العدد 4900 - الجمعة 05 فبراير 2016م الموافق 26 ربيع الثاني 1437هـ

تطوُّر دلمون وظهور تلال القبور الدلمونية الملكية

مرت دولة دلمون بثلاث مراحل رئيسية: مرحلة التأسيس (2200– 2000 ق. م.)، ومرحلة التوسع والنضج (2000– 1800 ق. م.)، ومرحلة الأفول (1800– 1600 ق. م.) (Hojlund 1989). وقد تم افتراض أن دلمون في مرحلة التأسيس، لم تكن مجتمعاً معقداً، بل مجتمع بسيط، لا توجد به طبقية واضحة، بما في ذلك طبقة الملوك، فهي طبقة غير واضحة. والسبب في ذلك يعود، أنه لم يتم العثور على قبور ضخمة، كالقبور الملكية التي تعود لمرحلة النضج (2000– 1800 ق. م.). كذلك فإن الأختام الدلمونية ظهرت في نهاية فترة التأسيس. بينما تميزت فترة الذرة بظهور القبور الملكية الضخمة، وتطور الأختام، وظهور المعابد والتوسع في المدينة المركزية في موقع قلعة البحرين، والتي تعتبر المدينة المركزية التي يقع بها قصر الملك الدلموني، بالإضافة إلى عددٍ من المباني الإدارية. إلا أن هذه الفرضية بدأت تتغير بعد العام 2007م، وذلك في ضوء نتائج الدراسات الحديثة.

يذكر أنه في العام 2006م انطلق مشروع إعادة دراسة تلال القبور الدلمونية في البحرين، وذلك بالتعاون مع متحف Moesgaard في الدنمارك. وقد كانت باكورة أعمال هذا المشروع، عملية مسح شاملة لتلال القبور الدلمونية، وبما أن عددا كبيرا من هذه التلال تمت إزالته نتيجة للتطور العمراني في المنطقة، فقد تمت الاستعانة بالصور الجوية التي تم التقاطها لحقول قبور التلال الدلمونية، وذلك في العام 1959م، وتمت معالجة وتحليل هذه الصور باستخدام التقنيات الحديثة (Hojlund et. al. 2008) ، Laursen and Johansen 2007). ومن النتائج المهمة التي تم التحصل عليها من خلال مشروع إعادة دراسة تلال القبور الدلمونية هو تحديد نوعين جديدين من تلال القبور الدلمونية، بصورة واضحة، مع تحديد مواقع انتشار هذه القبور ضمن حقول التلال الدلمونية.

أنواع تلال القبور الدلمونية

هناك أكثر من تصنيف لتلال القبور الدلمونية، إلا أنها تقسم زمنياً إلى مجموعتين أساسيتين، وهي، تلال القبور المبكرة التي تعود لحقبة التأسيس (2200– 2000 ق. م.)، وتلال القبور المتأخرة التي تعود مرحلة دولة النضج (Lowe 1986)، ويندرج تحت كل مجموعة، مما سبق، تقسيمات فرعية بحسب معايير ثانوية أخرى. وبعد إعادة دراسة تلال القبور الدلمونية، تمت إعادة تقسيم تلك التلال، زمنياً وبحسب الطبقات الاجتماعية. زمنياً، تم إضافة مجموعة جديدة من تلال القبور، وهي تمثل قبور المرحلة الانتقالية لدولة دلمون، من طور التأسيس لطور الذروة Laursen 2010)). كذلك، فقد تم اكتشاف قبور ملكية، صغيرة الحجم، يعود تاريخها لمرحلة تأسيس دلمون، وهي تختلف في الحجم والمكونات عن القبور الملكية الضخمة المعروفة سابقاً، قبل مشروع إعادة دراسة التلال القبور الدلمونية، التي يعود تاريخها لما بعد فترة تأسيس دلمون (Hojlund et. al. 2008).

تلال القبور الدلمونية المبكرة

تعتبر تلال القبور المبكرة، والتي تعرف، أيضاً، باسم «تلال قبور أم النار»، متزامنة مع فترة المدينة الدلمونية الأولى في قلعة البحرين وبالتحديد فإن تاريخها يعود للحقبة ما بين (2200– 2050 ق. م.)، ويبلغ عدد هذه التلال قرابة 28000 تل، وهي تتركز في مجموعات تقع بصورة أساسية في شرق كرزكان وجنوب بوري، إلا أنها تنتشر بصورة متفرقة، وبالخصوص الجزء الجنوبي من البحرين (Lowe 1986)، Laursen 2010b، 2011)). وتتميز هذه القبور بانخفاض ارتفاعها ومظهرها المستوي، ويميل شكلها إلى عدم الانتظام. ويتكون القبر من جزء أساسي هو حجرة اللحد حيث يوضع الميت، وتكون هذه الحجرة إما بيضاوية أو مستطيلة أو مربعة الشكل وليس لها غطاء علوي حيث تترك مفتوحة. ويحيط بغرفة اللحد جدار مستدير من الحجارة، ويتم ملأ الفراغ ما بين الجدار الدائري وغرفة اللحد بالحجارة والتي تتخذ أشكالاً مختلفة (Lowe 1986). هذه القبور يتشابه بناؤها مع نموذج بناء القبور في ثقافة أم النار، وهي تتميز، بالإضافة لشكلها، بأنها تحتوي على فخار خاص مستورد، إما من حضارة وادي الرافدين أو من ثقافة «أم النار» (Laursen 2009، 2011).

تلال القبور الملكية المبكرة

من ضمن تلال القبور الدلمونية المبكرة، يوجد 28 تلا، لا يختلف شكلها عن تلال القبور المبكرة، باستثناء وجود حلقة كبيرة تحيط بأطراف التل. ويتراوح طول قطر الحلقة الخارجية ما بين 12– 62 مترا، والمرجح أنه كلما كانت القبور أقدم، كلما كان حجمها أصغر وقطر حلقتها الخارجية أصغر. وتنتشر هذه القبور، بصورة أساسية في وادي السيل غرب الرفاع، وجنوب قرية عالي Laursen 2008))، (Hojlund et. al. 2008).

قبور المرحلة الانتقالية

تعتبر الفترة ما بين 2050– 2000 ق. م، مرحلة انتقالية ما بين مرحلة تأسيس دلمون ومرحلة نضج دولة دلمون، وقد أطلق البعض على هذه الفترة اسم proto-dilmun أو فترة ما قبل نضج دولة دلمون. وفي هذه المرحلة تتداخل عدة تأثيرات ثقافية مشتركة في التأثير على ثقافة دلمون، وتظهر تلك التأثيرات بصورة أساسية في الطقوس الجنائزية وفي صناعة الأختام. كذلك، حدث تغير ملحوظ في طريقة بناء القبور الدلمونية؛ حيث ظهرت مجموعة قبور لها مميزات خاصة تتشابه بين القبور الدلمونية المبكرة السابقة الذكر، والقبور الدلمونية المتأخرة التي سوف نتطرق لها لاحقاً. ويتمركز هذا النمط من القبور، بصورة أساسية، في مقبرة واحدة وهي مجموعة قبور كرزكان، ولها شكل خارجي شبيه إما بالقبور المبكرة، أي أنها تلال منبسطة، أو القبور المتأخرة، المخروطية الشكل. لكنها تتميز بوجود جدران شعاعية الشكل تملأ الفراغ ما بين الجدار الدائري وغرفة اللحد، وكذلك تتميز بأنها تحتوي على فخار خاص محلي الصنع Laursen 2010)).

تلال القبور الدلمونية المتأخرة

وظهرت في فترة نضج دولة دلمون، ما بين 2000– 1750 ق. م.، تلال قبور تختلف في شكلها عن تلال القبور الدلمونية السابقة الذكر، وقد عرفت هذه التلال باسم تلال القبور الدلمونية المتأخرة. وتنتشر هذه التلال في سار والجنبية والجزء الجنوبي من البحرين وصولاً إلى أم جدر، ويبلغ عدد هذه التلال قرابة 47000 تل (Olijdam 2010) . وتتميز تلال القبور المتأخرة بأنها أكثر ارتفاعاً من التلال المبكرة، ومظهرها مخروطي. ويتكون القبر من جزء أساسي هو حجرة اللحد حيث يوضع الميت، والتي تغطى بغطاء علوي. ويحيط بغرفة اللحد جدار مستدير من الحجارة، ولا يتم ملء الفراغ ما بين الجدار الدائري وغرفة اللحد بأي حجارة، كذلك، تتميز بأنها تحتوي على فخار خاص محلي الصنع (Lowe 1986)، Laursen 2010)).

تلال القبور الملكية المبكرة

من ضمن التلال التي تعود للفترة ما بين 2000– 1750 ق. م، يوجد 18 تلا، ضخمة جداً، يصل ارتفاعها إلى عشرة أمتار، أما القبر من الداخل فمبني على شكل غرف، ويتكون من طابقين. أما وجه التشابه بين هذه القبور الملكية، والقبور الملكية المبكرة هو وجود الحلقة الخارجية، أي الحلقة الكبيرة التي تحيط بأطراف التل. وفي حالة، القبور الملكية المتأخرة، يتراوح طول قطر الحلقة الخارجية ما بين 50– 94 مترا، والمرجح أنه كلما كانت القبور أقدم، كلما كان حجمها أصغر وقطر حلقتها الخارجية أصغر. وتنتشر هذه القبور، بصورة أساسية في منطقة عالي Laursen 2008))، (Hojlund et. al. 2008).

الخلاصة

لقد أتاح لنا مشروع إعادة دراسة تلال القبور الدلمونية في البحرين، إعادة تقسيم تلال القبور، زمنياً، وبحسب الطبقات الاجتماعية أيضاً. إن هذا التقسيم يتيح لنا إعادة دراسة دولة دلمون، من حيث التطور الإداري والثقافي عبر الزمن. وكذلك، التقسيمات الداخلية للدولة، كمنطقة الإدارة المركزية، ومراكز الإشراف على المناطق الطرفية، وجود مقاطعات وزعامات محلية، تختلف عن القيادات المركزية. وهذا ما سوف نحاول تسليط الضوء عليه في الحلقات المقبلة.





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 8:38 ص

      هذا التلال الملكية يمكنها ان تناطح عجائب الدنيا السبع لو تم الترويج لها عالميا.

    • زائر 2 | 7:15 ص

      هذه الحضارات .

      لو فقط يتم استثمارها جيداً لاصبحت البحرين في الترتيب العالمي من ناحيه السياحه .بس واأسفاه .مجودين لي بانوش واقرع في ايده لولوه.

    • زائر 1 | 2:47 ص

      قد

      كميه التلال زادت من 28 الف الى 47 الف في المرحله المتخرة ووانتشارها في هذي المناطق قد يعني ان هناك تقسيم للعمل (بين الزراعه والصيد) في مرحله الدوله وربما يكون هناك ايضا نوع من التقسيم المناطقي من قبل الحكام لتسهيل الادارة وحركه التجاره

اقرأ ايضاً