العدد 1578 - الأحد 31 ديسمبر 2006م الموافق 10 ذي الحجة 1427هـ

أفلحت السياسة الأميركية الخارجية ذات مرّة ويمكنها ذلك مجددا

Common Ground comments [at] alwasatnews.com

خدمة Common Ground الإخبارية

إن إسحق رابين، الجندي المتمرس القوي والمتشدد، هو من حوّل ياسر عرفات، إلى شريك في عملية السلام. عندما وجد رابين أنه من الصعب استخدام عرفات، فهم «أن الحياة في جو مستمر من العنف، والاحتلال، والإرهاب، والخوف، واليأس، تأتي بثمن تعجز (إسرائيل) عن دفعه»، كما قال الكاتب الإسرائيلي ديفيد غروسمان.

عندما أعلن رونالد ريغان بطريقته القاسية وغير الدبلوماسية، الاتحاد السوفياتي «امبراطورية شريرة»، لم يمنعه احتقاره للشيوعية من مناقشة اتفاقات معه بشأن ضبط الأسلحة ومسائل أخرى. كما أن الاهتمامات الذاتية المشتركة جمعت بين واشنطن وبكين في اجتماع تذكاري أسماه رجل الدولة الحاذق والسياسي المرفوض، ريتشارد نيكسون، العام 1972 «الأسبوع الذي غير العالم».

إن مثل هذه الحوارات البناءة هي تقاليد أميركية عظيمة. إلا أن معظم ما قيل أو كتب عن هذه الحوارات في مرحلة 11 سبتمبر/ أيلول كان، للأسف، مبنيا على أساس العقيدة و/ أو التفكير بوحي الأماني. فالولايات المتحدة لن تتحدث إلى إيران وسورية حتى تغير سلوكها. إذ ترى إدارة بوش أنها تستطيع التحدث إلى أعدائها فقط عندما يمكنها تحقيق ما لا يمكن إنجازه من خلال التهديدات العسكرية والسياسات القمعية. ولكن من غير المعقول أن نتوقع من السوريين التخلي عن حركة «حماس»، وحزب الله، وإيران، ومجموعات أخرى لطالما كانت تشكل خطرا على الموقف الاستراتيجي للبلد إلا في حال حصلت في المقابل على حوافز ذات صدقية.

تأتي سياسات العرقلة والحسابات السياسية لسورية، إلى حد كبير، من اعتبار النظام الولايات المتحدة قوة معرقلة للمسائل العربية - الإسرائيلية والاستقرار الإقليمي. لقد أشار الرئيس بشار الأسد في الكثير من المناسبات إلى أن السلام هو خياره الاستراتيجي المفضل، ولكن هذا السلام لا يتحقق إلا عندما تحل مشكلة الحدود العالمية غير المحددة لسورية. إن ما تريده سورية ليس التأكيد ثانية على سيطرتها على لبنان وإنما عودة الجولان الذي استولت عليه «إسرائيل» العام 1967.

إن المواجهة العنيفة الأخيرة والاضطراب السياسي في الشرق الأوسط أكدا مجددا أن لا شرق أوسط جديدا من دون حدود عالمية آمنة ومعترف بها بين «إسرائيل» وجيرانها العرب. إن أكبر مساهمة يمكن أن تقدمها إدارة بوش للمنطقة هي إيجاد إطار تسوية شاملة للنزاع السوري - الإسرائيلي لا يلتقي فيه التطرف مع مصالح الأسد الاستراتيجية. لاشك أن تحقيق سلام سوري - إسرائيلي دائم سيقطع شوطا كبيرا نحو إزالة التطرف في النظام الإقليمي وحرمان نظام البعث السوري من قضية طالما استخدمها من أجل تحويل الدعوات إلى تغيير ديمقراطي. إذا، الأسد على استعداد لاحترام سيادة لبنان واستخدام نفوذه على حماس، وحزب الله، والمجموعات المتمردة السنية بطريقة بناءة، فينبغي أن ترد الولايات المتحدة وأوروبا بالمثل عن طريق تسوية الحقوق الشرعية للمنطقة وإعطاء الأسد مجموعة من الحوافز لا يمكنه رفضها.

كذلك الأمر بالنسبة إلى إيران. تحتاج إدارة بوش إلى إعادة تقييم استراتيجية لعلاقاتها مع طهران تتجاوز حد الخطاب المبسط والمحرض على الحرب لتشتمل على ضمانات أمنية مشتركة ومواثيق ضبط الأسلحة. إن إشراك إيران بطريقة تؤكد أحقية شواغلها الأمنية الشرعية وحقها في إنتاج طاقة نووية مدنية مع ضمان مراعاة عدم انتشارها واحترام معايير حقوق الإنسان قد تشكل حافزا لإيجاد تسوية للنزاع الإيراني - الأميركي. ينبغي على الولايات المتحدة، من أجل تحقيق جدول الأعمال هذا، أن تعتمد سياسة اقتصادية، وثقافية، وسياسية تشبه مشاركتها في الكتلة السوفياتية في عملية «هلسنكي» التي تضمنت «سلة أمنية» اعترفت بالاتحاد السوفياتي كدولة عظمى لديها مصالح عالمية شرعية و «سلة حقوق الإنسان» التي فتحت نظامها الداخلي على معايير حقوق الإنسان. قد يبدو منفرا إشراك نظام إيراني يرأسه شخص يفقده إنكاره المحال للمحرقة ودعواته إلى تدمير «إسرائيل» الأهلية ليكون شريكا في أية مفاوضات محتملة. ولكن من المهم فهم الصراع على السلطة في إيران واحتمال حدوث تقسيم إضافي في نظام هو في الأصل مجزأ. تستطيع المناورة الدبلوماسية الأميركية، عن طريق تقديم عرض عام لإيران لا يمكن للنظام رفضه، أن تجبر النظام إما على رفض صفقة يدعمها معظم الإيرانيين أو إجباره على تقديم تنازلات عن طريق فتح نظامه الداخلي لمعايير الديمقراطية وحقوق الإنسان. يحتاج الرئيس الأميركي جورج بوش، اليوم إلى استراتيجية كبرى للشرق الأوسط تتعامل مع المشكلات المترابطة في المنطقة. «في حال لم يحدد الرئيس أولوياته، سيحددها له الآخرون - الأعداء، أو الأزمات الحالية. قد تصبح السياسة الأميركية عشوائية ومتفاعلة - بعيدة عن مصالح الدولة». كانت تلك كلمات المرشح جورج بوش الذي سخر من كلينتون لسوء قراراته السياسية الخارجية التي «أدت بأمتنا إلى الانتقال من أزمة إلى أخرى كقطعة فلين في تيار».

إنه لمن السخرية أن يفشل بوش في الانتباه إلى خطر الانزلاق من أزمة إلى أخرى من دون أولويات واضحة.

*أستاذ العلوم السياسية ومدير مركز سياسة الدفاع والأمن في جامعة ولبرفورس في أوهايو، وينشر المقال بالتعاون مع خدمة Common Ground الإخبارية

إقرأ أيضا لـ "Common Ground"

العدد 1578 - الأحد 31 ديسمبر 2006م الموافق 10 ذي الحجة 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً