العدد 1578 - الأحد 31 ديسمبر 2006م الموافق 10 ذي الحجة 1427هـ

النارُ الخفيفةُ تُدفئ والنارُ القويةُ تُحرِق

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

جاءت ردّة الفعل الإيرانية تجاه القرار الأممي بفرض عقوبات عليها وفقا للمادة 41 من الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة والتي تنص على عقوبات لا تستدعي اللجوء إلى القوة المسلحة؛ بأعلى درجة تصعيد قالها الرئيس أحمدي نجاد (قراركم حبر على ورق) في قبال المنسوب المتدني للقرار المذكور والذي شَذَّبته كل من روسيا والصين لكي يخرج بصورته المُحسّنة التي صَدَرَ بها قبل أيام . القرار الذي توافقت عليه الدول الخمس عشرة والذي حمل الرقم 1737، لم يستطع فرض عقوبات مُوجِعة على الجمهورية الإسلامية حين كان سقفه يقف حِذاءَ حظر إمداد طهران بأي مواد أو تكنولوجيا نووية، وتجميد الأموال والموجودات والأصول المالية والموارد المالية الأخرى التي يملكها على أراضيها أشخاص أو كيانات إيرانية مرتبطون أو على علاقة مباشرة بالبرامج النووية والبالستية الإيرانية، وضرورة توخي الحيطة بشأن سفر اثنتي عشرة شخصية إيرانية « مُتوّرطة « في الملف النووي الإيراني، لذلك فإن قراءة أوّلية في ردّة الفعل الإيرانية تُفسّر لنا أن طهران أرادت بذلك التصعيد تشتيت مساحة الإجماع بين الدول المعنية عبر خلط جميع الأوراق وبعثرتها على الطاولة ومن ثمّ فرض معادلة مصالح جديدة ربما تخسر فيها بعض الدول أجزاء مهمّة من مصالحها مع إيران لإيجاد زحاف جديد في مواقف الدول الملتئمة، الروس أخرجوا من القرار سلطة الوصاية والتجريم لمحطة بوشهر النووية، والصينيين ساهموا في إبعاد القرار عن نشاطاتهم التجارية مع إيران لحماية الاتفاق الضخم المُوقّع بين البلدين لمدة خمسة وعشرين عاما بقيمة سبعين مليار دولار، والذي تزود بموجبه إيران الصين بالغاز المسال Lng، كما أن بكين استبقت القرار بتوقيع مذكرة تفاهم مع طهران تقدر قيمتها بأكثر من ستة عشر مليار دولار لتطوير أحد حقول الغاز الطبيعي شمال محافظة فارس الذي يُنتِج ثمانين تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي . ردة الفعل الإيرانية « التصعيدية « المذكورة ربما جاءت أيضا لإبقاء موضوع اللجوء إلى مجلس الأمن خطوة « شبه محظورة « لن تزيد الموضوع إلاّ تعقيدا، لذا فإن الملاحظ بأن صيغة القرار جاءت بالشكل الذي يُفقده القدرة على التأثير المباشر عندما ذُيّل بعبارة « الاستعداد لإعادة النظر في هذه الإجراءات، أكان لجهة تعليقها أو إلغائها « كما أن أجزاء مهمّة في القرار هي في الأصل متماثلة مع بنود عدد من الاتفاقيات التي كانت طهران قد وقعتها سابقا مع الترويكا الأوربية كاتفاق باريس .

الشيء اللافت في القرار والذي يُمكن تفسيره على أنه ينطوي على مخاطر أمنية مباشرة على إيران هو ما نصّ عليه من ذكر أشخاص بعينهم قُيل بأنهم مساهمون في البرنامج النووي الإيراني وهم محمد قنادي نائب رئيس الأبحاث والتطوير في منظمة الطاقة الذرية في إيران، وبهمان أصغر بور مدير العمليات بمفاعل المياه الثقيلة في أراك، وداوود آغا جاني رئيس محطة تخصيب الوقود الرائدة في نطنز، وإحسان منجمي مدير مشروع البناء في نطنز أيضا، وجعفر محمدي مستشار فني في منظمة الطاقة مكلف إنتاج صمامات لأجهزة الطرد المركزي، وعلي حاجي نيا ليل أبادي المدير العام لشركة مصباح أنرجي للمياه الثقيلة، والجنرال محمد مهدي نجاد نوري، رئيس جامعة مالك الأشتر المتخصصة في تكنولوجيا الدفاع والتي أجرى فيها قسم الكيمياء اختبارات حول عنصر البيريليوم، وهم ذات الأشخاص الذين أعلن جهاز الموساد الإسرائيلي قبل ثلاثة أعوام بأن عملاؤه قد قاموا برصد هؤلاء الأشخاص بغرض تصفيتهم، لذا فإن تدويل هذه الأسماء بالشكل الذي جاء في القرار يُشكل عملية تزييت للحركة الاستخباراتية الصهيونية تجاههم، وقد يُعطيها جزء من المشروعية، لكنه وفي نفس الوقت لم يُشِر إلى تورّط المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله السيد علي الخامنئي باعتباره المسؤول والمتابع الأول لمجمل البرنامج النووي الإيراني كما صرّح بذلك مُمثله في مجلس الأمن القومي الشيخ حسن روحاني قبل شهرين، ورما تحاشت الدول المُجمِعة على ذلك لسببين الأول عدم الرغبة في إيجاد أزمة سياسية مباشرة مع إيران عبر إثارة قضايا تتعلق بأشخاص معنويين ولهم سلطة كاريزمية داخل النظام وخارجه، والثاني السعي نحو تخصيص الموضوع أكثر وحصره في شخوص تقنية وفنية . كذلك فإن من الأمور الغامضة في القرار هو خلطه بين مسألة تخصيب إيران لليورانيوم ومن ثم مجمل برنامجها النووي وبين طبيعة البرامج التسليحية الأخرى والتي سمّاها القرار بـ « برنامج الصواريخ البالستية « وخصّ فيها عدد من الضباط الكبار في الجيش والحرس الثوري كحسين سليمي قائد سلاح الجو في الحرس، وأحمد وحيد دستجردي رئيس منظمة الصناعات الجوية، ورضا قلي إسماعيلي رئيس قسم التجارة والشؤون الدولية في منظمة الصناعات الجوية، ومرتضى بهمنيار رئيس الإدارة المالية والميزانية في منظمة الصناعات الجوية، وأخيرا الجنرال يحيى رحيم صفوي القائد العام لقوات حرس الثورة الإسلامية، وهو ما يعني تضمين القرار لعدد من الطلبات الصهيونية والتي من أهمها تجريم إيران فيما يتعلق بمنظومتها الصاروخية التي تراها تل أبيب خطرا مباشرا عليها بعد فشل تجارب صواريخها في التصدي لمنظومة صواريخ شهاب الإيرانية.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 1578 - الأحد 31 ديسمبر 2006م الموافق 10 ذي الحجة 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً