العدد 2335 - الإثنين 26 يناير 2009م الموافق 29 محرم 1430هـ

حول تغيير الثقافة

يذكر المؤلف أن معظم عمليات تغيير الثقافة تبدأ بالمديرين الكبار في تطويرهم رؤية صورة مشتركة للمنظمة في المستقبل، وبعد ذلك ينقلون في المعتاد هذه الصورة إلى بقية المنظمة مبينين بأن بعض جوانب عملهم قد تحتاج إلى التغيير أو التكييف، ولذا تجري بعض الأشكال من التحليل الذاتي، ويتسلح المديرون بنتائج التحليل الذاتي والرؤية الواضحة، وربما تكون خطواتهم التالية شكلا من أشكال النشاط لحل المشكلات يرتكز على عمل الفريق. كذلك يذكر بأنه في كثير من الحالات تعمل هذه الفرق من خلال الدوائر والوظائف وتعالج المشكلات التي حددها فريق الإدارة.

وتولى النتائج في المعتاد اهتماماً إعلامياً، ويكون اختيار أعضاء الفريق على أساس قدراتهم وخبراتهم، وانه بما أن هذه الفرق المنتدب تظهر بوضوح قوتها وتثبت بأن الفرق لا تسيء استخدام النظام system بل بوسعها ان تكون ذاتية الانظباط، لذلك فإن عملية تغيير الثقافة تسمح بنشوء أنواع بديلة من الفرق.

وينبه إلى انه إذا ما ظل المديرون الكبار والمتوسطون يغالبون ويقاومون ادوارهم الجديدة، فإنهم سيحاولون في المعتاد الابقاء على التحكم في عملية تغيير الثقافة، ولذلك فإن النوع التالي من المجموعة التي تتكون تكون في المعتاد جماعة التحسين على مستوى الدائرة، وانه كما يوحي الاسم، فإن هذه المجموعات تعمل عملها في المشكلات في داخل الدوائر، وهم ينزعون إلى حصر انفسهم في القضايا المتعلقة مباشرة بالنوعية أو الأداء، ومرة أخرى تكون هذه المشكلات في المعتاد قد تم التعرف عليها وتحديدها لهم من قبل اعضاء فريق الإدارة. وينبه أيضا إلى انه بالتعاقب فانه في المنظمات التي يفهم المديرون فيها بان دورهم يلزم ان يتغير، فإن النوع التالي من الفريق المتكون يحتمل ان يكون فريق تحسين. وكامتداد طبيعي لفريق العمل تقوم فرق التحسين بمعالجة المشكلات كذلك عبر الوظائف، غير انها خلاف سابقاتها هي التي تقوم باختيار المشكلات التي تنبري لعلاجها. ويضرب المؤلف مثلا في انه قد يتذمر احدهم في أحد مجالات العمل من الحاجة إلى خدمة أو دعم من اناس في مجال آخر، وبدلاً من أن يأتي تناول المشكلة على نحو يتصف بالمجابهة، فإن فريقا يمثل جوانب المشكلة يجتمع أعضاؤه معاً لتطوير حل لها، ومهما كان السبيل الذي يأخذونه، فإن معظم المنظمات في نهاية الأمر تتحرك نحو فرق من الناس تعمل تلقائيا وفق اختيارها هي للمشكلات وضمن مجالها الخاص بها.

وبعد ذلك يلفت النظر إلى ان نظير حلقات التوعية في التسعينات هو فريق العمل «ذاتي التسيير» أو «ذاتي التوجيه»، وان هذه الفرق تتحمل مسئوليات واسعة في الإدارة اليومية لمجالها الخاص بها، وإلى أن عملية نشوء مثل هذه الفرق ليست سهلة، ولكن هناك عدداً من الاعراض الممكنة التشخيص في المنظمة التي تمر بمقل هذه التغييرات.

وختاماً يوضح ويسلون بأنه من الممكن عادة تبين فترة طويلة إلى حد معقول يظهر فيها فريق الإدارة مرتبكا بشأن الاتجاه الذي تسير فيه المنظمة، وانه من هذا الارتباك تتطور مجموعة صغيرة من التجارب التي إما ان تكون مبنية على اساس الوظائف، أو على أساس المواقع، أو على أساس عمليات العمل التجاري، وان التجارب الناجحة تنزع إلى ان تنمي دعاتها. ويشير إلى انه يكون من المألوف ان تؤول الحال بهؤلاء الناس إلى أن يصبحوا المرشد «الغورو» guro، من الداخل، أو «صاحب الرؤى»، visionary، وتميل حماستهم ونجاحهم الجلي إلى استمالة فريق من المناصرين المحليين، ويمضي هذا الفريق قدما لاجتذاب مزيد من الاهتمام، منمياً تصاعدياً السبيل اللولبي الذي من خلاله يأتي نشوء مثل هذه الفرق(47).

بيتر دركر في كتابه «الإدارة لأجل المستقبل»

يتألف الكتاب من أربعة اقسام رئيسية أولها في اثني عشر فصلاً مدارها الاقتصاد، والثاني في ثمانية فصول مدارها الناس، والثالث في تسعة فصول حول الإدارة، والرابع في عشرة فصول محورها التنظيم. والواقع فصول الكتاب تغطي مجالاً واسعاً من الموضوعات، فلقد صمم كل فصل منها بحيث يتناول واحداً من أبعاد المدير التنفيذي الأربعة: الاقتصادي والاقتصاد، الناس، الإدارة، والتنظيم - في داخل المنشأة وفي خارجها. وكما أوضح دركر نفسه في مقدمة الكتاب فإن كل فصل قد خطط من البداية لتحقيق غرضين: أولهما تقديم شرح للمديرين التنفيذين المنغمرين في مطالب مهامهم ومنشأتهم الخاصة بهم، لكي يتفهموا العالم السريع التغير الذي يعملون فيه وينتجون. والثاني هو تنشيطهم على القيام بالعمل وتوفير الأدوات من أجل العمل الفعال، وان كل فصل منا يحاول خلق تفهم للتغيرات المنتظرة مستقبلا وما تعنيه للاقتصاد والناس والأسواق والإدارة والتنظيم، ويحاول كذلك خلق تفهم لما يحتاجه المدير التنفيذي لتأتي إدارته من أجل المستقبل بدلاً من أن تكون من أجل الماضي على حد تعبير دركر نفسه. ولقد أوضح المؤلف أيضا بأن كل فصل من فصول كتابه قد صمم من البداية لنشيط العمل - للتعرف على الفرص الجديدة، وتحديد المجالات حيث التغير - في الطريقة والناتج، والسياسات، والأسواق، والبنية - يكون مطلوبا؛ ولتبيان مكان وما هية ما يتوجب عمله، ومكان وماهية ما يلزم التوقف عن عمله.

وليس المقصود هنا استعراض محتويات أو مضامين أي فصل من فصول هذا الكتاب المتميز بسعة نطاق موضوعاته وعمق معالجة المؤلف لها، والذي يعكس نفاذ البصيرة وعمق النظرة التي يتميز بها دركر في تناوله للقضايا الحرجة والحاسمة التي تواجه المديرين في التسعينيات. وإنما القصد هو التنويه ببعض ما انتهى اليه في الفصل الختامي الذي جاء تحت عنوان «التسعينيات وما بعدها» وعلى وجه الخصوص ما قرره في شأن المهارات الجديدة المطلوب توافرها في المدير ليكون أكثر فعالية في مواجهة ما قد يفرضه المستقبل في دنيا المال والأعمال من متطلبات. فلقد قرر دركر لدى تناوله موضوع «الفعالية الشخصية» بأنه في ضوء الاقتصاد العالمي المتغير، وبزوغ المنظمة ذات الأساس المعلوماتي وظهور الحاجة إلى التنظيم المنهجي systamatize للتجديد ولجهود رجال الأعمال المتصفين بالمغامرة والمجازفة entrepreneurship، يقوم السؤال عن ماهية المهارات والقدرات التي سيحتاجها المدير التنفيذي كي يمارسها (وليس لكي يتذكرها فقط) ليكون فعالاً في السنوات القادمة، وان الحاجة ستظل بالتأكيد قائمة للمهارات القديمة إلا أن هناك بعض المهارات الجديدة التي من المحتمل أن تزداد أهميتها، وانه (أي دركر) بإمكانه ان يحدد ثلاثاً من تلك المهارات هي:

-1 الإدارة بالخروج إلى خارج المنشأة.

-2 البحث عن المعلومات التي يحتاج إليها المرء لإنجاز عمله.

-3 بناء التعلم في بنية المنظومة.

والواقع ان ما عرضه من تفصيل في شأن مضامين هذه المهارات الثلاث لا تقتصر أهمية أدراكه واستيعابه وممارسته على المديرين العاملين في دنيا المال والاعمال بل تشمل كذلك المديرين العاملين في مختلف مجالات الحياة سواء فيها العاملة للربح وغير العاملة للربح، والعامة والخاصة، والحكومية وغير الحكومية. ونظراً لما يوفره اكتساب تلك المهارات من فائدة لمن يحملها ويمارسها من المديرين والإداريين على اختلاف مجالات أعمالهم وأشغالهم فإنه يكون من الملائم والمفيد استعراض ما بيّنه دركر بشأنها في التالي:

أولاً: الإدارة بالخروج إلى خارج المنشأة

يؤكد دركر بأن المديرين يبحثون عن التفوق والامتياز، وبأنه اذا كان توم بيترز قد وعظ المديرين بأن عليهم ان يرتادوا أنحاء منشآتهم، وواقع الحال مايزال يجعل من ذلك امراً جديراً بأن يوصى به، إلا ان التركيز في ذلك الشأن قد تغير، وان المهم الآن هو أن يمضي المدير من الوقت خارج المنشأة ما يكفي لتمكينه من أن يقف على بعد ليستخلص الاستنتاجات الصحيحة، وانه عندما يكون كل شيء - من أسواق وتكنولوجيات وقنوات توزيع، وقيم - في حالة اهتياج واضطراب فإن الانتظار في المكتب إلى أن تصل التقارير إلى منضدة المدير التنفيذي قد يطول أكثر مما يجب. وينبه دركر بأن الغاية من هذه الممارسة هي كونها تجبر المدير على أن يكون هناك في ميدان السوق حيث تظهر النتائج، وبأنه ليس هناك من نتائج داخل المنشأة، وانه إلى الحد الذي عنده يعاود الزبون تقديم طلباته فإنه ليس هناك في داخل المنشأة سوى تكاليف. ويذكر بأن مثل هذه النظرة عن بعد ربما أمكنها ان تستحث، على نحو مجْزٍ، المنشآت لكي تنظر إلى أولئك الذين هم ليسوا من زبائنها وتريدهم ان يكونوا منهم، وان هذا في العادة هو أول مؤشر في شأن الفرص المتاحة... وحيث أن الزيون هو الذي يحدد النوعية وليس الصانع... فإن أول أمر لازم هو أن يتعلم المدير بأن يكون في الخارج حيث تحصل نتائج العمل، والطريقة الوحيدة لأن يكون في الخارج هي ان يقوم بالعمل بنفسه لا أن يقصر ذلك على مجرد الزيارات(48).

ثانياً: البحث عن المعلومات التي يحتاج إليها المرء لإنجاز عمله

يوضح دركر بأنه على الناس ان يتعلموا حمل المسئولية في شأن ما يحتاجونه من المعلومات وبأنه إذا كان جلياً ان تفهم مسئولية المرء عن المعلومات تجاه الآخرين آخذ في الازدياد، إلا أن كل واحد في المنظمات التي أساسها المعلومات هو في حاجة مستمرة لأن يفكر في المعلومات التي تلزمه لكي يسهم اسهاماً قيّماً في أداء وظيفته، وبأن ذلك قد يكون اشد التحولات جذرية عن تقاليد العمل الحاضرة، وانه حتى الشركات التي باتت تستند إلى حد كبير على استخدامات الحاسوب - ولعله في هذه الشركات على وجه الخصوص - تكون قلة من الناس هم من تتوافر لديهم أحدث المعلومات، غير ان ما لديهم فعلاً ليس معطيات data، بكميات تتسبب في حمولات زائدة في المعلومات، أو تنتج عنها عتمة لا تبين منها التفصيلات.

وينبه إلى أن مسئولية المعلومات تتوجه إلى مشكلة رئيسية أخرى؛ إذ إن معظم المديرين مايزالون يعتقدون بأنهم في حاجة إلى اخصائي معلومات ليحيطهم علماً بما يلزم ان يكون لديهم منها؛ غير ان أولئك الاخصائيين انما هم موفّرو أدوات، فهم بوسعهم ان يخبروا المديرين بالكيفية التي تستخدم بها آلة معينة، ولكنهم ليس بمقدورهم ان يخبروا المديرين عما اذا كانت هناك من حاجة إلى استخدام تلك الآلة أصلاً، ووظيفة المدير هي التي تتطلب منه ان يقرر بنفسه ما نوع المعلومات التي يحتاج إلى أن تتضمنها معرفته.

ويرى دركر ان محاور تلك المعرفة تتلخص في ثلاث مسائل هي:

-1 ماذا يفعل المدير الآن.

-2 ماذا يلزم عليه أن يفعل.

-3 كيف يستطيع أن ينتقل من (1) إلى (2).

ويرى كذلك بأن تحقيق المطلوب ليس بالمهمة السهلة تظراً لكون المعلومات لا تبدأ في ان تكون الخادمة والأداة للمدير إلا متى ما قام بتحديد واختيار ما يلزمه منها. وينبّه بعد ذلك إلى ان دوائر إدارة نظم المعلومات MIS هي مراكز نتائج لا مراكز تكاليف كما هي الآن، ويشير إلى انه حتى وقت قريب لم يكن هناك شيء اسمه معلومات، وإنما كانت هناك خبرة وحكايات تروى، بينما الآن ولأول مرة صارت هناك معلومات، وان تحويل هذه المعطيات إلى معلومات يعني ان يسأل المدير عما يحتاج إليه، ومِنْ مَنْ، ومتى، وعلى أية صورة، وان يتأكد من ان أولئك الذين يستطيعون ان يوفروا المعلومات يعرفون ويفهمون مسئولياتهم أيضا، كما يتوجب على المدير ان يسأل كذلك عن ماهية المعلومات التي يحتاجها الآخرون منه.

ويوضح بأنه في منظمات الغد المرتكزة على المعلومات سيتوجب على الناس إلى حد كبير ان يضبطوا انفسهم، وينبه إلى أن هذا لا يعني انه ستؤول الحال بالجميع إلى أن يعملوا في منظمات عديمة الشكل، فهذا في نظره هراء. ويضرب مثلاً في ذلك الشأن بحقيقة انه ليس هناك من حيوان برّي على وجه البسيطة يزيد ارتفاعه عن ست بوصات ويكون بوسعه الوقوف من دون هيكل عظمي يحمله، والشركات كما يراها هي كذلك - فمن بعد حجم صغير جدا تحتاج كل شركة إلى هيكل من البنية لتولي الأوامر الرسمية، وكما ان الحيوان لا يؤدي عمله أو يشعر إلا من خلال هيكل عظمي، إذ إن له جهازاً عصبياً وجهازاً عضلياً لذلك، فإنه على نفس المنوال تُمكّن المعلومات المدير من تنظيم وتكامل عمله، وهي كذلك مما يتحكم المدير فيه ويحمل المسئولية بشأنه. ويشير دركر إلى انه عند هذه النقطة فإن المهمة «المتصفة بكونها ظاهرياً لا يمكن التغلب عليها، والمتعلقة بالتشغيل في شكل يحتاج إلى تشكيل فريق لغرض خاص ad hoc)، تلوح من بعيد أقل حجماً. ويكون الفريق الذي تتمثل فيه الوظائف هو المفتاح، ذلك لأنه لا أحد يبدأ بالبحث البحت، أو بالبحث التطبيقي، أو بالهندسة، أو بالتطوير والتصنيع، أو بالتسويق، فذلك يستهلك الكثير من الوقت، وينتج نتاجاً قد يكون عجيباً إلا أنه لا يجد له مشترياً(49).

وينوّه بأهمية التركيز على الفعالية، ويشير إلى انه في ذات التوجه، يلزم أن يصرف المديرون قليلاً من الوقت في التفكير في شأن ما يلزم أن تعتبرهم الشركة مساءلين عنه من حيث الاسهام والنتائج خلال فترة الأشهر الثمانية عشر القادمة، فيسأل المدير نفسه عن الشيء الذي بوسعه أن يقوم به بمفرده، ولا يكون بوسع غيره أن يقوم به، والذي اذا ما تم تحقيقه كما ينبغي سيكون له ذلك التأثير. ويشدد دركر على أهمية وضوح الأولويات وعلى كون ذلك أمراً أساسياً، وينصح المدير بألا ينهمك في عمل أشياء متباينة وألا يشتت الجهد أو يفعل أشياء عديدة في وقت واحد، وينبه إلى انه من دون أولويات يكون المديرون مشدودين إلى آلاف الاتجاهات في نفس الوقت، وان ذلك ينطبق على وجه الخصوص على المديرين في المراتب العليا.

ويذكر ان الكتب الدراسية تسهب، وهي محقة، في شأن الحاجة إلى التفويض إلى المرؤوسين، ولكنها تقصر في بيان التفويض إلى أعلى، بينما في نهاية الأمر تأتي المشكلة دوماً لتستقر على منضدة الرئيس، حيث يكون نهاية مطاف تحويل الأمور. ويبين بأن تلك هي وظيفة المدير بالتأكيد، ولكنه (أي المدير) يحتاج قبل كل شيء، إلى الوقت لانجاز عمله، كما انه يحتاج، فوق كل شيء، إلى أن يعرف ما سيكون اسهامه الواحد أو اسهاماه الاثنان على الأكثر(50).

ويؤكد بأننا كمديرين لسنا فعالين بما فيه الكفاية لكوننا نحاول ان نفعل أشياء كثيرة جداً، وان المصدر الكبير الآخر لخراب المنظمات وهلاكها هو كوننا نعتقد بأن ما نحاول تحقيقه واضح بحيث لا نحتاج أن نخبر من هو في جوارنا في المنشأة عنه. ويشير إلى أن علم النفس الحديث قد بدأ عندما قرر الاسقف بيركلي بأنه نظراً لاستحالة حلول جسمين اثنين في نفس المكان فإنه ليس بامكان اي شخص ان يرى ما كان بيِّناً لشخص واحد، ولذلك فإن الناس الذين يعتمد عليهم المدير يجب ان يفهموا ماهية ما يحاول تحقيقه، ويجب عليه ان يحيطهم علماً بأولوياته.

ثالثاً: بناء التعلم في بنية المنظومة

يشير دركر إلى أن العنصر الثالث للفعالية هو بناء التعلم في المنظومة. وينبه إلى أن أهم مبدأ في التعلم هو التغذية الراجعة (أو المستعادة) Feedback، وإلى أن التغذية الراجعة هي المفتاح الرئيسي للتعلم. وينبه أيضا إلى انه لا أحد يكون وافر الانتاج عن طريق استخدام عناصر الضعف، وعليه فإن الأمر الحاسم هو كون التغذية الراجعة تحدد نواحي القوة، وان المتعلمين يحتاجون إلى أن يعرفوا أين يلزم ان يكون التحسن؟، وما هي العادات السيئة التي تكبت نواحي القوة تلك؟، وفي أي المجالات لم ينعم الخالق على المرء بقدرة ما إطلاقا؟. ويوجه دركر نقده للمدارس ولنظم التعليم من حيث كون أغلبها ومعظم التعليم الجاري فيها - وبؤرة اهتمامها المشكلات - تركز جهودها وأنشطتها على معالجة نواحي الضعف، وهو يرى ان ذلك وان كان لازماً إلى حد ما لكون كل طالب يحتاج إلى مهارات أساسية، إلا أن الأداء الحقيقي في واقع الدنيا هو كالتعليم يلزم ان يكون مبنياً على نواحي القوة، وانه عندما يكون التعلم جيد التنظيم يحصل بسرعة مذهلة للسبب البسيط في كونه لديه مركز رؤية (focus).

ويؤكد على انه علاوة على ذلك، يجب ان يكون التعلم مستمراً وان علينا ان ندرك الحقيقة غير السارة في ان معرفة أولئك الذين مضت على تركهم المدرسة خمس سنوات هي معرفة آيلة إلى الاهمال. ويذكر بأن السلطات في الولايات المتحدة باتوا بطلبون من الأطباء ان يأخذوا مقررات تجديدية وان يؤدوا امتحانات لإعادة التأهيل كل خمسة أعوام، وان ذلك كان مبعث تذمر في البداية لدى المطالَبين بأداء الامتحان، إلا أنهم سرعان ما حل محل تذمرهم الدهشة لدى إدراكهم مقدار ما تغير من المعلومات ومقدار ما حصل نسيانه، ويشدد على ان نفس المبدأ يلزم ان ينطبق على المهندسين، وأكثر من ذلك على التسويق، وانه لذلك ينبغي ان يكون جزءاً من ممارسة كل مدير عودته من جديد إلى مقاعد الدراسة بين حين وآخر لفترة أسبوع في كل مرة.

ويشير إلى حقيقة كون كثير من الشركات الكبيرة قد شرعت في تبني تسهيلات للتعليم داخل مؤسساتهم حالياً، الا انه ينصح بتوخي الحذر في ذلك منبهاً إلى ان أعظم خطر تواجهه الشركة الكبيرة هو الاعتقاد بان هنالك طريقة صحيحة، وطريقة خاطئة، والطريقة الخاصة بالشركة، ويحذر بان التدريب الداخلي في المؤسسة ينزع إلى تأكيد وجهة النظر تلك وتقويتها. ويلخص نصيحته في ذلك الشأن بقوله: «المهارات، نعم؛ علمها داخلياً، أما لقصد توسعة الأفق، والتساؤل بشأن المعتقدات الراسخة (الوطيدة)، وللهجر والترك المنظم، فالأفضل ان تتم المواجهة بالتنوع والتحدي. ومن أجل ذلك يلزم تعريض المديرين للناس الذين يعملون في شركات مختلفة ويعملون الأشياء في طرائق مختلفة».

وينهي ملاحظاته منبهاً إلى أن تلك هي بعض الأمور الأساسية التي على المدير ان يعلمها وأن يعملها ليجعل من نفسه امراً فعالاً ومستمراً في فعاليته كمدير في عالم سمته التحدي، وان الفرص المتاحة كبيرة جداً، نظراً لكون التغير هو فرصة، إلا انه ليس هناك من قابلية للتبنؤ، ومذكراً بأن الاضطراب يتميز بكونه ليست له قابلية التنبؤ بأين ومتى وكيف، وبأننا إنما نعيش في زمان مضطرب وليس لانعدام وجود الكثير من التغير، ومن ثم يشدد دركر بأنه على المدير التنفيذي الفعال ان يكون قادراً على التعرف على الفرص وعلى الجري معها، وعلى التعلم وعلى التجديد الدائم للقاعدة المعرفية التي يرتكز عليها(51).

العدد 2335 - الإثنين 26 يناير 2009م الموافق 29 محرم 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً