العدد 4900 - الجمعة 05 فبراير 2016م الموافق 26 ربيع الثاني 1437هـ

«ما ينتمي إليك» لغرينويل... قصة الرغبة والطبيعة المُهينة للشهوة

غلاف الرواية
غلاف الرواية

«الوسط - جعفر الجمري 

تحديث: 12 مايو 2017

ربما يكون وصف المحرِّر الأدبي بصحيفة «نيويورك تايمز»، دوايت غارنر، لرواية الشاعر والكاتب والناقد والروائي الأميركي غارث غرينويل «ما ينتمي إليك»، وهي الأولى له، دقيقاً حين كتب في مراجعته لها يوم الثلثاء الماضي (19 يناير/ كانون الثاني 2016)، إنها «قصة الرغبة والطبيعة المُهينة للشهوة». نضيء هنا جوانب مما ورد في التقرير.

«توجد قصتان أو ثلاث من القصص الإنسانية فقط»، كما كتبت الروائية الأميركية ويلا كاثر. تتحدث عن جانب من خواصّ قائمة اليوم، تكاد تسم القصة «تذهب في التكرار بشراسة كما لو أنها لم تحدث من قبل».

إحدى هذه القصص الخالدة تتناول الرغبة الجنسية في غير أوانها، أو حين لا تكون واضحة في مراميها، وأحياناً يكتنفها تعدُّد في أوْجه الحظ السيء. في الرواية المتوهِّجة الأولى لغارث جرينويل «ما ينتمي إليك»، حكاية قديمة اشتُغل عليها لتكون جديدة في تناولها، واتخذت صيغتها مساراً لن تنجو منه بالإثارة التي تتيحها المعاقبة... الانتقام.

هذا الكتاب عن رجليْن يلتقيان في حمَّام عمومي بقصر الثقافة الوطني في عاصمة بلغاريا (صوفيا).

أحد الرجلين لم يكشف الراوي عن اسمه، شاب أميركي يُمارس التعليم في بلغاريا، والآخر محتال يُدعى ميتكو، يدفع المُعلِّم - في غواية لا تنتهي - إلى ممارسة الجنس. هكذا تبدأ علاقة مُعقَّدة ومتشابكة بحيث تتيح لموهوب مثل غرينويل فرصة لتحليل أكبر الأسئلة، تلك التي تتعلق بالولاء البشري والعطف أيضاً.

ميتكو ليس من صنف مُومس عاطفية في أعمال دوستويفسكي (لنأخذ غروسشنكا المرأة المومس التي يراها البعض ملاكاً). هو من النوع الذي يكون محط ازدراء من حوله؛ إذ قلَّما اغتسلَ - على رغم تنقّلاته بين تلك العوالم الموبوءة - وهو في ما يمتهن أقرب إلى ممارسة السرقة. ذلك في ما يتعلق بما لا يُرى من باطنه. ما يمكن رؤيته يمكن الوقوف عليه من خلال التقرُّحات التي تحيط بفمه بسبب الإصابة بالهربس، وكذلك التشوُّهات التي تملأ وجهه بفعل المشاجرات.

ومع ذلك يظل جميل الملامح؛ علاوة على قامته الطويلة ومنكبيه العريضين. في الرواية يقوم ميتكو بعملية إيقاظ كل الاستجابات الحيوانية التي أرادها الراوي.

حياتي مثل عضَّة كلب

أحد الموضوعات الأولية في الرواية هي الطبيعة المهينة للشهوة. المعلِّم شخص دقيق وله معاييره في التعامل مع كل ما له صلة بالعقل، على رغم أنه يشعر بحال من الجموح والاندفاع بسبب الحاجة الجنسية، يصف حياته وسط ذلك الجموح: «حياتي مثل عضَّة كلب!». معلِّقاً بالقول «كيف أن الرغبة لا حول لها ولا قوة حين تكون بمنأى عن مسرحها الصغير... بعيداً عن حدِّتها، وكيف أن اللحظة تلك تصبح سخيفة حين تكون بمنأى عن الحفاوة، حتى لو كانت تلك الحفاوة مفتعلة».

في وقت لاحق، وهو في حال من الوحْدة، يشعر المُعلِّم بالعار، يجد ملاذه في قراءة كفافي وويتمان. فكره في اتجاه «أن يُموِّه ما شعر به أكثر فأكثر كأنه بذاءة»، كل ذلك بسبب الوقت الذي يُمضيه مع ميتكو. لدى المُعلِّم عقل جميل وافر في قدرته على الاحتواء. حينما يذهب إلى «قسم الأمراض التناسلية» كي يُجري فحصاً لمرض جنسي، يُلاحظ شرْحاً يتعلَّق بـ «التناسلية»: «من خلال جذورها اللاتينية كان ينبغي أن تكون دراسة الحب».

لن أفْشي ما يُمكن أن يُستشفُّ في نهاية المطاف ما يدور بين المعلِّم وميتكو. لكن قبل فترة طويلة بدأ المُحتال يسأل عن أمور أخرى، وليس المال فقط. حياته بدأت في الانهيار. تقوده الظروف إلى قضاء وقت في السجن؛ فيما حاله الصحية في تراجع.

يكتب غرينويل العبارات الطويلة، يعمد إلى شبْك الترابط في العبارات بفواصل منقوطة، تلك التي ترِد في جُمل اعتراضية، وتؤسِّس اتصالاً وثيقاً بين جملتين، كأنْ تكون الجُملة الأولى سبباً للثانية، أو العكس، وذلك ما يدفع بها قُدماً، فيما يشبه البحث بثقة عن الكُروم. يكشف كل ذلك عن امتلاكه لمهارة فطْرية وسبْك في الكلمات.

لا إثارة بالبداية المُعْتمة

العمل بدأ من شكل رواية «ميتكو» التي نشرت في العام 2010 وصدرت عن مطبعة جامعة ميامي، وهي نسخة مُختصرة ومنقَّحة من تلك الرواية شكَّلت الأقسام الثلاثة الأولى في هيئتها الجديدة.

تتناول الأقسام الجديدة طفولة الراوي في أميركا، وعلاقاته عن بعد مع والديه. أتصاغر عندما تتمحور رواية « ما ينتمي إليك» حول الراوي المضطرب، بتجلِّيه في دور شاب مثليٍّ.

لم أكن بحاجة إلى أن أشعر بالقلق، أو على الأقل ليس بشكل فائض. الفصول اللاحقة قد تفتقر إلى الإثارة، بتلك البداية المُعتمة والممتدة، ولكن لايزال غرينويل الكاتب الذي يفتح هوَّة بدلاً من بناء جسور دون المستوى المطلوب.

يظل مُراقباً خفياً للتفاعلات البشرية، وهو بأسلوبه ولغته يؤكد طريقة التعبير عن الحب كما يجب أن يكون عليه، يمكن تبيُّن ذلك في جوانب من العمل وأداء الشخصيات. «هناك شيء مسرحي في كل ما نحتضنه ونعتنقه، كما أعتقد»، بحسب ما كتب، مضيفاً «نحن نزن ردودنا ضد ما نتصوَّره أو إزاء هدف؛ دائماً ما نرغب في ذلك كثيراً، أو لا نجد كفايتنا منه، وبالتالي تتم مكافأتنا وفقاً لذلك».

يحمل غلاف الرواية صورة لمبنى سكني قاتم تمت هندسته وفق الفن المعماري على النمط «البروتالي»، وهو نمط من الهندسة المعمارية أو الفنية التي تتميّز بالرزانة المتعمَّدة، وتوظيف الخامات، ويتجلَّى فيها جانب من العنف. طُبِّق المصطلح للمرة الأولى في الفترة ما بين خمسينات وستينات القرن الماضي، بعد التقدُّم الكبير في استخدام الصُلْب والخرسانة من خلال كتل ضخمة وبشكل صارخ.

يُذكر أن غارث غرينويل شاعر وكاتب وناقد أدبي أميركي، من مواليد لويزفيل بولاية كنتاكي، في العام 1978. ويحمل شهادات في الدراسات العليا من جامعة هارفارد.





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً