط وتحريف على مستوى الأخلاق والعلاقات المتوترة من قبل تلك الفصائل، كما يتعرض له اليوم وفي تراكم وازدياد تلك الممارسات والسلوكات التي طوّقته بأكثر من غربة ونفي.

***

وبالعودة إلى الاستشراق أو جانب منه، ضمن قراءات مغلوطة ومُجيَّرة ومستهدفة، يمكن اكتشاف مدى تراجعه وانكفائه، ربما في حدود بعض مراكز الدراسات الشرقية في عدد من الجامعات، أو مشاريع فردية لم تعد بتلك الأهمية أمام هول الواقع القائم في جغرافيات عُنيت بها تلك المراكز والمشاريع، متجاوزاً كل الوصَفات التي يُراد لها التحقّق، بتحقّق ما هو بعدها بمراحل وفي صور أفظع وأشنع.

كل مشاريع التقسيم التي بدأت وتلك التي في طريقها إلى التحقّق، لم تنطلق من إمكانات مفترضة، بل ماثلة ومتحقّقة، والمدخل الطبيعي والرحْب لها بعرْبدة تلك الفصائل التي ترى الإسلام يبدأ بها وينتهي عندها.

تلك الفصائل هي التي شرّعت الأبواب، ومنحت أكثر من أفق، ووفّرت موازنات وعديداً وعتاداً قد يذهب أدراج الرياح بانعدام وزوال وتحجيم وعزل تلك الفصائل في مجتمعاتها، والتعامل معها باعتبارها الخطر الماحق، والتهديد المباشر اليوم وغداً لوجود أمة تحيا بين ظهرانيها، وتقدّمها باعتبارها «شرّ أمة أخرجت للناس»، فيما تصرُّ هي من مخابئها وكهوفها وعمليات جبْنها وانتحارها، على أنها «خير أمة أخرجت للناس»!

لم يكتف برنارد لويس وحده برفض جاذبية الحضارة الإسلامية، وهو القارئ والمتبّع لكمٍّ ضخم منها برجالاتها، ولم يكُ مستغرباً مباشرته في كثير من أبحاثه وإصداراته ومساهماته البحثية مذ كان في بريطانيا إلى وقت استقراره في جامعة برنستون بالولايات المتحدة الأميركية. مثل هذا الشاهد لم يعد مؤثراً اليوم بعد أن أطلق قراءاته ونبوءاته وتخرّصاته أيضاً قبل ذلك بسنوات. لم يعد مؤثراً لأن فصائل تبرّعت في تقديم الصورة المتوحّشة – بمساندة أنظمة ودول - عن الإسلام الذي يريده لويس مدمّراً خطراً على الإنجاز الحضاري العالمي: «إن العرب والمسلمين قوم فاسدون، مفسدون، فوضويون لا يمكن تحضيرهم، وإذا تركوا لأنفسهم فسيفاجئون العالم المتحضّر بموجات بشرية إرهابية تدمر الحضارات وتقوّض المجتمعات، ولذلك فإن الحل السليم للتعامل معهم هو إعادة احتلالهم واستعمارهم وتدمير ثقافاتهم الدينية وتطبيقاتها الاجتماعية، وفي حال قيام أميركا بهذا الدور فإن عليها أن تستفيد من التجربة البريطانية والتجربة الفرنسية في استعمار المنطقة لتجنب الأخطاء والمواقف السلبية التي اقترفتها الدولتان».

ويضيف «من الضروري إعادة تقسيم الأقطار العربية والإسلامية إلى وحدات عشائرية وطائفية، ولا داعي لمراعاة خواطرهم أو التأثر بانفعالاتهم وردود الأفعال عندهم، ويجب أن يكون شعار أميركا في ذلك: (إما أن نضعهم تحت سيادتنا، أو ندعهم ليدمروا حضارتنا)».

كل ذلك تحقق بتبرّع مُكلف ومقصود أيضاً. لم يأتِ من فراغ أو جهل بخطورته. بعلم ويقين بالمآلات.

***

نعلم أن تاريخ العقيدة ملغَّم وتحت براميل من بارود الخلافات التي بعضها مصطنع، وبعض آخر بحكم قناعات، لكن ذلك لا يمنع ولا يستحيل معه التحجيم وتركه في حدود الاعتقاد والقناعات، لا إقحامه في العلاقات والنظر وتحويله أداةً لتخريب الاستقرار البشري في البيئة الواحدة، كمرحلةٍ أولى لتخريب الاستقرار البشري خارج تلك البيئات.

إنها المرحلة التي تذهب فيها تلك الفصائل عميقاً للبدء بتهديد وجود البشر الذين ينتسبون إلى تلك العقيدة المختطفة والمُحتكرة، تحضيراً لتهديد الوجود البشري برفع راية الدِّين التي تحمل الشهادتين اللتين تقدمان باعتبارهما (الشهادتين) مضمون كل ذلك الاختطاف والاحتكار، والتهديد للعالم كل العالم، ذلك الذي لا تنفكّ تلك الفصائل عن التذكير به ممارسةً وليس نصاً فحسب!

إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"

العدد 4191 - الأربعاء 26 فبراير 2014م الموافق 26 ربيع الثاني 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً