العدد 4705 - السبت 25 يوليو 2015م الموافق 09 شوال 1436هـ

شبكة كهربائية: تتنفس!

بقلم: أشواق العريبي- باحثة في علوم الأحياء 

25 يوليو 2015

أحتسي قهوتي الصباحية بينما أتصفح نشرة علمية مطبوعة يأتي بها البريد كل أربعاء. أتخذ مقعدي في شرفة المنزل المطلة على ناحية الطريق المواجه لحديقة الفناء الأمامية. تستفيق حواسي بانتباه نحو عبارة كُتبت وتصدرت قسم العلوم والتكنولوجيا «اكتشاف بكتيريا غريبة تتغذى على الكهرباء!».

يدفعني الفضول لإتمام مهمتي، فألتهم المقال الذي نُسج بحرفية علمية عالية.

نص المقال:

اكتشف علماء في جامعة جنوب كاليفورنيا بكتيريا من نوعي الشيوانيلا (Shewanella) والجيوباكتر (Geobacter) لا تتغذى على شيء سوى الكهرباء، من دون الاعتماد على طعام، حيث تتغذى على إلكترونات نقية، وتقوم بإخراج الكترونات نقية أيضًا!

هذه البكتيريا تكسر قاعدة استقلاب السكر البيولوجية، والتي تنص على أن «كل كائن حي يستهلك السكر كمصدر للطاقة وللنجاة».

ففي داخل جسدك يتم هضم طعامك وتحويله إلى جزيئات أحادية الجلوكوز، هذه السكريات الأحادية تصبح متأينة بشحنات سالبة، بمعنى أنها تحتوي على إلكترونات. هذه الإلكترونات الناتجة من شأنها أن تتحد مع ذرات الأكسجين الذي تتنفسه أنت ليتم بعدها تحويل جزيء الأكسجين «O2» إلى جزيء ماء «H2O» الذي يتم طرده مجدداً من جسدك على شكل عرق مثلاً. عملية نقل إلكترونات السكر إلى الأكسجين تلك، هي عملية حيوية بالغة الأهمية، حيث إن تيار الإلكترونات المنتقلة هو تيار الطاقة اللازم للقيام بوظائف حيوية عدة كالطاقة اللازمة لنبض القلب مثلاً.

أما هذه البكتيريا الاستثنائية فتتميز بعدم حاجتها إلى سكريات، بل بحاجتها إلى إلكترونات كهربائية نقية، وبذلك فهي بكتيريا مباشرة ولا تسلك طُرقًا فرعية ملتوية للحصول على طاقتها!

بدأت التجربة عندما أخذت عينة مياه مجاري آسنة إلى المعمل، وتم غرز أقطاب كهربائية بها، وتشغيل تيار كهربائي:

أ‌. بفولت عالي الشدة: قامت البكتيريا بأكل الإلكترونات الصادرة من الأقطاب الكهربائية.

ب. بفولت منخفض الشدة: قامت البكتيريا - على العكس تماماً - بزفير إلكترونات إلى الأقطاب الكهربائية، ما يعني أنها قامت بتوليد تيار كهربائي!

نستنتج علمياً، إذاً، أنه قد تحقق توليد الكهرباء بسبب قدرة بكتيريا المياه الآسنة على تحويل الطاقة الكيميائية المخزنة في مركباتها الكيميائية (Substrates) وكتلها الحيوية (Biomass) إلى طاقة كهربائية.

المثير للاهتمام أن لهذه البكتيريا الخارقة قدرة على تكوين أسلاك بيولوجية (Biocables)، وهي أسلاك ميكروبية سمكها لا يتعدى بضعة نانومترات ويصل طولها لسنتيمترات عدة، وتقوم بتوصيل الكهرباء كأسلاك النحاس المعيارية تماماً!

وعليه، فإن إمكانية تحويل بكتيريا المياه الآسنة ومياه المجاري إلى محطات طاقة بكتيرية لإنتاج الطاقة الكهربائية قد تتطور إلى نظام واعد لحل مشكلة الكهرباء في المستقبل، حيث يمكن أن تستخدم أسلاكها البيولوجية يوماً ما لبناء شبكات طويلة ذاتية التجميع لمصلحة البشر القاطنين في الأماكن النائية، كما يمكن أن تكون تلك البكتيريا مفيدة في تصنيع أجهزة ذاتية التشغيل بحجم النانو، وبالتالي المساهمة في التخلص من مشكلة التلوث البيئي.

الأمر الذي يدفعنا حقاً للتساؤل: هل سنستبدل أسلاك الكهرباء بأسلاك النانو لبناء الشبكات الكهربائية يومًا ما؟!

ربما نعم، ولمَ لا!

انتهى.

أدرت بعدها رأسي، حلّ المساء، أدركني تعانق السحب وقد بردت قهوتي، فطويت النشرة وخلدت إلى نوم عميق هادئ!

العدد 4705 - السبت 25 يوليو 2015م الموافق 09 شوال 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً