العدد 4683 - الجمعة 03 يوليو 2015م الموافق 16 رمضان 1436هـ

قائد مشاة ميكانيكا رئيساً للأوبرا!

جعفر الجمري jaffar.aljamri [at] alwasatnews.com

-

في ظل انعدام الموازين؛ وفي ظل طمس واستبعاد وعزل أي رؤية حقيقية وجادة، تتلمَّس أفقاً رحْباً للتعاطي مع الشأن الثقافي وقضاياه واستراتيجياته وخططه؛ واستبعاد اختيار المؤهلين والملائمين لشغل تلك المناصب المهمة، لن تكون الأمور والقرارات صادمة ومربكة، في عالم عربي اعتاد وألِف الصدمات؛ بحيث تحول إلى جثة لا تعنيها الحياة من حولها، ولا اختلال الموازين التي باتت جزءاً من منظومة الحياة، المُكرِّسة للفوضى والفساد والارتجال في القرارات.

لا يتم التعامل مع الثقافة باعتبارها هامشاً لا يستحق الاهتمام في العالم العربي فحسب؛ إذ يتضح ذلك في اختيار كاركاتيري أحياناً لأشخاص وأسماء تكون مسئولة بالدرجة الأولى عن واجهات للبلد، قبل أن تكون واجهات كبرى ومهمة للثقافة فيها.

الفساد والولاءات تنسحب على كل المواقع التي يحتلها محسوبون على مصادر قوى وفساد بالضرورة.

جيوش المستشارين لهم دور كبير في إبراز وتقديم ما يُظن أنها مشاريع خارجة على النمط والتقليد لتلك الثقافة ووجوهها وأنشطتها. الواقع يقول خلاف ذلك. كل ما يُقدَّم هو عبارة عن إعادة إنتاج لصيغ تقليدية ومتحجِّرة لتلك الأنماط؛ علاوة على الفساد الذي تبدأ رائحته في الظهور، بالمبالغ الخيالية التي تُرصد للفعاليات والأنشطة، تلك الكفيلة بتحقيق برامج وفعاليات مضاعفة ومبتكرة، وبأقل التكاليف.

ربما يكون الشاهد الأبرز في هذا الصدد، عاصمة العرب الأولى، ومهد ومنجم الثقافة والفكر، والأسماء الكبيرة فيها: مصر.

كلنا يتذكر أنه في عهد الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك، تم تعيين لواء في الجيش المصري رئيساً لدار الأوبرا، وتحديداً في مطلع الألفية الجديدة، وهو سمير فرج. شهدت مصر، ودار الأوبرا خصوصاً، تراجعاً للأولويات الفنية، وحال الثقافة عموماً، ومعها كانت الصراعات الداخلية تحتدم، وطفت على السطح صور وروائح الفساد المالي، ليترك فرج منصبه في العام 2004. قبل ذلك عمل الرجل وكيلاً أول بوزارة السياحة! خلطة عجيبة في الانتقالات وإسناد المهمات والمسئوليات!

وبالعودة إلى فرج، نقف على جانب من سيرته؛ إذ تخرَّج من الكلية الحربية في العام 1963، والتحق بسلاح المشاة، وصولاً إلى قيادة مشاة ميكانيكا، وليس معهداً موسيقياً عريقاً؛ في أقل تقدير. مكان الرجل في الجيش، وله سيرة ملفتة باعتباره أول ضابط من خارج حلف الناتو والكومنولث البريطاني يعمل مدرساً في كلية كمبرلي الملكية لأركان الحرب بإنجلترا.

نتحدث هنا عن أعرق صرح ثقافي وفني في الشرق، يمتدُّ عمره إلى أكثر من مئة عام: دار الأوبرا المصرية، وليس عن وزارة التموين أو وزارة الثروة الحيوانية! فمثلما هنالك تخصص ودراية ومعرفة وممارسة واشتغال ميداني، لماذا يتم استبعاد كل ذلك من الشروط التي بموجبها يتولى أشخاص مسئوليات لا علاقة لسيرتهم المهنية بها؛ عدا الممارسة والخبرة والمعرفة؟

الأوبرا المصرية التي افتتحت في 10 أكتوبر/ تشرين الأول 1988، كانت بديلاً عن دار الأوبرا التي بناها الخديوى إسماعيل العام 1869، واحترقت في 28 أكتوبر 1971، ليتولَّى رئاستها قائد مشاة!

إذا كان الواقع في مصر بتلك الصورة العجيبة الغريبة في اختيار المسئولين عن الحقل الثقافي، فكيف سيكون عليه الحال في دول تظل متصحِّرة في الجانب الثقافي، ولا قيمة للثقافة عندها إلا في حدود فائض في الموازنة يتم توجيهه كي يتسلَّى به المثقفون من خلال المهرجانات والمؤتمرات التي لا تختلف كثيراً عن حفلات الاستقبال، أو حفلات الكوكتيل؟!

لا تستغربوا بعدها حين تُسند وزارة التخطيط العمراني إلى متعهد هدم؛ أو وزارة الاقتصاد إلى بائع فجل أو قطع غيار مستعملة؛ والأهم لا تستغربوا إذا وعيتم على تاجر معدات ثقيلة وزيراً للثقافة!

إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"

العدد 4683 - الجمعة 03 يوليو 2015م الموافق 16 رمضان 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً