العدد 2335 - الإثنين 26 يناير 2009م الموافق 29 محرم 1430هـ

ألان آر. كوهين في كتابه «الـ إم. بي. ايه القابلة للنقل في الإدارة»

يضم الكتاب الذي قام كوهين بتحريره اثنتي عشرة دراسة اعدها خمسة عشر من الاكاديميين الجامعيين المختصين في تدريس مختلف موضوعات الإدارة في عدد من كبريات الجامعات في الولايات المتحدة وكندا والسويد. ويتكون من قسمين يضم الأول منهما مقدمة عن إعداد كوهين (مدارها المتات الجديد للقيادة، والتأثير، وعمل الفريق وإدارة التغيير)، وست دراسات تتناول الموضوعات التالية:

القيادات ذات الرؤى.

بناء فرق الأداء العالي.

إدارة السلوك الفردي: إظهار أفضل ما في الناس.

النفوذ والسياسة والتأثير: الذكاء وجوهر العمل في المنظمات.

التفاوض استراتيجياً.

إدارتك لنفسك: بناء مسار مهني.

ويضم القسم الثاني ست دراسات مدارها القضايا التالية:

تصميم المنظمات المؤثرة.

إدارة الموارد البشرية استراتيجياً.

الفرق ذاتية الإدارة: التنظيم الجديد للعمل.

إدارة التنوع: الاستفادة من مواهب قوة العمل الجديدة.

إدارة التغيير.

خاتمة: قادة المستقبل يجب ان يكونوا مديرين عالميي النطاق.

وتجدر الاشارة إلى أن الدراسة الأخيرة هي من إعداد روزابث موس كانتر R.M.Kanter المختصة في الكتابة عن إدارة التغيير.

ان الموضوعات التي تناولها الباحثون تشكل في مجموعها أهم القضايا التي تواجهها الإدارة في الغرب في مسار تطورها كعلم وكفن في الوقت الحاضر. وهي قضايا ومسائل جديرة بالدراسة الجادة والتفهم الواعي. وليس القصد هنا استعراض محتوى ومضامين هذه الدراسات وانما سيقتصر على بيان عدد من النقاط الهامة التي تضمنتها كل من المقدمة التي مهد بها كوين لعرض تلك الدراسات وعلى وجه التحديد ذلك الجزء من المقدمة الذي يبين فيه الكيفية التي تناول فيها الكتاب تحديات القيادة والإدارة، والخاتمة التي استعرضت فيها كانتر عدداً من الاستنتاجات حول موضوعات الكتاب. وبيان ذلك كما يلي:

آراء كوهين:

يمكن عرض أهم ما بينه كوهين في أربع نقاط وخلاصة ينتهي إليها بشأن مضامين الكتاب. اما النقاط الأربع فهي:

-1 انه بالنظر لكون مشكلات الإدارة عالمية، فإن كثيرين من المؤلفين والاكاديميين والممارسين قد ملأوا العديد من الصفحات بالنصائح حول كيفية القيادة والتنظيم والمراقبة والتطوير أو بمعنى آخر كيفية إدارة الناس، وبعض ما كتب هو فعلاً مفيد. ولكن من النادر ان نجد مادة لا تكون إما نظرية غير مثمرة، أو انها مقيدة بخبرة فردية من ناحية أخرى.

-2 إنه حتى في المقررات الدراسية في هذه الموضوعات التي تقدمها كثير من برامج الماجستير في إدارة الأعمال لا تجد دوماً طريقاً للجمع بين ما هو تصوري (فكري) وما هو عملي، والمزج ما بين التحليل وممارسة المهارات، ولا هي تخلق خبرات تعلمية ومتوازنة بحيث يمكنها السير بها قدماً في دنيا العمل فتوجه السلوك في وضعيات جديدة، وتوفر إطاراً يجعل من التعلم المستمر أمراً ممكناً.

-3 إن التعلم المستمر ضروري لأنه ما كل شيء معروف عن فن وعلم القيادة والإدارة، وليس هناك إلمام بتفصيلات فن القيادة والإدارة وعلمهما المتصفين بغموض الدلالة. ومثل هذا التعلم المتواصل بوسعه ان يكون مثبطاً ومخيباً جداً لدى مواجهته بمجموعة مخربة بدلاً من ان تكون ميسرة لحل المشكلات، ولدى مجابهته من قبل شاغل لمركز منذ عهد بعيد متمسك بطرائق وأفكار وعادات قديمة ولا يريد لها تبديلاً، أو لدى اثارة ارتباكه وحيرته من قبل مرؤوسين اثنين يصران على مهاجمة بعضهما البعض بدلاً من أن يعملا متعاونين. غير ان دنيا الإداري هي أكبر في شدة تعقدها من ان تكون قد تيسر تشريحها كليا أو أمكن تحويلها إلى مجموعة من المعادلات والصيغ والعبارات النصية (الاصطلاحية).

-4 وحتى لو كان كثير مما يحتاج المديرون إليه قابلاً للتنظيم والتصنيف فإن الواقع يقضي بأن يظل ذلك مناطاً حمله بالمدير - وقد يكون المدير بالتأكيد رائعا ذكيا مباليا، إلا انه امرؤ مستغرق في عمله له أسلوبه الخاص به، وخصوصيته في البنية والمزاج، ولقد يكون ذلك مبعث إزعاج وضيق وعناء لبعض من الناس بالرغم من حسن مقاصده. تلك هي طبيعة العمل الإداري، إذ إنها ليست في جوهرها تلاعباً علمياً بالتحكم عن بعد، وإنما هي صنعة أفراد هم بشر يعيشون ويتنفسون - وهم جزء من العمل الجاري. وعندما يشير مدير بسبابته تجاه احد مرؤوسيه يرفض للتو عمل ما يريده المدير، فإن أهمية ملاحظة المشير بسبابته هي في نفس درجة أهمية تحليل من توجه السبابة نحوه.

تلك هي النقاط الاربع التي تتضمن أهم ما بينه كوهين حول الكيفية التي تناول فيها أصحاب الدراسات في كتابه تحديات القيادة والادارة. واما الخلاصة التي انتهى اليها بعد بيان ذلك فقد جاءت على النحو التالي:

«وبينما يمكن الجزم بأنه ليس هنالك من كتاب بوسعه أن يوفر للصفوف الدراسية الخبرات التي تتيح المجال لممارسة المهارات البشرية اللازمة للقيادة بفعالية إلا انه بالامكان القول إن هذا الكتاب يقدم مجموعة مؤتلفة فذة تضم وتجمع بين ما هو ذو علاقة بالمفاهيم وبين ما هو عملي»(52).

ولكم كان كوهين محقاً فيما انتهى اليه. فلقد كانت جميع دراسات الكتاب غنية بما قدمته في تلك المجالات سواء ما جاء ضمن نطاق الأطر الشخصية وما ارتبط بالعلاقات ما بين الاشخاص مما احتواه القسم الأول من الكتاب أو ما ورد ضمن نطاق الأطر التنظيمية مما شمله القسم الثاني منه.

آراء كانتر

تقرر كانتر ستة أمور في شأن القادة في المستقبل والمهارات القيادية التي سيحتاجون إليها للقيام بمهامهم على أفضل وجه وبيان ذلك كما يلي:

-1 انه في المستقبل سيكون مجال تطبيق مهارات القيادة المحدودة في الكتاب هو العالم كله كميدان لها.

-2 ان العولمة Globalization تأتي للمديرين بتحديين يكادان ان يكونا متعارضين هما (1) زيادة الحاجة إلى التعاون والتنسيق ما بين الأعمال التجارية وما بين البلدان من أجل ايجاد معايير عامة وطرائق ولغات وأساليب شحن وأنظمة نقل وروابط اتصالات، و(2) زيادة المعرفة بالاختلافات ما بينها.

-3 ان المهارات السلوكية (كالتأثير، والتفاوض، وعمل الفريق، والنظرة الخلاقة، والتعامل مع المرؤوسين الصعبين، وإدارة المسار المهني، وإدارة التغيير) ستعلب دورها بشكل بارز في الوضعيات على المديرين في النطاق العالمي ان يديروها.

-4 ان هناك ثلاث مجموعات من المديرين الذين عليهم ان يواجهوا هذه القضايا في النطاق العالمي هم المشمولون في توجيه دفة الأمور في المؤسسات والمشمولون في التوزيع في النطاق العالمي والمشمولون في الاستيراد في النطاق العالمي.

-5 ان الإدارة في النطاق العالمي تأتي في عدة صور، وهي لا تقتصر على الشركات المتعددة القومية أو الشركات ذات الفروع المتعددة في العالم، وهي ليس بالضرورة منظمات كبيرة لكي يلزم عليها ان تفكر في النطاق العالمي.

-6 مع توسع نطاق عمل المنظمات عبر الحدود هناك ثلاث وضعيات عامة (شاملة) generic، وعلائق وادوار للناس فيها، تمتد من السفرات القصيرة المدد إلى الخارج، إلى تعيينات فيما وراء البحار في شركات متفرعة عن الشركة الأم، إلى التفاوض مع شركاء أجانب.

وتوضح في شأن الاتصالات أمرين هامين هما:

-1 ان هناك الاتصالات التي تأتي على أساس قصير أو مؤقت، وهناك الاتصالات الهيراركية ما بين الرئيس والمرؤوس، وما بين مركز القيادة والميدان أو مع المديرين المحليين في بلدانهم. وان هذا يتطلب قيام شبكة من الاتصالات، ومثل هذه الشبكة تشتمل على مهارات متعددة، ومعرفة بالترتيبات التنظيمية:

- اختيار الشريك المناسب.

- تعريف «التساوق» compatibility بلغة تجارية وتنظيمية - فهم الاحتياجات وقوة التأثير Ieverage التي تأتي بها الشركات تجاه علاقاتها بالشركات الأخرى.

- تقرير كيفية توزيع المنافع الاقتصادية.

- تأسيس نظام لممارسة السلطة governance system

- فهم ما يمكن ان يمنى بالاخفاق، والتفاوض بشأن التغيير في العلاقة نفسها.

- تعديل أو احداث تغيير أساسي للنظم الداخلية لتسمح بالتنسيق وانتقال التعلم الضروري للانتفاع من التعاون الخارجي - «البنية التحتية» للعلاقات الفعالة القائمة عبر الحدود cross - boundary.

-2 ان مهارات الاتصال في النطاق العالمي لها بعد إنساني، إذ انها تقر بأهمية المعرفة بالأماكن والثقافات الأخرى، وبأنه قد يكون لدى أهل تلك الأماكن والثقافات من المعرفة والمهارات ما هو جدير بأن يكتسب، وان هذا الاهتمام بالعلاقات ما بين الشركات من جهة، وعبر الحدود من جهة أخرى يقود بدوره إلى قضايا تتعلق بالناس - دور الاختلافات في القيم الثقافية في البلاد المختلفة.

وتبين في شأن أهمية العلاقات مع الناس عبر الثقافات، وأهمية فهم الفروق الثقافية بينهم ما يلي:

-1 ان جزءاً كبيراً من الفعالية في الإدارة عبر الثقافات cross - cultural يستلزم الفهامة والفطرة السليمة common sense الجيدتين بشأن إدارة الناس والعلاقات عموماً، ولكن هناك أيضا بعض الفروق الضئيلة والتعقديات المضافة بسبب البعد عبر الثقافي، ومن بينها انفاق طاقة إضافية:

- هناك فرص أكثر لحدوث سوء اتصالات ذات دلالة استراتيجية، سوء تفسير مفهوم رئيسي أو اساءة قراءة تلميح.

- هناك حاجة أكبر للوعي للذات لفهم الافتراضات التي يحملها الآخرون عنك، ولتعديل السلوك عند اللزوم لمواجهة مثل هذه الافتراضات.

- هناك متغيرات وقضايا أكثر للاخذ في الحسبان لدى تطويرك لاستراتيجية تفاوضية أو إدارة لنزاع أو اقناع بقبول اقتراح.

- وهناك احتمال قوي أكبر لاختبار الانزعاج أو الاعياء من الجهد العقلي أو العاطفي الاضافي - حتى التوتر لسماع لغتك تنطق بلهجة غير مألوفة لديك أو لنطقك بها ببطء أكثر من المعتاد لتجعل نفسك مفهوماً.

-2 ان الفروق الثقافية تحتاج إلى ان ينظر اليها وفقا لعلاقاتها الصحيحة أو اهميتها النسبية. فلقد تكون أموراً شديدة العاطفية، ويختلف الناس في ارتياحهم حتى لدى ذكر مثل هذه القضايا المحملة بالقيم... وليست كل القضايا الثقافية، حتى وان وجدت الفروق، هي ذات متات من وجهة النظر التجارية أو الإدارية. ولكن المعرفة في موازاة بعض الأبعاد يمكن ان تكون معينة جداً:

- الاتجاهات نحو السلطة

كيف ينظر الناس إلى الهيراركية؟ وما مدى أهمية المرتبة النسبية للناس الذين تتعامل معهم مقارنة بمرتبتك؟

ان المشاعر التي يحملها المرؤوس تجاه السلطة تؤثر في كمية المعلومات التي يكشف النقاب عنها وكذلك فيما يحتمل ان يكون عليه مدى أمانة المرؤوسين (لدى تباين ذلك مع مراعاة واجبات الاحترام الذي يحمله امرؤ لآخر في مركز أعلى ومن ثم يكون ذلك المرء لطيفاً بإفراط ويحجب عنه المعلومات السلبية).

- الحوافز والمكافآت

ما الذي يجعل الناس يبدون طيبين تجاه الآخرين أو يحصلون على المنزلة الرفيعة في مجتمعاتهم؟. ما هي خصائص المسار المهني الملموسة والحوافز المالية للناس الذين تتعامال معهم؟. وكم هي القيم المعطاة لمختلف أنواع المكافآت؟

ان كيفية قياس النجاح تختلف اختلافاً كبيراً - فمثلاً ما أهمية المال مقارناً بالكرامة أو الشرف؟ ان معرفة من هذا النوع تخبرك عما يدفع الناس للتصرف كما يفعلون، وما هي القوة التي بوسعك ان تكون لديك في المفاوضات، وما هي المنافع التي عليك ان تقدمها للأفراد الذين أنت على اتصال بهم، وليس لشركاتهم فحسب.

- شعائر اللطف والمحظورات. كيف يكون التعبير عن الاحترام (أو عدم الاحترام)؟

انه من السهل ان تجرح شعور البعض لعدم فهمك معاني كلمات أو إيماءات، أو تجرح شعور الآخرين باللامبالاة بالواجب كأن لا تقوم بإيماءة مهمة. ان الاشعار بالاحترام ضروري.

وتنبه إلى انه في التعامل مع الشركات عبر الحدود الوطنية هناك ثماني مناطق يلزم اكتساب المعرفة فيها من أجل تقدير وإدارة الفروق التي من شأنها أن تؤثر في مسار العلاقة هي:

قضايا موضوعية

-1 القواعد والأنظمة الوطنية.

-2 اقتصاد الشركة واستراتيجياتها.

-3 الحجم النسبي للشركة وقوتها ومواردها وأدوارها.

-4 ممارسات الشركة ونظمها.

قضايا ذاتية

-5 الجماعات الثقافية الوطنية والقيم.

-6 ثقافات الشركة.

-7 الاساليب السلوكية - مثل الوضع الذهني والنفسي التفاوضي.

-8 الصور النمطية عن الآخرين وما يعزى اليهم ثقافيا(53).

وتجمل كانتر استنتاجاتها على النحو التالي:

«ان تفهم واستحسان هذه الفروق في موازاة هذه الابعاد أمران ضروريان للإدارة الفعالة لقضايا ما هو عبر الثقافات وعبر الحدود. والسؤال هو (كيف نختلف نحن عن الغير؟). وبوسع المديرين على النطاق الدولي أن يحددوا مجالات التساوق أو النزاع؛ وبوسعهم أن يتوقعوا المشكلات أو المجالات التي يلزم أن يتعلموا عنها، من أجل النجاح في تعاملهم مع نظرائهم الأجانب. ويستطيعون أن يروا القيود أمام استراتيجيات التغيير. ويستطيعون ان يحددوا موقفا عقليا ومزاجيا للتفاوض، وان يشكلوا تكتيكات التأثير، وان يجدوا المفتاح لعلاقات الثقة. ويقدرون على ان يصمموا منظماتهم تصميماً أفضل ويديروا مواردهم البشرية استراتيجياً.

وعلى رغم كل التكنولوجيا التي ستربط مديري المستقبل في شبكة على النطاق العالمي - كالتبادل الالكتروني المباشر، ومؤثرات الفيديو، وآلات الفاكس، والطائرات النفاثة الأسرع من الصوت، والتوصيل الليلي - فإن الأساس الاصلي للنجاح على المستوى العالمي سيظل واحداً من أكثرها قدماً: التواصل المباشر بين البشر. والحياة التنظيمية بكاملها تحتاج إلى أن يعمل الاعضاء في نسيج من العلاقات، والمسرح على النطاق الدولي يمد على نحو مثير نطاق ذلك النسيج. ولسوف تزداد حاجة المديرين لأن يكونوا قادرين على شق طريقهم بحذر، فاهمين للترابطات واللاعبين في كل نقطة، بينما يظلون محافظين على استمرارية احساسهم بالثقة بالنفس، وان نجاح المرء كمدير في المستقبل سيتطلب ما لا يقل عن ذلك»(54).

ذلك ما أوردته كانتر. ولا يسع كاتب هذه السطور إلا أن ينبه إلى حاجة الكثيرين من المديرين العرب إلى استيعاب تلك الحقائق في شأن تفهم واستحسان الفروق المنوه بها، وإلى وعي حقيقة حاجتهم المتزايدة للتمكن من السير قدماً في أداء مهامهم بالحذر الكافي وبالوعي لطبيعة تلك الترابطات المنوه بها مع حفاظهم على الثقة بالنفس فيما يقومون به وإدراك كل ذلك كعناصر أساسية ولازمة لضمان نجاحهم في أداء مهامهم كمديرين.

والآن وقد تم استعراض الكيفية التي جرى فيها تناول تلك الأدبيات السبع لمختلف القضايا والسمائل المختارة في هذه الدراسة، فإن ما يأمله كاتب هذه السطور من ذلك كله ان يكون القارئ قد كوّن لنفسه صورة عن ما هية الإدارة وعن وظائفها وأنشطتها ومهاراتها، وان يكون قد بات أكثر تبيناً لما تعنيه الفعالية في الإدارة، وأكثر تبصراً بما يحمله كل من مفهوم «المدير» ومفهوم «الإداري» من معانٍ، وأوسع معرفة بالأدوار التي يلزم القيام بها في العمل الإداري وبنوعية المهارات اللازمة لتأدية تلك الأدوار على النحو الصحيح والملائم والمطلوب. وهنا أيضا يكون من المناسب تسجيل عدد من الملاحظات التي تربط بين بعض ما تم تقديمه في شأن الموضوعات المختارة والتي تم تحديد مداراتها قبلاً. وهذه الملاحظات هي:

اولاً: جلي مما ورد فيما يتعلق بتنوع الوضعيات التي يتم فيها العمل الاداري وما يطرأ عليها من تغيرات في طبيعتها ومسارها الا تكون للإدارة صورة ثابتة، ومن ثم فإن صورة الإدارة اليوم من حيث كونها عملية وأنشطة ومهارات هي غير ما كانت عليه في الستينيات والسبعينيات بل والثمانينيات. وكما ان صورة الإدارة تتغير بتغير الزمان فإنها كذلك تتغير بتغير المكان بالنظر لخصوصية ونوعية الثقافة السائدة والتقاليد والقيم التي تشتمل عليها تلك الثقافة في البيئة والوسط الذي تقوم فيه تلك الإدارة. بل ان نوعية الإدارات تتباين في الوسط الواحد والبيئة والواحدة والمكان الواحد نتيجة لبعض تلك المؤثرات، وتتباين حتى في المؤسسة الواحدة وفي المجال الواحد لاختلاف خبرات وقدرات المديرين والإداريين فيها.

ثانياً: ان طبيعة التطور المعرفي في مجال الإدارة وطبيعة المتغيرات التي تطرأ على البيئة والوسط الذي تقوم فيه والسرعة التي باتت تحدث بها تلك المتغيرات المؤثرة من اقتصادية وتكنولوجية واجتماعية وسياسية واخلاقية اخذت تسهم خلال الثمانينيات والتسعينيات في تغيير طبيعة الإدارة وزيادة تعقيدها على نحو لم يشهده تاريخ تطور الممارسات الإدارية طوال عقد السبعينيات وما قبلها، فلا عجب بعد ذلك ان تعتبر الإدارة اليوم عملية معقدة.

ثالثا: هناك توجه متزايد نحو اعتبار الإدارة فاعلية سياسية، ويرجع عدد من علماء الإدارة هذا الأمر إلى كون الأفراد والجماعات العاملين في المنظمات هم ذوو مصالح وأنهم يسعون إلى الحفاظ عليها وتنميتها، ويعتبر كثير منهم أن تضارب المصالح في المنظمات هو وجه من أوجه الحياة التنظيمية. ولا يختلف علماء الإدارة وكتابها في ان المهارات السلوكية (كالتأثير والتفاوض وعمل الفريق والتعامل مع المرؤوسين الصعبين، وإدارة المسار المهني، وإدارة التغيير) قد أصبح لها دور بارز، واحياناً يكون هذا الدور حاسماً في تحديد مسار تطور الأمور وكيفية تسيير دفتها في الوضعيات التي يمارس فيها المديرون فعالياتهم وعليهم أن يديروها.

رابعاً: هناك توجه نامٍ نحو قبول التصور القائل بأن العمل الإداري يتحدد بمطالب تفرضها الوظيفة، وقيود تحدد ما يمكن لحامل الوظيفة فعله، وخيارات يمارسها المدير يكون نطاقها المجال القائم والمفتوح ما بين ما تحدده المطالب المفروضة وما تحده القيود، وان الوظائف تتباين في مدى ما يتيسر للوظيفة الواحدة من خيارات، وان المديرين في الوظيفة الواحدة يتباينون في مدى ما يدركونه من الخيارات المتاحة لهم ومقدار ما يتأتى لهم ممارسته منها في عملهم الإداري نتيجة لمدى سعة وعمق ذلك الادراك.

خامساً: لا يختلف علماء الإدارة وكتابها في انه إلى جانب كون وظيفة المدير معقدة فإنها تحتاج إلى مستوى عال من مهارات وأساليب متعددة ومتنامية تشمل فيما تشمله حل المشكلات وصناعة القرار ومهارات التعامل مع الناس (أفراداً وجماعاتٍ) من العاملين في داخل المنظمة ومن خارجها، وعمل الفريق وإدارة التغيير وإدارة الوقت.

سادساً: لا يختلف علماء الإدارة وكتابها في ان المديرين في مهامهم المختلفة وادوارهم المتنوعة بات عليهم في الوقت الحاضر ان يعملوا في ظروف زمانية ومكانية مختلفة ومتغيرة ويكتنفها الكثير من الغموض والتناقض والمفارقات. وان عليهم في نظراتهم المستقبلية ان يطوروا فلسفاتهم وان يستحدثوا تقنيات متجددة لكي تتاح لهم امكانية التغلب على مثل تلك الوضعيات. وان كثيرا من تلك الوضعيات تتصف بكونها غير محددة بالدقة اللازمة والمطلوبة، وبالتالي لا تخضع للتفسيرات المتسمة بالوضوح التام، كما انها تفتقر إلى الطرائق والاجراءات الجاهزة للتطبيق، ومن ثم فإن الحاجة قائمة دوما للتجديد المستمر والتجديد المتواصل في تلك المجالات.

بهذا نكون قد انتهينا من عرض مختلف الآراء والأفكار في مجالات القضايا والمسائل المطروحة ومن تقديم الملاحظات حول ما يقوم بين كتاب الإدارة ومؤلفيها من نواحي الاتفاق والاختلاف في تلك المجالات. وهذا يقودنا إلى الغاية من إعداد هذه الورقة وهي غاية لا بد ان القارئ الحصيف قد ادركها.

ان الاحاطة بما يورده علماء الإدارة وكتابها من تعاريف لها سواء بمفهوم management أو مفهوم administration وما تحمله تعاريف كل من الاصطلاحين من تباين واختلاف في النظرة، وكذلك الإلمام بمختلف وجهات النظر فيما يتعلق بمفاهيم الإدارة وأهدافها ووظائفها ومهامها وأنشطتها وفعالياتها والعمليات المتضمنة فيها وأدوار المديرين والإداريين والمهارات المطلوبة واللازمة لها، من شأن ذلك كله أن يزيد من تبصر دارس الإدارة بحقيقتها كعلم وكفن، ومن شأنه ان يعمق من تفهم الدارس لجوهر ما تعنيه تلك الأهداف والوظائف من جهة وما تعنيه فعالياتها وأنشطتها في ترابطها وتفاعلاتها من جهة ثانية، والأدوار والطرائق والتقنيات المتعلقة بها واللازمة لتطبيقها من جهة ثالثة. ويكون لذلك أثره الفعال في زيادة أبعاد ثقافة المرء وخبرته سواء أدارساً للإدارة كان أم ممارساً لها، وبغض النظر عن المجال الذي ينتسب إليه أو الميدان الذي يعمل فيه، ومهما كانت الخلفية الثقافية التي ستند إليها أو طبيعة التخصص المهني الذي يحمله. ويهم كاتب هذه السطور أن يختتم الورقة بعبارة أوردها السير جون إيغان في المقدمة التي كتبها لكتاب «حل المشكلات وصنع القرارات» الموجهة إلى دراسي الإدارة وممارسيها في بلاده (بريطانيا) ونصها هو:

«إن على المديرين كافة أن يضمنوا بأن ما حصلوا عليه من تعليم وتدريب هو كاف لتحديات العمل اليوم وغداً، وان قصر الاعتماد على التعلم عن طريق الخبرة في مواقع العمل من شأنه ان يترك الكثير للصدف، وان المدير الناجح يتقبل تطوير نفسه وتطوير موظفيه»(55).

والواقع ان هذه العبارة قد استوقفت كاتب هذه السطور لدى قراءته لها إذ مر بباله حال الكثيرين من المديرين والإداريين في البلاد العربية كافة ومدى حاجتهم إلى استيعاب ما تحمله تلك العبارة من مضمون. وان امله كبير في ان يكون في النهج الذي اتبعه في التعريف بما حوته المؤلفات المنوه بها بالنسبة للقضايا والمسائل المطروحة ما يشجع دارسي الإدارة وممارسيها على التمعن فيما شرحته الورقة من أفكار وآراء وما عرضته من مقترحات وتوجيهات، وما بينته من توجهات، والاستفادة منها في ممارستهم للإدارة.

وإذا ما انتهى قارئ هذه الدراسة من مطالعتها وقد تكونت لديه رغبة في الاطلاع على المزيد من مسائل الإدارة الحديثة وقضاياها ونما لديه اهتمام جاد بمتابعة الجديد في دنيا الفكر الإداري المعاصر فإن هذه الدراسة تكون قد حققت بالفعل الغاية التي من أجلها تم صرف الساعات الطويلة في إعدادها.

العدد 2335 - الإثنين 26 يناير 2009م الموافق 29 محرم 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً